ميدان المنشية قصة مكان «تاريخى» صممه معمارى إيطالى.. وافترشه الباعة الجائلون

كتب: رضوي عادل, سارة السيد الأحد 26-12-2010 08:00

يعتبر ميدان «القناصل» أو محمد على كما أطلق عليه فيما بعد، قلب المدينة التجارى الذى يقع فى حى المنشية، والذى شهد العديد من الأحداث وتميز بتخطيطه المعمارى الدقيق الذى يغلب عليه الطابع الإيطالى، حيث صممه معمارى إيطالى يدعى فرانشيسكو مانشينى، ومن اسمه اشتقت كلمة «المنشية»، التى ارتبطت بذكرى محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

رغم الأرستقراطية التى تميز بها الميدان قديماً، إلا أنه أصبح فى الفترة الحالية أقرب ما يكون للعشوائية بسبب غياب التنظيم على جميع المستويات، وانتشار الأسواق التجارية به، مثل سوق «الخيط»، و«سوق ليبيا»، و«زنقة الستات»، و«سوق الذهب»، بالإضافة إلى مواقف الميكروباصات العشوائية، والمشهد شبه اليومى المطاردة بين الباعة الجائلين وشرطة المرافق، وتحول معظم مبانيه التراثية إلى مصالح حكومية، وفنادق، لم تحافظ على جمال المعمار أو حاولت صيانته ليبقى الميدان كما أنشأه مجلس «الأورناطو» عام 1834.

وأدرك محمد على أهمية المدينة بعد تنصيبه والياً على مصر، فعمل على النهوض بها ووضع أسس تنميتها، ففى عام 1834 أنشأ مجلس «الأورناطو» وكان اختصاصه وضع لوائح البناء وتوسعة الشوارع، ويرجع إليه الفضل فى إنشاء «ميدان القناصل» أو «محمد على» فيما بعد، وأصبح الميدان قلب الثغر التجارى، وامتدت المدينة منه متتبعة التخطيط الأوروبى، خاصة الإيطالى، ويظهر ذلك جلياً فى تصميم بعض المبانى، مثل مبنى وكالة «منشة» ووكالة «مونفراتو» ومبنى المحكمة المختلطة أو «الحقانية».

قال الدكتور عباس يحيى، نائب رئيس لجنة الحفاظ على التراث المعمارى، فى المحافظة عن التصميم المعمارى لميدان محمد على وميدان عرابى، وما وصلا إليه فى الفترة الحالية أن معظم المبانى التراثية التى أقيمت فى منطقة المنشية لاتزال موجودة لكنها تحتاج صيانة وتجديداً حتى يعود الميدان لسابق عهده، خاصة أنه أصبح يضم العديد من المصالح الحكومية والمواقف والمحال التجارية ويحتاج للاهتمام حتى لا تتعرض الثروة المعمارية الموجودة به للضياع بسبب سوء الاستخدام بحسب الخبراء.

وأوضح «يحيى»: «اللجنة تولى اهتماماً كبيراً بالمبانى التراثية، وتتولى تنبيه المحافظة فى حالة وجود تهديد لأى من المبانى، حتى تسارع فى إجراءات ترميمه وصيانته، على أن تكون الجهة المنفذة (بيت خبرة) ولديه سابقة أعمال فى صيانة وترميم المبانى التراثية»، مؤكداً عدم وجود خطة حالية تدرج المبانى الخاصة بميدان محمد على وعرابى فى خطة تطوير، مطالباً بتوسيع اختصاصات اللجنة بحيث تتولى اقتراح المشروعات وضع الأولويات بالنسبة للمبانى التراثية التى تحتاج صيانة، ومنها ميدان محمد على.

«أى طرحة باتنين جنيه» ينادى بصوت عال ليعلن عن بضاعته، شاب فى العشرينات من عمره، يقف على جانب الرصيف ليقلب البضاعة الملقاة أمامه على قطعة قماش، لا يستطيع أن يلاحق الازدحام، فيقول بلهجة أقرب للريفية، «بالراحة على البضاعة».

موسم العيد كان فرصة جيدة للبيع وتحقيق مكاسب، لـ«محمد أحمد» هكذا قال. وأضاف: «أقوم بالبيع هنا من أربع سنوات، الفلوس اللى بتطلعلنا أثناء العيد ورمضان ممكن تكون بالسنة كلها، الناس بتجيلنا من كل مكان عشان تشترى مننا».

وتابع محمد: «أنا أصلا مش من إسكندرية، أنا من كفر الدوار بس باجى كل يوم عشان أبيع هنا، بس مليش مكان معين، يعنى أحيانا فى المنشية، وممكن ساعات فى الإبراهيمية، بس المنشية أكتر مكان بأبيع فيه».

عبداللطيف أحمد، أحد الباعة فى كبرى المحال الموجودة فى الميدان، يعتبر المنشية أكبر مكان للتسوق فى المحافظة، ولا يرتبط بمستوى مادى معين، قائلا:«ليس صحيحا أن المنشية يأتى إليها محدودو الدخل فقط، ففيها بضائع من كل الأنواع لكل المستويات، ومكان للترفيه لكل الطبقات».

واعتبر «عبد اللطيف» أن هذا الزحام طبيعيا فى منطقة مثل المنشية، وشبّهها بميدان «العتبة» فى القاهرة، حيث يعتبر مكانا للتسوق والشراء للمواطنين، مقترحا أن يكون هذا الميدان منطقة بيع وشراء فقط، وأن يتم تنظيم حركة البيع فيه وتابع: «أنا صاحب محل لكنى أتضرر من الباعة الذين يبيعون على الرصيف، فأحيانا كثيرة يسببون الزحام على وإذا حدثت أى مشاجرات أثناء الزحام قد تضرنى وتضر بضاعتى».

وقال حسام على أحد سكان المنشية: من النادر أن تجد عمارة سكنية، فمعظم المبانى هنا بنوك، ومؤسسات حكومية، فالمنطقة طاردة للسكان ومن النادر أن تجد فيها سكاناً يسكنون البيوت ذات الطراز المعمارى القديم، رغم ارتباطها بمبان قديمة مثل محكمة الحقانية، وميدان محمد على، والبنوك، وطالب «حسام» بتوجيه مزيد من الاهتمام لمثل هذه المبانى، ذات الطراز القديم، حيث تضم منطقة المنشية مبانى لها قيمة تاريخية وفنية كبيرة.

وقال أشرف زريق، رئيس لجنة المرافق فى المجلس المحلى لحى الجمرك، إنه تم إنفاق مبالغ هائلة على ميدان المنشية لتطويره، مشيرا إلى أن هناك عدم اهتمام بالنواحى الجمالية، وأضاف للأسف مفيش حد بيحافظ على المبانى الأثرية ولا الجمال. وأوضح «زريق»: «الميدان انتشرت فيه أعمال البلطجة ومروجو المخدرات، وأعمال التطوير التى تقدم كاقتراحات يتم تنفيذها ببطء» مستطردا: «هناك تطوير فى الميدان، لكنه يتم ببطء رهيب، لا يتماشى مع أهمية المكان».

وأضاف «الباعة الجائلين فى الشوراع يمثلون صداعاً فى رأس المسؤولين، لكن لا يمكن فى الوقت نفسه عمل باكيات لهم، لأن الميدان لا يستوعب ذلك، وأغلب العاملين والباعة يأتون من خارج المحافظة، ولن يلتزموا بذلك، بالإضافة إلى أن الميدان لا يستوعب، عمل باكيات بسبب كثرة المبانى الأثرية والحكومية به».

وحمل «زريق» المواطنين، مسؤولية ما يحدث خاصة من لا يحترمون الأعمال الجمالية والتطوير الذى تقوم به المحافظة مشيرا إلى أن سلوكيات المواطن تعتبر جزءاً من المسؤولية، فهناك مواطنون يقومون بالكتابة على الحوائط، والتماثيل الأثرية، بالإضافة إلى إلقاء القمامة فى الحدائق العامة، وكل ذلك من شأنه أن يعوق عمليات التطوير وترميم المبانى القديمة التى يتميز بها الميدان، مثل محكمة الحقانية وتمثال محمد على وشارع البنوك، والشوارع الشهيرة فى المنشية، وأكد قيام الحى بوضع خطة فى الدورة البرلمانية السابقة لتطوير الميدان، وجعله واجهة مناسبة للمدينة أمام السائحين.

من جانبه قال محمد صالح الطاهر وكيل لجنة النقل والمواصلات فى المجلس المحلى إن هناك موقفين فقط للسيارات فى ميدان المنشية، تلتزم السيارات بهما، إلا أن المشكلة الرئيسية فى التكدس الذى يحدث بسبب الباعة الجائلين الذين يعوقون حركة المرور، وأن أحد الموقفين أمام جامعة سنجور، مؤكدا أنهما موقفان رسميان تلتزم السيارات بهما.

وأكد «الطاهر» أن الأزمة تكمن فى الباعة الجائلين، مطالباً بحملات مستمرة من شرطة المرافق، وقال إنه لابد من إيجاد حل للزحام فى الميدان، الذى يؤدى فى أحيان كثيرة إلى تعطل المرور خاصة فى المواسم التى يكثر بها الباعة.

وتابع «صالح» أن لجنة النقل والمواصلات تقوم بإعداد خطة لإنشاء جراج آلى فى الميدان للتغلب على أزمة انتظار السيارات التى قد تؤدى إلى ازدحام الميدان بالسيارات، إلا أنه لم يتم تحديد مكانه حتى الآن، ولكنه سيكون آلى ويستوعب عشرات السيارات التى يتم ركنها فى شوارع رئيسية بالميدان، وبذلك يكون الجراج الرئيسى الثانى فى الميدان إضافة إلى الجراج الخلفى لجامعة سنجور.

وأضاف: «إدارة المرور فى الميدان تقوم بدورها على أكمل وجه لكن الأزمة، فى شرطة المرافق التى قال إنها لابد أن تقوم بحملات مستمرة، مع إيجاد حل لهؤلاء الباعة الذين قال إن معظمهم من خارج المحافظة«.

ورفض اللواء محمد عيد يوسف، رئيس حى الجمرك وصف الميدان بـ«العشوائى» مشيراً إلى أن مشكلته الأساسية تتمثل فى انتشار الباعة الجائلين بشكل ملحوظ، مما »يشوه« مظهره، مؤكداً أن الحى بالتعاون مع شرطة المرافق لا يألوا جهداً فى ملاحقة الباعة الجائلين وشن الحملات لتطهير الميدان وتنظيفه.

وأكد أن المحافظ اللواء عادل لبيب يدرس خلال الفترة الحالية خطة تطوير لجميع الميادين فى المحافظة، من بينهم ميدانا محمد على وعرابى، ووضع حلول بديلة للباعة الجائلين، الذين يشكلون «صداعاً» فى رأس الميدان، موضحاً أن المحافظ كلّف عدداً من المكاتب الاستشارية الهندسية لوضع تصور شامل لتطوير ميادين الثغر، للبدء فى الخطة مع مطلع العام المقبل، إلا أنها لم تخرج إلى النور.

ولفت إلى أن مشروع «الجراج» المتعدد الطوابق الذى من المفترض أن يقام فى ميدان محمد على سيؤدى إلى حل جزء كبير من الأزمة المرورية التى يعانى منها الميدان، مشيراً إلى أن أى ترميمات فى المبانى التراثية تتبع لجنة الحفاظ على التراث المعمارى بالمحافظة، وهى المنوط بها تولى هذه المهمة.