إضافة إلى السلوك الدبلوماسى الحميم تجاه إسرائيل، ممثلاً فى الممارسات الأخيرة للدبلوماسية المصرية، تناثرت بعض الأقلام فى الفترة الأخيرة أيضاً، دون استحياء، تُبشر بإسرائيل على أنها المخْلِص والمخَلِّص، مما نحن فيه من أزمات داخلية وخارجية، باعتبارها الأب والأخ والصديق، وربما أُم الدنيا، بعد سحب اللقب من الأم الحقيقية بسبب الأزمات المختلفة التى تمر بها، سواء على المستوى النفسى، نتيجة نضوب حليب الرضاعة، أو السياسى نتيجة نضوب «الرُز والسُكّر» بصفة خاصة.
من وجهة نظر هؤلاء، إسرائيل ليست عدواً، أو على الأقل لم تعد كذلك، إسرائيل لديها الكثير من مفاتيح أزمات المنطقة، إسرائيل هى البوابة الطبيعية للولايات المتحدة الغاضبة، الأرض العربية المحتلة أصبحت من الماضى، القدس الشريف والمسجد الأقصى أصبحا من التاريخ، الشهداء المصريون وغير المصريين من حواديت الليل وآخره، لم تعد إسرائيل دولة احتلال، وإذا كانوا يقتلون الأشقاء الفلسطينيين بدم بارد بصفة يومية، ففى عالمنا العربى نُقتل بلا دم على مدار الساعة.
هى وجهات نظر جديرة بالتأمل والتدبر، بالتأكيد ليست جديرة بالاحترام، إلا أن ما تحمله من منطق جعل أولى الأمر يتوقفون أمامها.
للأسف، لم يعد أحد يتحدث عن الدور الإسرائيلى فى الإرهاب الحاصل بسيناء، لم يعد أحد يتحدث عن الدور الإسرائيلى فى بناء سد النهضة الإثيوبى وغيره من السدود الأفريقية، لم يعد أحد يتحدث عن الأسرى المصريين الذين دفنتهم إسرائيل أحياء، لم يعد أحد يتحدث عن عشرات الآلاف من الأشقاء الفلسطينيين فى سجون الاحتلال، لم يعد أحد يتحدث عن الغارات الجوية فى العمق السورى بين الحين والآخر، لم يعد أحد يتحدث عن التغلغل فى العراق واليمن وليبيا بهدف استمرار الاضطرابات، لم يعد أحد يتحدث، وهو الأهم، عن الهدف من وجود إسرائيل بالمنطقة، الذى هو مصر، بمعنى آخر، استهداف مصر.
إسرائيل أيها السادة هى النبت الشيطانى بالمنطقة، الذى لا يمكن علاج الجرح العربى، دائم النزيف، دون استئصاله، كورم خبيث، يساهم بفاعلية فى تنفيذ أجندات التقسيم الخارجية والاضطرابات الداخلية، ويكفى أننا سوف نجدها حاضرة فى كل أزمات المنطقة، من إيران والخليج واليمن، إلى البحر الأحمر والجزر المصرية وأم الرشراش، إلى احتلال الجولان وفلسطين، والعبث فى سوريا والعراق، وحتى الداخل المصرى، من خلال كل هؤلاء الذين أصبحوا يحملون مشاعل الكهانة اليهودية، لتقديمها كدولة وديعة، داعية إلى السلام والوئام، تعيش وسط غابة من الوحوش، التى تكيد لها، لسبب ودون سبب.
ينسى هؤلاء أو يتناسون أن إسرائيل رفضت وترفض كل مبادرات السلام، التى تهدف إلى مبادلة الأرض المحتلة بالسلام، التى من خلالها كانت ستحصل على سفارات فى كل الدول العربية بلا استثناء، وعلاقات طبيعية مع كامل الوطن العربى، حين إقامة دولة فلسطينية على ٢٠٪ فقط من أرض فلسطين التاريخية «أرض ١٩٤٨» وتحصل هى على الـ٨٠٪ الباقية، إلا أنها آثرت أن تقيم المستعمرة تلو الأخرى بالأرض المحتلة، فى إعلانٍ واضحٍ عن عدم حاجتها إلى العرب ولا إلى السلام.
المبشِّرون بإسرائيل، تكتموا على منحها المهام الأمنية فى تيران وصنافير، إلى أن كشف الله سوءتهم، بلسان أحدهم، ممن طبّع معهم مبكراً، فى القرن الماضى، ثم كتب بعد العودة من تل أبيب، فى مجلة «المصور»، التى كان يرأس تحريرها آنذاك، تحت عنوان «بيجين يحظى بتقدير واحترام الشعب المصرى» وذلك بعد أن نصّب من نفسه متحدثاً باسم شعب مصر ووصيّاً عليه، ثم جاء الآن ليتحدث بوضوح عما لا يراه مشيناً، ولا انتقاصاً للسيادة، فكان رد فعل الشارع الذى لم يكن يتوقعه بالطبع، وها هى الأقنعة تتساقط من على وجوه الآخرين، الذين دأبوا فى الآونة الأخيرة على التمهيد لتلك النكسة، من خلال مقالات لم يعد ينظر إليها أحد، بعد أن أصبحوا لا ينالون احترام أحد.
ما أستطيع التأكيد عليه هو أن الضعف المصرى الحالى، على المستويين السياسى والاقتصادى، لا يجيز لنا أن نصبح بلا هوية، لا يجيز لنا أن نتقوقع طوال الوقت فى منظومة شبه الدولة، لا يجيز لأحد، أياً كان، التفريط، ثم التفريط، ثم التفريط، من إثيوبيا وإسرائيل والبحر الأحمر، حتى قبرص واليونان والبحر المتوسط، ذلك أننا أمام أمرٍ هو فى حقيقته بمثابة تصدير مشاكل للأجيال المقبلة، تصل إلى حد الصدام والمواجهات والحروب، بعد الإقرار بحق الآخرين بما ليس حقاً لهم، ليس ذلك فقط، بل إن ذلك المنح قد صدر أيضاً ممن لا يملك، وهو ما لا يستطيع أن يستوعبه هؤلاء ولا أولئك، لذا سوف تظل إسرائيل، والحقوق المصرية والعربية بصفة عامة، قضايا تتعلق بالشعوب، وليست قضايا حكام أبداً، مهما كانت ضغوط بعض النخب المتصهينة.