نساء من بلاد كانت واحدة من أقوى إمبراطوريات التاريخ الحديث، الاتحاد السوفيتى سابقا، وروسيا الاتحادية التى تتكون من 89 جمهورية صغيرة حالياً، بلاد تضم 50 مليونا من المسلمين الروس، وكانت فى الستينيات «قبلة» الراغبين فى العلم و«الاشتراكية». من هناك إلى القاهرة والإسكندرية والغردقة وشرم الشيخ، عاد طلاب مصريون من بلاد «الرفيق الأعلى»، ومعهم زوجاتهم الروس، والبعض وجد زوجة روسية هنا فى مصر، سواء فى «المصيف» أو حتى فى ساحات «جامعة الأزهر الشريف».
«مدينة» سيدة روسية لم تتجاوز الثامنة والعشرين من عمرها، مر على زواجها من مصرى حوالى 5 سنوات، حيث تعرفت على زوجها أثناء دراستها فى جامعة الأزهر.
تقول مدينة: «منذ زواجى وأنا أنعم بحياة سعيدة، وما يتعبنى هو حنينى لبلدى وأهلى فقط، ولكن أنا والروسيات عامة تربينا على الاعتماد على النفس بعيدا عن أهلنا، بحيث يمكنا الخروج للعمل فى أى وقت، وهذه سمة لا أجدها فى الكثير من السيدات المصريات، ولكنى لا أعمل الآن، وزوجى لم يطلب منى سوى ارتداء الحجاب، ورغم رفضى للفكرة فإننى لم أستطع مخالفته فى أول طلب يطلبه منى، وهذه عادتنا التى تؤكد طاعة الزوج، ونعتبر حتى ضرب الزوج لزوجته جزءاً من الحب على عكس ما يفسره العرب، وما يعتقدونه عنا».
أما السيدة سينا جانا، فتقول: «أتيت إلى مصر منذ 8 سنوات بعد زواجى من رجل مصرى، كان يعمل مهندسا فى روسيا، وأشهرت إسلامى هنا، وأهلى لم يرفضوا الزواج أو السفر أو حتى تغيير العقيدة، فالجميع هناك يؤمن كما تقولون فى مصر، بأن الدين لله والوطن للجميع، وشخصيا يعجبنى الاستقرار فى مصر، فهنا شعب طيب للغاية، أما الازدحام والتلوث فهذا أمر موجود فى العالم كله، ويكفى أننا هنا لا نعانى من البرد القارص كما فى بلادى».
سيدة روسية ثالثة، فضلت عدم نشر اسمها، تقول: «نحن كزوجات روسيات ربما تتوافر لدينا سمات يجدها الرجل المصرى مميزات، ويصعب توافرها فى الزوجة المصرية، فمثلا نحن لا نتزوج إلا بناء على قصة حب، ولا نطلب مطالب تعجيزية مثلما يوجد فى مصر، ولا نحب الوقوف أمام مشكلة معينة لفترة طويلة، بل نحاول البقاء فى سعادة لأكبر وقت ممكن مع الزوج، كما نشارك الرجل فى كل شىء، وهناك سبب آخر أظن أنه أهم عامل من عوامل نجاح زيجاتنا، وهو أننا لا يوجد لنا عائل سوى أزواجنا، فأنا مثلا تحملت إهانات حماتى لى، فكانت تقول دائما إنى ضحكت على ولدها وتزوجته، ومن كثرة سبابها تعلمت العربية حتى أفهمها، لكنى تحملت هذا كله لأن أهلى ليسوا هنا كى أذهب إليهم».
لودميليا، رئيسة النادى الروسى فى مصر، من أقدم الزوجات الروسيات اللاتى أتين للمحروسة، فهى تعيش فى مصر منذ 42 عاما، بعد زواجها من الدكتور عبدالمنعم سلامة، النائب الأول للأكاديمية البحرية بالإسكندرية، وهنا أيضا أشهرت إسلامها، وعاشت لترى ماذا حدث فى مصر وفى بلادها.
تقول رئيسة النادى: «الإسلام لم يكن غريبا علىّ، ففى روسيا 50 مليون مسلم، وغالبية الروسيات فى مصر مسلمات، وحاليا ورغم وفاة زوجى وزواج أبنائى فإننى أفضل البقاء هنا، ففى مصر قضيت أهم مراحل حياتى، ولى فى هذا البلد أبناء وأحفاد وأصدقاء».
وعن منصبها فى النادى تقول: «هذا منصب خدمى، أعمل فيه لخدمة الروسيات فى مصر، وبدأت فى الإسكندرية منذ 15 عاما، فاغلب الروسيات يتمركزن فى القاهرة والإسكندرية وشرم الشيخ والغردقة، والأخيرة وحدها بها حوالى 20 ألف روسية، وأقدم من خلال منصبى خدمات للمصريين أيضا، فنشارك فى كل المشروعات الخيرية ونحتفل بيوم اليتيم، لكننى وأعضاء النادى لدينا مبدأ ألا نتحدث فى السياسة، سواء المصرية أو الروسية».
وتضيف: «لا يقيم بمصر بشكل دائم من الروس سوى السيدات، ومن يقيم هنا من الرجال فغالبا يكون بسبب العمل لفترة محدودة، لذلك لا يتزوج الروس من مصريات، والنادى خاص بالسيدات فقط، وقد يرى البعض أن كل الزيجات التى تعقد بين المصريين والروسيات مثل التى تتم فى الغردقة وشرم الشيخ، فبداية هذه الزيجات (مش مظبوطة) ولهذا تنتهى أيضا بنهاية(مش مظبوطة)، فمشكلتنا كسيدات روس أننا قد نصدق أى رجل مصرى يقول كلمة (بحبك)، ففى ثقافتنا لا يقول الرجل هذه الكلمة إلا وهو يعنيها تماما، لكن المصريين يبالغون فى مشاعرهم دون داع ويستخفون بهذه الكلمة، فالسائحات الروسيات يأتين للسياحة، ويقابلن شاباً مصرياً يسمعهن (الكلام الحلو) وتتم الزيجة التى يكون غرض الشباب منها فى أغلب الأحيان الاستيلاء على أموال الزوجة، أو السفر، أو الحصول على الجنسية، لذا بدأت البرامج والجرائد والقنصلية الروسية حملات توعية لمواطنيها القادمين للسياحة فى مصر لتجنب مثل هذه الزيجات، التى أرى أنها تضاءلت ولكنها لم تختف بعد».
وتتابع: «أما الزيجات التى تخلو من أى مصالح فتثمر عن حياة سوية وناجحة، ونحاول هنا فى النادى دعوة الأزواج المصريين فى أى حفل نقيمه كمحاولة لتبادل الثقافات، كما نحرص على تعليم أبناء الروسيات المقيمات هنا أسس اللغة الروسية، لأننا نريد تربية أبناء يشرفون روسيا ومصر فى ذات الوقت».
«فيكتوريا» واحدة من الروسيات اللاتى يعشن فى مصر، تزوجت بعد قصة حب عنيفة من شاب مصرى، وهى فى عامها السابع عشر، تعرفت فيكتوريا على زوجها، بروسيا حيث كان يدرس، وعادت معه إلى مصر فى أواخر الستينيات، لتفتتح مركزا للتجميل.
«صلتى تقريبا مقطوعة بأقاربي، وتقريبا أنا مصرية، عشت مع والدة زوجى 15 عاما، وأعرف أن الكثير من الفتيات المصرية يرفضن الإقامة مع والدة الزوج، ولكن أنا وافقت لأننى أحب زوجى وما يهمنى أن أكون إلى جواره».
حب فيكتوريا، انتقل معها مثلما انتقل منزل الزوجية بين عدة دول عمل فيها الزوج، فمن مصر إلى السعودية التى عاشت فيها نحو 5 سنوات، كانت الزوجة الروسية تثبت لنفسها أن الزواج واستمراره جزء من الحب.
«لا أريد أن يأخذ أحد فكرة سيئة عن الروسيات بسبب الزيجات السريعة فى الغردقة وشرم الشيخ، فأولا ليس كلهن روسيات، فغالبية القادمات من دول الاتحاد السوفيتى السابق يسمين أنفسهن روسيان، ثانيا من أتحدث عنهم ضحايا استغلال».
فى طريق البحث عن حل للإستغلال، تقول فيكتوريا: «تقيم امرأة روسية تدعى (فالنتينا) بالغردقة لمساعدة الروسيات اللواتى يتعرضن لمشاكل فى زيجاتهن، فأتذكر مشكلة لفتاة روسية تزوجت فى الغردقة من مصرى رقيق الحال، وأخذها لتسكن مع أهله بالقاهرة تحت السلم، وظلت الفتاة تخدم والدته المريضة شهورا، وسافر زوجها للعمل مرة أخري، وكان هو قد ارتبط بفتاة روسية أخرى، فذهبنا وطلقناها منه، ولحسن حظها أنها تزوجت من مصرى آخر ثرى وتعيش الآن فى أحسن حال، هذا لا يعنى أن هذه الزيجات الكثيرة التى تحدث بالغردقة وشرم الشيخ يقع فى أضرارها الروس فقط بل المصريون أيضا».
«تتيانا» قصة زيجتها لا تختلف كثيرا عن فكتوريا، حيث تعرفت على زوجها المصرى عندما كان يدرس فى جامعة موسكو، وعادت معه إلى مصر عام 1979وأنجبت بنتا وولدا، وفى إحدى زياراتها لموسكو منذ 22عاما، توفى زوجها هناك ولكنها أصرت على العودة لمصر، لأنها أصرت على أن يعيش أولادها كـ«مصريين مسلمين فى بلادهم» ورغم أنها غير محجبة فابنتها ترتدى الحجاب.
وتقول تتيانا:«لم يترك زوجى إرثا لأعيش منه أنا وأولادي، ولم يساعدنى أحدا من أهل زوجي، وأنا لا أحب مطالبة أحد ، كما رفضت فكرة الزواج مرة أخرى لأنى (مدخلش على عيالى راجل غريب)، رغم تشجيع أولادى لى كى أتزوج، وقررت العمل كمدرسة لغة روسية لأنفق على أولادي، والآن هم متزوجون وفى مناصب مرموقة، ورغم انتهاء مهمتى مع أولادى إلا إننى لا أستطيع العودة إلى بلدى رغم وجود أمى على قيد الحياة هناك، لأن مصر وروسيا عندى بمثابة أمى وأبى ولا أحد يستطيع أن يحب أمه أكثر أو أباه أكثر، وهنا حفيدى الذى يملأ حياتى ويحتاجنى أيضا».
تعتبر الروسية تتيانا أن الزوجة المصرية «متدلعة أوي، فهنا الفتاة تطلب مهرا غاليا وشبكة وفرحا، واتذكر أنى لم أطلب من زوجى سوى دبلة دفعت أنا ثمنها، ومهرى لم يزد على 25 قرشا، وحين تزوج أبنى دفع 50 ألف جنيه مهرا، والفتيات المصريات لا يجدن أعمال المنزل، لكننا كروسيات نجيد النجارة والسباكة وأعمال المنزل التى تطلب المصرية من أجلها مساعدة فنية، ورأيى أن المصرية لم تعد تحتمل ضغوط الحياة، ففى العمارة التى أسكن فيها كل من حولى مطلقات».
ولأبناء زواج الروسيات بالمصريين رأى آخر، تقول مريم 13عاما «لا أعرف هل سيكون وضعى أفضل إذا كانت أمى مصرية أم لا، لكنى أعرف أن أمى علمتنى أشياء كثيرة أهمها الثقة بالنفس والاعتماد على ذاتي، ولا أتباهى بأن أمى أجنبية، وأبى يطمئننى أنه فى حالة عدم حصولى على فرصة عمل يمكن أن أهاجر إلى روسيا وأعمل هناك حيث إنى أجيد العربية والفرنسية والإنجليزية والروسية بطلاقة».
أصبحت تحت الأضواء سريعا، ورغم الانتقادات والهجوم الذى واجهته من زملاء مهنتها، بسبب جنسيتها الأجنبية وامتهانها لفن ابتدعه المصريون، إلا إنها لم تبال، حتى تصنع لنفسها اسما وسط فنانات الرقص الشرقى فى مصر.
هكذا توضح «نور» كيف بدأت مشوارها الفنى، بعد أن تعلمت الرقص الشرقى فى روسيا، ثم مارسته فى الأردن، وجاءت تعمل فى مصر منذ 14عاماً، ورغم أن العائد المادى هنا أقل مما وجدته فى الأردن، فإنها تعرب عن سعادتها لوجودها فى مصر هوليوود الشرق، لأنها ترى أن المصريين يقدرون الرقص الشرقى أكثر من أى دولة عربية أخرى، رغم أنها تصنف فنيا راقصة استعراضية وليست شرقية، وكُرمت نور من عدة جهات منها وزارة الخارجية الروسية، «تقديرا لدعمها فى توثيق العلاقات والتبادل الثقافى بين مصر وروسيا».
تعتبر نور أن اختيارها لإحياء حفل أوبرا عايدة بالأهرامات عام 2002 تشريف كبير، ويعتقد كثيرون أنها مصرية لإحيائها عدة حفلات لصالح المصريين مجانا، كحفلات الجمعيات الخيرية والزفاف الجماعى، هذا ولأنها أيضا تتحدث اللهجة المصرية، رغم أنها تعلمتها منذ وقت قريب، والسبب فى هذا هو رغبتها فى معرفة معانى الأغانى العربية، التى ترقص عليها.
وتقول نور: «أعتبر نفسى مصرية، رغم عدم حصولى على الجنسية، وأعتقد أننى لو كنت أعمل أى شىء آخر غير كونى راقصة، حتى لو كنت مطربة، كنت سأُمنح الجنسية المصرية، لشهرتى ولحب المصريين لى، مثلما تم منحها لصباح ولوديع الصافى، فهذا الجمهور المصرى كان السبب فى اختيارى لاسم نور، فكلما شاهدونى هتفوا لى (نور على نور يا ست)، ولكن للأسف فى حقيقة الأمر المجتمع المصرى ينظر للراقصة نظرة سيئة، رغم حرصى على ارتداء بدل رقص محتشمة، لأنى أقدم فناً استعراضياً أريد إظهاره فقط، ولا أريد إظهار مفاتن جسمى للجمهور».
ترتدى نور «ملابس حشمة» حين تنتهى من عملها، وتقول: «بعض الراقصات يرتدين ملابس عارية بعد الاستعراض، لكنى على قناعة أننى لن أرقص فى المسرح وفى الشارع أيضا، لذلك أطلق على متعهدو الحفلات لقب شيخة الراقصات لأنى أرفض الحفلات الخاصة، مهما كان الإغراء المادى».
تعرضت «نور» قبل سنوات لهبوط حاد فى الدورة الدموية، كاد أن يفقدها حياتها، إلا أن شابا مصريا تبرع لها بالدماء «أقدر أقول إنى مصرية بالدم المصرى، الذى يجرى فى عروقى حاليا».
وتضيف: «عملى كراقصة شرقية فى مصر، جعلنى أواجه رفضاً وانتقادات عديدة من الراقصات وغيرهن، ممن يرون أنى أزاحمهم فى مجالهم، ويعتبرون أن الرقص فن حكر على المصريين، رغم أنه فن عالمى نما فى مصر، والفن ليست له جنسية فهو ملك البشر كلهم، فالباليه نشأ فى فرنسا لكن روسيا هى الأكثر تفوقا فيه، وقد تعرضت لانتقادات كثيرة، منها اتهام من الفنانة فيفى عبده، التى وصفت بدلة الرقص الخاصة بى بأنها عارية جدا، وفى 2003 أصدرت وزارة العمل قرارا بمنع عمل الأجانب فى وظائف معينة منها الرقص الشرقى، ورغم أنى أقدم رقصا استعراضيا وليس شرقيا، إلا أننى أقمت وخطيبى وقتها الذى أصبح بعد ذلك زوجى وصديقة أسترالية تعمل فى الإرشاد السياحى قضية ضد القرار، فبعد منع الأجانب من الرقص دخلت حوالى 54 بنتاً قاصراً هذه المهنة، وقدمت دليلا على هذا فى المحكمة، ووقتها كنت لم أتزوج بعد فنصحنى بعض الأصدقاء بالزواج من مصرى، حتى أحصل على الجنسية وأتخلص من الالتزام بهذا القانون، خاصة أن الوزير أصدر هذا القرار، معللا بأن الراقصات الروس عددهن أصبح بالمئات، مما أثر على عمل الراقصات المصريات، فى حين أننى كنت الراقصة الروسية الوحيدة فى مصر، ربما كان يوجد راقصات روس فى شرم الشيخ أو الغردقة، ولكن أنا الأكثر شهرة، وبعد جدال فى المحاكم تراجعت الوزارة عن قرارها».
تكشف شهادة ياسر علامة المطرب السورى الذى يعمل فى مصر منذ 14 عاما، وزوج الراقصة نور عن تفاصيل أخرى للحكاية: «تزوجت نور منذ خمس سنوات تقريبا فى مصر وأنجبنا طفلاً، وسر هذا الزواج هو الحب، والدليل على ذلك أن نور رفضت الزواج من مصرى لمجرد الحصول على الجنسية والإقامة فى مصر فقط، ورغم أننا نرهق بدنيا وماديا لنحصل على الإقامة فى مصر، إلا أنها فضلت الحب على أى مصلحة شخصية لها، ومن عشرتى لزوجتى ومعرفتى بأقاربها تيقنت أن المرأة الروسية عامة عواطفها تتحكم فيها، والحب عندها شىء غال ومقدس، وهذا لا يتوافر فى كل السيدات العرب، بسبب إفراطهن فى مشاعرهن فى أى وقت وبسهولة، كما أن الروسية تهتم بنفسها ورشاقتها دائما، ونحن كرجال عرب نحب أن نرى زوجاتنا دائما بمظهر جميل، هذا بجانب قوة شخصيتها وتحملها الظروف الصعبة».
ويضيف علامة: «وجدت فى زوجتى ما قد أجده فى الزوجة المصرية، فعائلتها طيبة، ونور لاتخرج من البيت إلا بإذنى».