«المصري اليوم» ترصد الاعتداءات وتدمير التاريخ: آثار جبانة المماليك كنوز مهددة بالزوال (ملف خاص)

كتب: محمد عبد الخالق مساهل الإثنين 17-10-2016 22:36

آثار إسلامية نادرة توصف بأنها درة فى جبين الحضارة الإنسانية، تحكى تاريخا ثريا ومجدا معماريا تليدا، إنها آثار جبانة المماليك التى سلبت لبّ الرحالة والمستشرقين.

هذه الآثار تشهد مأساة فادحة تدعو للحزن والرثاء، فصارت تئن وسط مزيج فاسد من سلوكيات سكان القبور والعشوائيات التى تحاصرها من كل مكان، حتى نقوشها وزخارفها البديعة تتوارى فى غياب القانون والحراسة والصيانة.

وتتعرض آثارها لانتهاكات صارخة يعلمها المسؤولون، حتى تحولت إلى مقالب للقمامة والمياه الجوفية ومراتع للسرقة والبلطجة والتخريب بل الحرائق، إلى جانب اعتداءات عديدة تجور على «حرم الأثر»، لترسم صورا مشوهة كئيبة تعكس قدرا مخزيا من التسيب وإهدار التراث والتاريخ والحضارة.

وعلى الرغم من تسجيل مدينة القاهرة التاريخية على قائمة التراث العالمى منذ عام 1979م، إلا أن وضع الآثار الإسلامية فى ذيل اهتمامات الدولة، صار ينذر بالخطر ويهدد قيمتها المعمارية والفنية، بل بزوالها بعد بضع سنين، وهو ما يستلزم تطوير المناطق الأثرية وتنميتها، إلى جانب إخلاء مناطق الجبانات من سكان المقابر والتخلص من العشوائيات حولها كى يتسنى وضعها على خريطة المقاصد السياحية العالمية وحتى تتوافق مع مخطط القاهرة 2050. لعل من أفضل ما قيل عن آثار المماليك كان على لسان المستشرق الفرنسى جاستون فييت، الذى قال: «فى مدينة القاهرة تسيطر ذكرى المماليك، لقد شيدوا كثيرا من المبانى الجميلة القوية، واستطاعوا وحدهم أن ينحتوا الرخام، والحجر»، مضيفا أن كل ما شيدوه لا نجد له مثيلا فى أعمال المسلمين فى سائر أنحاء العالم.

انتشار القمامة والحيوانات الضالة.. والمبانى المخالفة تنتهك حرمة الآثارانتشار السلوكيات العشوائية وتحويل القباب إلى أوكار مشبوهة

تحتل جبانة المماليك أو ما يوصف بـ«مدينة القباب» موقعا مميزا على خريطة القاهرة، فهى تمتد من طريق صلاح سالم حتى طريق الأتوستراد أو طريق النصر، وتقع بمنطقة قايتباى بحى منشأة ناصر بالقاهرة، وتضم كنوزا فريدة من العمارة الإسلامية الشامخة، وآثارا تتمتع بشهرة عالمية ودينية وتاريخية، أبرزها مسجد ومجمع قايتباى، الذى اتخذته الدولة فى وقت من الأوقات شعارا للعملة الوطنية متمثلة فى الجنيه المصرى.

المنطقة تضم مجمعات دينية ضخمة تشمل المساجد، والأضرحة، والمدارس والخانقاوات والكتاتيب والسبيل الذى كان مخصصا لشرب البشر، والحوض لشرب الدواب، والمقعد، حيث كان المجمع يقدم خدمات دينية واجتماعية وتعليمية متكاملة، كما كانت تتميز آثارها بزخارف ونقوش إسلامية بالغة الروعة، تعود إلى العهد المملوكى، وتوجد فى عدد من شوارع الحى وهى شارع السوق والسلطان أحمد، وقبة الأشراف، ومقابر الشهداء والعفيفى، وشارع الوقاد، وحارة درب الساقية وحارة سليمان.المزيد

مواجهة: المنطقة الأثرية.. تقاعس حكومى وغياب أمنى


المنطقة الأثرية فى حى منشأة ناصر صارت مهددة بكثير من الأخطار المحدقة، خاصة بعدما نالت منها التعديات، والتى جعلت أحد أكبر خبراء الآثار وهو الدكتور محمد الكحلاوى، أمين عام اتحاد الأثريين العرب، يوجه نداءه للحكومة منذ أكثر من 15 عاما بأن تنقذ «جبانة المماليك»، وحذر من إهدار كنوزها بسبب التقاعس الرسمى، وأنها لن تتحول إلى مزار سياحى ما لم تتحسن الأوضاع الأمنية، والقضاء على البلطجة، فى حين قال سعيد حلمى عزت، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار، إن وزارة الآثار لا تتحمل بمفردها المسؤولية فى التعديات والإهمال الذى ينال من المنطقة، مؤكدا فى الوقت نفسه أن الوزارة تعمل على محاصرة الانتهاكات، وتوفير الخبرات اللازمة من خلال ضخ دماء جديدة.

الدكتور محمد الكحلاوى أمين عام اتحاد الأثريين العرب: الدكتور محمد الكحلاوي

آثار المماليك تحولت إلى «جبانة الزبالين» وأتوقع اختفاءها بعد ثلاث سنوات

توقع الدكتور محمد محمد الكحلاوى أمين عام اتحاد الأثريين العرب، وأستاذ الآثار الإسلامية، اختفاء منطقة جبانة المماليك فى غضون ثلاث سنوات ما لم تتدخل الدولة بخطة سريعة لإنقاذها من حالة التدهور والضياع، حيث وصفها بأنها صارت «جبانة الزبالين» بعد أن كانت آثارها درة على جبين الآثار الإسلامية، خاصة مسجد السلطان قايتباى.

وندد الكحلاوى بتقاعس الحكومة إزاء عمليات سرقة ونهب هذه الآثار، التى كانت بديعة وآية فى الجمال، مشددا على ضرورة إزالة جميع أشكال التعديات التى تشمل القمامة والمواد الخطرة الناتجة عن الورش بالمكان، ومخالفات المبانى العالية التى تحجب المساجد والقباب والأضرحة وتشكل «انتهاكا صارخا» لحرم الأثر، بعد أن كان هناك توجه لتسجيلها على خريطة الآثار العالمية.المزيد

«قرافة المماليك» أول محاولة لغزو وتعمير صحراء القاهرةالقمامة ومخلفات الورش والمبانى المخالفة تنتهك حرمتها

كانت منطقة صحراوية، تعرف بصحراء القاهرة، واتخذت اسم «قرافة» الذى كان يطلق على قبيلة يمنية اسمها «بنى قراف» وجاءت مع عمرو بن العاص أثناء فتح مصر، لم تكن مكانا لدفن الأموات فحسب، بل منطقة لسكنى الناس، ومنطقة تشمل أجمل متنزهات القاهرة. ولم تستخدم المنطقة كمقابر إلا فى العصر الأيوبى، عندما دفن ابن الملك «الكامل محمد بن أيوب» بجوار قبة الإمام الشافعى فى عام 608 هـ وأضاف القبة الكبيرة التى تغطى ضريح الإمام الشافعى الآن.

أما عن قرافة المماليك الواقعة ناحية الشرق بجوار طريق صلاح سالم فقد كانت أول محاولة لإعمار الصحراء فى العصر المملوكى فقد حاول أمراء وسلاطين المماليك البحرية أن يقوموا بإعمار المنطقة عن طريق إنشاء مقابر لهم هناك بالإضافة إلى المساجد الصغيرة، وقويت هذه المحاولات فى العصر المملوكى الجركسى خصوصا فى عهد السلطان الناصر فرج بن برقوق، وذلك عندما قام بإنشاء خانقاه له.

ضمت المنطقة نحو 36 أثرا من اعظم المنشآت الدينية والمدنية عكست جمال وروعة العمارة الإسلامية وتشمل:

1- قبة طشتمر (حمص أخضر) بشارع السلطان أحمد خلف مسجد قايتباى وهى لطشتمر البدرى الساقى الناصرى حمص أخضر لأنه كان يحب أكله فلقب به، وكان الظاهر اشتراه صغيراً وكان أحد مماليك محمد بن قلاوون.المزيد