يحتشد آلاف الجنود منذ أيام على مشارف مدينة الموصل العراقية استعداداً لتحريرها من براثن تنظيم «داعش» الإرهابي في معركة فاصلة، لكن لماذا تحظى الموصل بهذه الأهمية؟
تعتبر الموصل من أقدم المدنه الأثرية في العراق، ويرجع تاريخها إلى 5 آلاف عام قبل الميلاد، تقع على الضفة الشرقية لنهر دجلة، وتبعد عن العاصمة بغداد 405 كيلومترات، جعلها موقعها الجغرافى حلقة وصل بين تركيا وسوريا، فصار التقارب حاضراً بين لهجة سكانها «الموصلية»، واللهجة الشمالية في سوريا، وصارت التجارة أشهر أنشطتها، سكن الآشوريون أجزاء كبيرة منها، وأصبحت عاصمة لهم، فخلفوا للإنسانية حضارة مشهودة، واعتنقوا المسيحية عند ظهورها، فصارت موطناً للرهبان والمدارس اللاهوتية واستقطبت العديد من الدارسين والباحثين عن الديانة المسيحية.
هي أيضا ثاني أكبر مدن العراق بعد بغداد، يقطنها حوالى 2 مليون نسمة، وأغلبيتهم عرب سنّة، ينحدرون من 5 قبائل رئيسية وهى شمر، والجبور، والدليم، وطىء، والبقارة، ويوجد مسيحيون من عدة طوائف، وأكراد وتركمان وشبك، ومن أبرز معالمها جامع «النبى يونس» المبنى فوق كنيسة «القديس يونان» على نفس التلة، والجامع «الكبير»، الذي يضم منارة «الحدباء»، وجامع «قبر النبي شيت».
يشتق اسم مدينة الموصل من الفعل «وصل»، وتعنى «الموصل» مكانا يصل فيه كل شىء أو «ما يوصل بين شيئين»، كونها وصلت بين ضفتى نهر دجلة لدى بنائها، وقيل بين الجزيرة والعراق، وقيل بين نهرى دجلة والفرات، أما اسم «نينوى» الذي أطلق على المدينة في زمن الأكديين، فليس من المعروف معناه بالتحديد، ويرجح أن يكون له علاقة بـ«عشتار» إلهة الخصوبة في بلاد الرافدين، إذ إن اسمها القديم كان «نينا»، ولما فتحها العرب المسلمون أطلقوا عليها اسم «الموصل» لأنها كانت تصل بين الشام وخورستان التي فتحوها بعد ذلك، كما سماها العرب بـ«الحدباء» لاحتداب منارة الجامع النورى، أشهر مساجدها، ولتحدب مسار نهر دجلة فيها، وسميت بـ«أم الربيعين» لأن فصل الخريف فيها يكون ربيعياً.
وتقول كتب التاريخ إن الموصل كانت ولاية تتبع الدولة العثمانية لأكثر من 4 قرون، وعندما خسرت الإمبراطورية العثمانية الحرب العالمية الأولى وقَّعت بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية اتفاقية «سايكس بيكو»، مايو 1916، تضمنت تقسيم الممتلكات العثمانية، بما فيها ولاية الموصل التي باتت والإقليم الكردى ضمن خارطة العراق.
وفى ثمانينات القرن الماضى، خلال حكم الرئيس الراحل صدام حسين، كانت تعرف بـ«مدينة الضباط المنخرطين في الجيش العراقى»، وكان من بينهم رئيس أركان الجيش وقتها، عبدالجبار شنشل، ووزير الدفاع الأسبق سلطان هاشم أحمد. وبعد غزو العراق عام 2003، وقيام الحاكم العسكرى الأمريكى، بول بريمر، بحل الجيش العراقى انضم الآلاف من الضباط العراقيين إلى صفوف المقاومة لقتال القوات الأمريكية داخل الموصل، وكانت الموصل من أخطر المحافظات على القوات الأمريكية، حيث وجدت فيها مقاومة شرسة من قبل تنظيمات مسلحة تشكلت بعد حل الجيش العراقى.
ظلت المدينة تعاني الطائفية نتيجة إهمال الحكومة وهشاشة الوضع الأمنى بها، إلى أن سقطت بيد «داعش» في 10 يونيو 2014، بعد انسحاب الجيش العراقى والشرطة، وطبق فيها التنظيم قوانينه المتشددة، وفرض الاحتشام على النساء، ولم ينته الأمر عند حد رفع وإزالة التماثيل من المدينة التاريخية، ودمر «داعش» عدة مساجد قديمة ومنها مسجد «النبى يونس»، ومسجد «النبى شيت»، وفجر في 2015 متحف الموصل التاريخى الذي يحوى 173 قطعة أثرية وتماثيل تاريخية، ونهب وخرب آثاره ومخطوطاته، والآن تنتظر المدينة التحرر من «خلافة» التنظيم الوهمية بعد إنطلاق معركة تحريرها، أمس، مع مصير مجهول للمدنيين فيها.