«ليشهدوا منافع لهم»

عبد الناصر سلامة الخميس 06-10-2016 21:19

فى قول الله سبحانه وتعالى فى سورة الحج، آية ٢٨: «لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ...» تأكيدٌ على أن فريضةَ الحج ليست كلها نفقات قد تُرهق الحاج أيما إرهاق، فقد أحل الله، سبحانه وتعالى، البيع والشراء والربح خلال أيام الحج، من باب منافع الناس، إلى جانب ذكر الله خلال الأيام المعلومات، وهى يوم النحر وما بعده من أيام التشريق.

إذن لا يجوز شرعاً استغلال موسم الحج من قبل مُنظِّميه، أو من قبل الجهات المعنية بالأمر، فى تعجيز الحجيج أو إثقالهم بالنفقات والديون، سواء كانت هذه الجهات إحدى الدول، أو إحدى الوزارات، أو إحدى السفارات، أو إحدى الشركات السياحية، أو إحدى شركات الطيران، أو شركات النقل الداخلى، أو حتى المحال التجارية والمطاعم هناك، ذلك أننا أمام فريضة على كل مسلم ومسلمة، من المهم تسهيل أدائها بالتيسير والدعم، بدلاً من ذلك الاستغلال المنظم فى صور وأوجه كثيرة.

يجب أن نعترف بأن فريضة الحج بشكلها الحالى عَجَزَ معظم الناس فى كل الأقطار الإسلامية عن أدائها، فقد أصبحت مقصورة على الميسورين، وليس من استطاعوا إليها سبيلاً، مما جعلهم يؤدونها بشكل سنوى أو شبه سنوى، وهذه قضية أخرى شرعاً، فى وجود جوعى ومحتاجين كانوا هم الأَولى بنفقات تكرار الحج، فى الوقت الذى تغادر فيه الغالبية العظمى الحياة الدنيا للقاء ربهم دون أدنى فرصة لأداء الفريضة، وهو الأمر الذى كان يجب التوقف أمامه على كل المستويات.

هذه القضية الخطيرة تطرح نفسها الآن، فى ضوء الرسوم الجديدة الباهظة التى فرضتها السلطات السعودية مقابل الحصول على التأشيرة، سواء للحج أو للعمرة، فى إطار محاولات تجاوز الوضع الاقتصادى الآخذ فى التردى هناك، مع انخفاض أسعار النفط، والإنفاق على حروب فى اليمن، وسوريا والعراق، وأوضاع سياسية فى ليبيا ولبنان، واستثمارات فى الولايات المتحدة، والغرب بصفة عامة، وما خفى كان أعظم.

يوماً ما، لم يكن النفط قد اكتُشف بعد، فكان موسم الحج، إضافة إلى رحلات العمرة، هو مصدر الدخل الأول فى الجزيرة العربية بصفة عامة، وما يواكب ذلك من أعمال التجارة والبيع والشراء، فى إطار المنافع لكل الأطراف، ولم يكن يبخل المسلمون أبداً على أهل الجزيرة، بدءاً من الغذاء والدواء والملبس، والمعلمين والأطباء، وحتى كسوة الكعبة المشرفة، التى كانت تتكفل بها المملكة المصرية، وحتى مع اكتشاف النفط وحتى الآن، ظلت السياحة الدينية ممثلة فى الحج والعمرة تُدرّ دخلاً غير محدود على الجهات المنظمة من كل الوجوه، وهو ما لا يمكن إنكاره.

إذن لا يحق ولا يجوز بأى شكل من الأشكال اتخاذ فريضة الحج وسيلة لإرهاق الناس أبداً، مهما كانت الأزمات الاقتصادية التى نرى أمامها الكثير من آفاق الحل بمنأى عن الفريضة، التى يحق لكل مسلم أداؤها بأقل التكاليف، وليس بمثل ذلك الذى يجرى الآن، ذلك أن ردود الأفعال فى هذا الشأن يمكن أن تكون عنيفة جداً إلى الحد الذى يُفْسِد على المسلمين أداء شعائرهم، وبخاصة إذا أخذنا فى الاعتبار أن كل الدول بلا استثناء تعانى أزمات اقتصادية، فقد تتخذ هذه الدولة أو تلك أو عدد من الدول مجتمعة قراراً بوقف السماح بالحج أو العمرة لعدة سنوات متتالية، نظراً لحاجتها إلى هذه المبالغ الطائلة من العملة الصعبة، وقد يكون اتجاهاً شعبياً فى المستقبل أيضاً.

المملكة السعودية اتخذت من القرارات الكثير خلال الفترة الماضية، تضمنت رفع الرسوم إلى عشرة أضعاف أحياناً، بدءاً من تأشيرات السفر إلى المملكة، أو العمل بها، أو زيارتها، أو تجديد الإقامة، إلى جانب الكثير من الرسوم الجديدة التى استهدفت العمالة الوافدة تحديداً، وهذا حقها، ولا جدال فى ذلك، ومن لا يعجبه الأمر يمكنه الرحيل أو عدم الذهاب، إلا أن الأمر حينما يتعلق بالحج والعمرة يجب أن يكون مختلفاً تماماً، ليس من حق أحد، أياً كان، التضييق على المسلمين فى أداء الشعائر، ما بالنا إذا كان أداء الشعائر بوضعها الحالى يحقق مكاسب هى الأعلى سياحياً من بين كل دول العالم، لماذا إذن التشدد والطمع؟!

هى رسالة إلى أولى الأمر بالمملكة العربية السعودية، ارفعوا أيديكم عن حجاج وزوّار بيت الله الحرام، لديكم من النعم والخيرات الكثير التى تحتاج إلى حُسن إدارة، لديكم من الأموال بالخارج الكثير التى يمكن أن تُغنى الداخل، ابحثوا فى هذه المرحلة العصيبة تحديداً عن دعم شعبى عربى وإسلامى، وليس العكس، أوقفوا دعم المعارك الدائر فى الأقطار العربية حولكم، لتكن أرض الحجاز واحة للأمن والأمان قولاً وفعلاً، لتنطلق منها دعوات التصالح والوئام، لتكن النموذج للإسلام الحضارى أمام الإنسانية جمعاء، ولِمَ لا وفيها كانت الرسالة المحمدية، رسالة السلام؟ حين ذلك فقط لن تكون هناك أزمات من أى نوع، ويظل الناس يشهدون منافع لهم، انطلاقاً من إرادة الله، كما جاءت فى القرآن الكريم.