ذكـرى رد الجميـل

عبد الناصر سلامة الأربعاء 05-10-2016 21:13

قد تندلع ثورة أو انتفاضة، أو أى شىء من هذا القبيل، على الرئيس الأسبق حسنى مبارك، لمجرد أنه قضى سنوات طويلة فى الحكم، قد يتنحى هو طواعية، قد ينقسم المجتمع حول طبيعة أداء الرجل خلال سنوات حكمه، خاصة ما يتعلق بالسنوات العشر الأخيرة، قد يكون هناك الكثير من وقائع الفساد، سواء فى صفوف رجال الأعمال، أو داخل الجهاز الإدارى للدولة، قد تكون هناك شائعات حول توريث الحكم أطلقها البعض ممن لهم مصلحة فى ذلك، قد وقد وقد، الكثير من الحقائق والاحتمالات والشائعات.

ما لا يمكن الخلاف حوله أو إنكاره، هو أننا فى تلك الذكرى، المتعلقة بحرب أكتوبر ١٩٧٣، لا نستطيع أن ننكر أننا أمام قائد عسكرى من الطراز الأول، التزاماً، انضباطاً، وطنية، قدم لمصر الكثير، ثم بعد ذلك وخلال حياته المدنية نائباً للرئيس ثم رئيساً، نحن أيضاً أمام قائد وطنى حقق لمصر أيضاً الكثير فى مختلف المجالات، سياسياً واقتصادياً وتنموياً، وربما ذلك التردى الحاصل الآن فى الأداء على كل المستويات، بمثابة شهادة تقدير للرجل. هذه حقيقة يجب أن نعترف بها، حتى لا يبلغ الجحود مبلغاً لا أمل فى الشفاء منه.

ما أود الإشارة إليه، فى هذه المناسبة، هو أن الرئيس الراحل أنور السادات، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، كان قد أصدر القرار الجمهورى بقانون، رقم ٣٥ لسنة ١٩٧٩، بشأن تكريم كبار قادة القوات المسلحة، خلال حرب أكتوبر، والاستفادة بالخبرات النادرة للأحياء منهم مدى الحياة، وطبقاً لهذا القانون الذى حظى بموافقة البرلمان بالإجماع بعد ذلك، يستفيد منه كما جاء فى النص، قادة الأفرع الرئيسية، ورئيس هيئة العمليات، وبما أن مبارك كان قائداً لأحد الأفرع، وهى القوات الجوية، فهو يظل الفريق طيار مدى الحياة، حتى بعد تنحيه عن رئاسة الدولة، أو عن الوظيفة المدنية أياً كانت، بمعزل عن أى قضايا تتعلق بالشأن المدنى.

لا أتحدث هنا عما يجب وما لا يجب، لا أتحدث عن الأصول والأخلاق، لا أتحدث عن الطبائع المصرية الأصيلة أو التى كانت كذلك، لا أتحدث عن تكريم آبائنا وشيوخنا وشيبتنا، لا أتحدث عن أولئك الذين قدموا لمصر الكثير، هنا فقط أتحدث عن القانون، عن احترام القانون، عن القواعد المنظمة للعمل بالدولة، ست سنوات مضت ونحن نتجاهل أبسط قواعد العلاقات فيما بيننا، وهى التى تحكمها نصوص قانونية وقرارات جمهورية، إما لحاجة فى نفس يعقوب أحياناً، أو لعوامل نفسية أحياناً أخرى، أو لضغوط من البعض فى أحيان ثالثة.

انطلاقاً من قاعدة (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) أتطلع فى هذه المناسبة إلى إعادة النظر فى كل أوجه الظلم، التى فرضت نفسها على المجتمع، خلال السنوات الست الماضية، من مساجين، ومعتقلين، ومختطفين، ومهمشين، ومضطهدين، ومفصولين، أتطلع إلى إعادة الاعتبار إلى الكافة، لم يعد مقبولاً بأى حال استمرار مثل تلك الممارسات فى مجتمع يستهدف النهوض والتقدم، لم يعد مقبولاً أبداً فى الألفية الثالثة نفس ممارسات الستينيات والخمسينيات من القرن الماضى، التنكيل، والقتل، والتعذيب، والتصفية الجسدية، وتصفية الحسابات، التى بدأت حينذاك برئيس الدولة أيضاً، اللواء محمد نجيب، ولم تتوقف عند حد، إلى أن كان انتقام الله شاملاً.

فيما يتعلق بمبارك تحديداً، أجد أننا اليوم أمام ذكرى رد الجميل للرجل، الذكرى التى أصبحت تنحصر فى وقفة أمام مستشفى المعادى، لعشرات أو مئات من الأفراد، أقل ما يمكن أن نصفهم به، أنهم أولاد أصول، لا أكثر ولا أقل، ليس بينهم من كان قيادة تنفيذية أو حزبية، هم فقط يشعرون بالأسى والمرارة، من ممارسات رسمية أحياناً، وإعلامية أو شعبية فى بعض الأحيان، فى إجراء يشير إلى أننا أصبحنا نعيش حالة الاستقطاب فى أبشع صورها، وقلوبنا أصبحت شتَّى.

ما أود التأكيد عليه هو أن هذا النهج، الذى ينطلق من تزييف التاريخ، أو من إبخاس الناس حقوقهم، هو بمثابة توريث سلبى حقيقى للأجيال المقبلة، هو تصريح رسمى بانتهاج نفس الأسلوب مستقبلاً، طمس وإعادة النظر فى أسماء الشوارع، كما المحاور، كما الكبارى، كما المساجد، التى ظهرت فجأة، بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان، ودون مبرر مقنع، حيث لم تقدم أى شىء للوطن، بالفعل ما يجرى هو تصريح رسمى للمستقبل بإهانة الكبير، وتلويث السابق، وتزييف الحقائق.

مصر فى حاجة إلى بدء صفحة جديدة من التوازن النفسى من الجميع، ومع الجميع دون استثناء، فى حاجة إلى صفحة جديدة من طهارة القلب، قبل طهارة اليد، فى حاجة إلى توقير الكبير والعطف على الصغير، بعد أن أصبح هؤلاء وأولئك معاً، بين قضبان أو جدران أربعة، فى حاجة إلى الإيمان بأن الله يُمهل ولا يُهمل، قد تكون الشواهد بيننا كثيرة على أن هناك خطأ ما، قد تكون الشواهد لا حصر لها على أن القادم مخيف ومرعب، إلا أنه الطمس على القلوب.

على أى حال، لم تفلح أيها السادة ذكرى شهر الصيام فى إيصال الرسالة، كما لم تفلح ذكرى يوم عرفة، ربما كان الأمل فى ذكرى أكتوبر، ولم لا؟، وما ذلك على الله بعزيز.