أكد فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، رئيس مجلس حكماء المسلمين، أنه «لا شك في أن العالم في أمس الحاجة إلى تدخل العلماء من الأديان السماوية الكبرى من أجل تخفيف عذابه مثلما هو عليه اليوم».
وقال الطيب، في خطابه بالمعهد المسكوني في مدينة بوسيه بسويسرا، السبت، حول «دور رجال الدين في تحقيق السلام العالمي»، إن الإحصاءات الدولية تكشف عن الإنفاق المرعب لإنتاج السلاح للتكسب ببيعه وإشعال الحروب بين الشعوب الجائعة لضخ الأموال في اقتصاد أنظمة عالمية كبري لا تشعر بالضمير.
وأضاف أن هناك سياسات جائرة تعبث بمسار الفقراء والبؤساء وتعمل على تفكيك المجتمعات وتصادر إرادة شعوبها، موضحا أن صراع الحضارات والفوضي الخلاقة كلها أشكال من نظريات تهدف تدمير وتفكيك الشعوب والمجتمعات.
وأشار الإمام الطيب إلى أنه كان يظن أن قادة العالم وحماية الحرية والسلام وحقوق الإنسان لن يسمحوا بمصادر حقوق الشعوب في أن تعيش في أمان وسلام، موضحا أن الأمم المتحدة حينما تم إعلانها وأعلنت ما يعرف بـ«إعلان حقوق الإنسان» زعمت لنا أن هذا الإعلان وضع من أجل إنقاذ الإنسانية وحماية حقوق الشعوب في الأمن والتقدم والرفاهية.
ووجه الطيب، في بداية كلمته، التحية للحضور بالمحبة والأخوة والسلام، متقدما باسمه واسم الوفد المشارك ومجلس حكماء المسلمين بالشكر على الدعوة الكريمة لحضور هذا اللقاء الهام غير المسبوق.
وأعرب الطيب، عن أمنيته أن يسفر هذا اللقاء عن نتائج وحلول لتحقيق أمال الإنسانية وتجاوز أزمتها اللاحضارية والتي أوشكت أن تعود بها إلى عصور الظلام والجهل.
وأشاد بدعوة مجلس الكنائس العالمي لعقد هذا اللقاء الذي يضم نخبة مختارة من قادة الأديان السماوية الكبري وعلماءها ليلتقي في قلب أوروبا وفي مدينة جنيف الهادئة، متمنيا أن يعمل هؤلاء العلماء في إعادة البسمة للخائفين والمشردين والبؤساء والأيتام والأرامل.
وأكد الإمام الأكبر أن هذا الميثاق العالمي الذي تعهد بحماية المستضعفين وردع المتسلطين يدافع عن من ينتهكه، مشددا على ضرورة أن يصر المكلفين بنشر رسالة السلام والمحبة بين الناس على مواجهة الشر قدر ما نستطيع ونتصدى لخطاب الكراهية بين الناس.
وأشار الطيب إلى أن الرسالات السماوية أكدت على مفهوم السلام وضرورة نشره بين الناس، مشددا على ضرورة التصدي لمحاولات استغلال الدين في نشر الرعب والعنف وكذلك مطاردة الإرهاب بعد أن استفحل أمره وانتشر خطره شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.
ولفت الطيب إلى أن الإنسانية جربت من الأنظمة الحديثة من الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما انتهى بها إلى إسعاد إلا قلة قليلة على حساب شقاء أغلبية كاسحة، مشيرا إلى أن هذه الأنظمة لم تحقق الاستقرار للناس ولا التعاون بين الشعوب.
وكشف الطيب الأبحاث والتصريحات التي تشير إلى عجز الأسواق الأوروبية وفي سويسرا نفسها بسبب هذه الأنظمة التي تعيش على مبدأ سياسات خاطئة بحكم تصريحات علماء ومفكرين يعيشون فيها.
ورأى الطيب أن اللقاء وغيره من الاجتماعات ينظر إليها في إطار تحمل المسئولية من أجل تخفيف معاناة البشرية، مؤكدا أن وجهات نظر العلماء المشاركين سيكون لها تأثير كبير في إزالة العوائق ويزحزح الجبال.
وأشار الإمام الأكبر إلى أن الأزهر جاء مهموم بقضايا السلام إلى هذا المجلس العالمي للتباحث حول عمل أو برنامج مشترك بين حكماء المسلمين وعلماء الأزهر من جانب وحكماء المجلس العالمي للكنائس من جانب آخر، لافتا إلى أن هذا اللقاء هو الثالث للأزهر ومجلس الحكماء بإخوتهم المسيحيين في الغرب حيث كان هناك لقاء في كنيسة كنتربري برئيس أساقفتها في العام الماضي ولقاء ثان مع البابا فرنسيس بالفاتيكان في هذا العام.
وأوضح شيخ الأزهر أن اللقاءين أسفرا عن دعوة الأزهر لمؤتمر دولي للسلام يعقد في أبوظبي في بداية العام القادم، وكذلك مؤتمر للسلام في مصر في منتصف العام القادم يحضره البابا فرنسيس، مقدما دعوته لمجلس الكنائس العالمي للمشاركة بالحضور في هذين المؤتمرين، متمنيا أن يكون لشباب المجلس من البنين والبنات نصيب معتبر في الوفد المشارك.
ووجه شيخ الأزهر، حديثه إلى الشباب قائلا: «بناتي وأبنائي الشباب. أرجو ألا تسلموا عقولكم وتفكيركم لهذه الدعوات التي تربط ربطا خاطئا بين الإرهاب والإسلام، فأنتم وأنتما أعرف الناس بأن الدين والعنف نقيضان لا يجتمعان أبدا ولا يستقيمان في ذهن عاقل وأنا لا أشك لحظة في أنكم على يقين بأن الأديان السماوية ما نزلت إلا لتسعد الإنسان وتنتشله من الضياع والضلال وتحرره من الاستعباد والظلم والطغيان وأن الجماعات الدينية المسلحة التي ترفع لافتة الدين هي خائنة لدينها قبل أن تكون خائنة لأنفسها وأمانتها».
وتابع: «واعلموا أن رفع لافتات الأديان على ممارسات القتل والذبح والتفجير جرائم لا يتحمل الدين وزرها، وأنتم تعلمون أن جرائم وحشية ارتكبت في التاريخ باسم الصليب وبتأويلات فاسدة لنصوص الكتاب المقدس ودفع المسلمون فيها ثمنا باهظا من دمائهم وأهليهم ومع ذلك لم يجرؤ مسلم واحد على حتى الآن أن يحمل المسيحية ولو بجملة واحدة مسؤولية هذه الجرائم التي ارتكبت باسمها».
وناشد الطيب الجميع أن ينتبهوا إلى أن هذا الإرهاب بكل أسمائه وألقابه ولافتاته لا يعرف الإسلام ولا يعرفه الإسلام وأن البحث عن أصول هذا الإرهاب في القرآن وشريعته تضليل للناس وانحراف عن منهج الاستدلال المنطقي الصحيح.
وأردف القول: «وأولى بهؤلاء المضللين الذين ينشرون هذا الإفك أن يبحثوا عن أسباب الإرهاب فيما أشرنا إليه من السياسات المتسلطة التي تكيل بألف مكيال ومكيال وفي الأطماع الدولية والإقليمية وفي مصانع السلاح وأسواق التسليح.