المهجر وسنينه!

أسامة غريب الخميس 22-09-2016 21:33

يعانى الذين هاجروا وتركوا الوطن من مشكلة وجودية تؤرقهم وتفسد عليهم حياتهم مهما حققوا من نجاح ومهما كانت حياتهم الجديدة مريحة وخالية من المنغصات، إلى جانب الحنين الأبدى للوطن الأم والتعلق بأخباره، هناك مشكلة خاصة بالأبناء الذين فى معظم الأحيان ينسلخون عن مصريتهم وعروبتهم وكل الأفكار التى أخلص لها الآباء والأمهات، إذ إنهم يصبحون كنديين تماماً أو أمريكيين وأستراليين تماماً، أى يندمجون فى المجتمع الجديد وينصهرون فيه ويتشربون قيمه وعاداته ويصبحون جزءاً منه. وهذا طبيعى جداً بالنسبة لطفل لا يحمل فى رأسه ذكريات عن مكان غير مسكنه وجيرانه ومدرسته ولغته الإنجليزية. أما مصر بالنسبة لهم فهى مكان فولكلورى لطيف يذهبون إليه فى بعض الإجازات مع الأهل ويقضون به أياماً كالغرباء وسط أناس لا يعرفون لغتهم أو يفهمونها لكن بصعوبة، ثم يعودون ليقصّوا على أصدقائهم قصصاً عن النصب والفهلوة التى صادفوها فى رحلتهم إلى بلاد يصر أهاليهم على أنها بلادهم!

وقد تزيد المشكلة بالنسبة للأهل فى حالة البنات، خصوصاً مع الرغبة فى الحفاظ عليهن بالطريقة الشرقية، وهى مشكلة صعبة أحدثت تمزقات لدى الأهل ولدى الأبناء، إذ ليس من الطبيعى أن تضع شخصاً فى بيئة منفتحة وتدخله مدرسة تعلمه التفكير الحر والاعتماد على الذات وتحمُل المسؤولية واحترام البشر بصرف النظر عن معتقداتهم، ثم تحاول أنت فى البيت أن تحدثه عن الكفار الذين ليسوا من دينك وتضع له أو لها كوداً خاصاً بالثياب واليونيفورم يختلف عن السياق الطبيعى الذى يعيشون فيه ويخالطونه طول الوقت.. ثم تأتى المهمة الأصعب عندما يرغب الأهل فى تزويج البنت من شخص من البلد الأم، أو على الأقل له نفس الدين، وقد يخوضون صراعاً رهيباً من أجل إيصالها للعريس عذراء!. وهنا قد تتبين فلسفة المسؤولين عن الهجرة فى كندا وأمريكا، الذين يمنحون درجات أعلى لطالب الهجرة إذا كان متزوجاً وعنده أطفال.. هم فى الحقيقة يريدون الأطفال ولا يحفلون بالأب والأم، وإنما يقبلونهما على مضض من أجل الحصول على أطفالهما فى المستقبل، فالأب والأم مهما بلغ تفتحهما وإقبالهما على الحياة بشكلها الغربى سيظلان أسيرين لما اعتاداه من حيث أتيا، وسيظلان يحتفلان بشهر رمضان وعيد الفطر وعاشوراء وعيد الميلاد فى 7 يناير وليس فى 25 ديسمبر، أى إن مصريتهما ستغلبهما على الدوام بسبب الجمجمة وما تحمله من ذكريات، على العكس من الأطفال الذين ستسبق أمريكيتهم أو كنديتهم أى ولاء آخر.

وهنا قد نتساءل: من الفائز؟ هل هو الأب الذى فرض حصاراً على الأبناء فى المهجر من أجل أن يكتسبوا ما فى جمجمته هو من معتقدات وتحيزات وأفكار وانتماءات، أم الأب الذى غلبه المجتمع الجديد وأخذ منه الأولاد إلى عالم أكثر رحابة بصرف النظر عن الرأى فى هذه الرحابة؟.. لا أدرى ولكن ما أدريه أن الأولاد الذين انتموا لقيم الوطن الجديد كانوا عصيين على أن يستدعيهم أحد ثم يحشدهم ويرصهم فى أتوبيسات تنقلهم وتعود بهم دون أن يأخذ رأيهم فى المهمة المطلوبة منهم!