حقيقة تمصير صناعة الحديد

عباس الطرابيلي الأربعاء 21-09-2016 21:51

عندما كتبت مقالى هنا، يوم الاثنين الماضى بعنوان «مصانع تكسب.. وأخرى باى باى»، لم أكن أفتح معركة بين القطاعين العام والخاص.. بقدر ما كنت أفتح الطريق أمام أسباب النجاح والفشل.. وكيف أن الإدارة فى القطاع العام كانت المسمار الأخير فى نعش هذا القطاع وفشله.. بينما كانت- فى القطاع الخاص- هى أسباب تقدمه ونجاحه.. فالأول يملك حق العقاب.. قبل حق الثواب ويملك أيضاً القدرة على التطور والتحديث وملاحقة الزمن، فضلاً عن قدرته على التحكم فى عدد العاملين.. بينما القطاع العام تم تكبيله بقيود رهيبة من أسباب التخلف والتأخر وأيضاً تحميله بتشغيل عدد من العاملين فوق طاقته الاستيعابية.. وتلك كارثة حقيقية.

وفتح هذا المقال مجالاً كبيراً للتعليق عليه، من كل الاتجاهات.. من أقصى إلى أقصى.. وأعترف أن كلها تتفق معى فى أسلوب الإدارة، وربما أيضاً تعترف بأن الحكومة صانع سيئ.. ومدير أسوأ.. وتاجر فى غاية السوء.. ومن بين من ناقشونى فى هذه القضية ثلاثه: أولهم المهندس أحمد عز نجم صناعة الحديد والصلب بالقطاع الخاص، الذى ضربت به مثلاً فى هذا المقال.. وثانيهما المهندس صلاح دياب، وله تجربة رائدة فى نشاطات عديدة.. بل ويمتلك رؤية غير تقليدية للكثير من قضايانا.. وثالثهما المهندس كمال مصطفى، أشهر من تولى مسؤولية شركتى بتروجت وإنبى، وهما من أكبر الشركات الهندسية بقطاع البترول.

وأبدأ بالأخير كمال بك مصطفى، الذى شرح الفرق بين نشاط شركة الحديد والصلب الحكومية بالتبين وغيرها، قال إن شركة التبين تقوم على التكنولوجيا الروسية- وهى ليست فى تقدم التكنولوجيا الغربية- ومصنع التبين يعتمد على خام حديد الهيماتيت وتنقيته لإنتاج الصلب، بينما مصنع حديد الدخيلة سريع ويقدم الحديد «نصف تصنيع» من الخردة وغيرها «السكراب» ثم يقدم لنا «كرات» سفنج يصنع منها حديد التسليح، أى أن مصنع التبين يعتمد على خامات الحديد من المناجم والأخرى البليت.. والتبين لم نطورها وتركناها كما هى ونجرى وراء الصلب نصف تصنيع.. الأولى يعتمد على الخامات المستوردة أو من الأسواق المحلية، الثانية- التبين- لم نطورها.. مصانع القطاع الخاص تكاليفها أقل، ويعترف بأن غياب الصيانة عن التبين هو الكارثة الحقيقية.. مع ارتفاع تكاليف الإنتاج فى التبين عن المصانع الخاصة.. ويذكرنا بأن المصانع الخاصة قامت على أكتاف العاملين السابقين فى القطاع العام ومنهم مثلاً المهندس محمد خطاب.. من التبين إلى الدخيلة.

أما المهندس أحمد عز فينفى أنه استغل وضعه السياسى لتنمية مشروعاته الخاصة، ويؤكد أنه اشترى أسهم شركة الدخيلة قبل أن يدخل العمل السياسى، وأنه لم يشتر سهما واحدا من أسهم القطاع العام بالدخيلة وإنما اشترى من أسهم القطاع الخاص الأجنبى بالذات.. والأفريقى.. وكانت تمتلك 51٪ من أسهم الدخيلة: شركة يابانية وأخرى ألمانية أى أنه قام بعملية تمصير لهذه الأسهم الأجنبية، أما الباقى وهو 49٪ فكان من المال العام «البنوك المصرية» وبنك الاستثمار وهيئة البترول.. ويقول إنه وجد أن أسهم الدخيلة لا أحد يريد الدخول فيها.. وكل هؤلاء الأجانب رفضوا الاكتتاب فى عمليات تطوير وتكبير الشركة.. فتقدم هو ولم يقم بشراء الأسهم بأقل من سعرها بل بأسعار عام 1999

ولذلك تم اختياره رئيسا للشركة، بعد أن نجح فى تمصير كل الأسهم المملوكة للأجانب.. وكل هذا تم بين عامى 98 - و99 بينما دخل الحزب الوطنى فى أكتوبر 2000 ومازال المال العام موجوداً بنفس حصته حتى الآن فى شركة الدخيلة.. فأين الخطأ فى ذلك؟! بل وقام بضخ أموال جديدة فى الشركة، على عكس ما حدث فى شركات الأسمنت والاتصالات.. حتى يمكن القول إن قطاع الحديد هو الوحيد الآن ذو الصبغة المصرية الخاصة.. وبذلك أنقذ الرجل - كما يقول - شركة الدخيلة من النهاية المحتمة..

وأحسست بمرارة شديدة فى حديث الرجل بسبب ما أصابه وأسرته من كل ما جرى وليس فيما أقول هنا دفاع عن الرجل فأنا لست ممن يصفقون، لكننى مع كلمة حق، لأن بيننا من يحارب كل من يضيف للاقتصاد الوطنى.. ويكفى التوسعات التى أقامها فى السويس تحت الإنشاء من مضاعفة الإنتاج ثم مصنع لإنتاج الصلب المسلح، أى هى محاولة جادة لتمصير صناعة حيوية تقف أمام الاستيراد.

■ ■ ونصل إلى كلام المهندس صلاح دياب الذى يتحدث عن معوقات التقدم وسط عالم يحاول عرقلة أى محاولة لأن تقوم مصر وأن تنهض، ويرى أن هذا الطريق هو أسوأ ما يتعرض له المستثمرون الجادون بينما تشكو البلاد من غياب قانون يتساوى فيه الكبير والصغير حتى لا يلجأ الناس إلى الأبواب الخلفية..

■ ■ وبسبب أهمية ما يقوله صلاح دياب دعونا نفرد له مقال الغد ننقل فيه أفكاره.. وهى أفكار يجمع كل من يسمعها على أن فيها المفتاح الصحيح للنهضة.. فإلى الغد خصوصاً وأنه معروف بين رجال الأعمال بأنه.. بنك للأفكار الناجحة.