إلى وزير التربية والتعليم

طارق عباس الخميس 15-09-2016 21:54

إلى متى يظل الطلاب ضحايا التقييم الظالم لامتحانات الثانوية العامة؟

ما تعلمناه منذ طفولتنا أن مَن جدّ وجد، وأن العمل عبادة، ومن المستحيل أن يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وأن مَن غشنا فليس منا، لكن ما شاهدناه فى امتحانات الثانوية العامة على مدى السنوات الخمس المنصرمة يتنافى تماما مع ما تعلمنا، بل يدفع أبناءنا وبناتنا للكفر به واليقين بأن قيم الجد والاجتهاد والمثابرة والاستذكار والتعلم كلها باتت بالية، ويؤكد أننا نعيش العصر الذهبى لنمو ثقافة الغش والفهلوة والتنشين، وغيرها من الأمور التى انحطت بتقييم طلاب وطالبات الثانوية العامة إلى أسفل سافلين، بحيث مكنت الأضعف من الأقدر، وسمحت لمن ظلوا طوال العام يلهون ويلعبون ويتسكعون على النواصى ويستخفون بالمدرسة والمدرس بالحصول على أعلى الدرجات والالتحاق بكليات لم يصلها زملاؤهم ممن سهروا الليالى فى سبيل التحصيل والاستذكار والتعلم.

عندما سألت إحدى الطالبات النابهات وهى تستعد لخوض معركة الثانوية العامة لعام 2016– 2017 عن توقعاتها بالنسبة للسنة الجديدة، أجابتنى: (أنا لست متفائلة، ومتوقعة ألا يكون الحصاد على قدر البذل، فالماضى ليس ببعيد، والأخطاء هى هى، وما الذى يمنع من أن يستنسخ الفشل ويعاد إنتاجه؟ بمنتهى الصراحة ليس هناك أمرّ من أن ترى من هم دونك علما ومعرفة يسبقونك فى المكان والمكانة، ليس هناك أمرّ من أن تذاكر ثم يأتى غيرك فى آخر العام ويحصل على الامتحانات وإجاباتها النموذجية ويحتسب بالغش على أنه متميز ومتفوق وأهل للتكريم، ليس هناك أمرّ من أن تتفرج على حقك وهو يضيع وأن تشتكى لمن لا يسمع وأن تبحث عن العدل فى زمن تسيده الظلم). وأنا من قسوة ما سمعت قررت نقل هذه الرسالة إلى وزير التعليم متسائلا: هل آلمتك رسالة ابنتك هذه؟ وكيف ستضمن لها ولأمثالها من النابهين التقييم العادل الذى يعيد الثقة لأنفسهم فى أنفسهم من أجل بلوغ ما يطمحون فيه ويتطلعون إليه؟ وما هى الخطوات التى ستواجه بها عصابات الإنترنت التى اعتادت تسريب الامتحانات؟!

قد لا تتوافر لديك إجابات شافية كافية، لا لقصور فيك، وإنما لثقل عبء التركة، لكن اسمح لى أن أعرض على سيادتك بعض المقترحات المؤقتة التى من شأنها إحداث ترميم فى بناء متهالك ووضع تقييم يقترب من الموضوعية فى الحكم على الطلاب:

أولا: إعادة النظر فى درجات مادة اللغة العربية وتخفيضها من ثمانين درجة إلى أربعين درجة، خاصة أن آليات تصحيح هذه المادة غير واضحة وغارقة فى العشوائية، ففرع التعبير يُقاس بالشبر، بغض النظر عن المضمون، وتوضع درجاته بالمزاج، وفرع النحو والصرف يختبر قدرة الطالب على حفظ القواعد لا فهمها، وفرع البلاغة يقتضى فى تقييمه وجود نموذج إجابة محدد من قِبَل وزارة التربية والتعليم، علما بأن البلاغة هى سر جمال اللغة فى النص، والجمال يستحيل إخضاعه لمقاييس ثابتة، أما عن فرع الأدب والنصوص فهو طويل إلى درجة الملل ويحتاج للوعى بتفاصيله أكثر من السنة الدراسية، وكذا الأمر بالنسبة لفرعى القصة والقراءة، الأمر الذى يتسبب فى خسارة الطلاب بسبب مادة اللغة العربية درجات كثيرة.

ثانيا: ألا تُؤدَّى امتحانات الثانوية العامة تحريريا فقط، مادامت تحدث التسريبات وينتشر الغش عن طريق الإنترنت ويُضاف إلى النظام التحريرى الاختبار الشفوى الذى سيسمح بقياس مهارات الطالب فى النقاش والفهم، ومدى استيعابه تفاصيل المادة العلمية التى قام بدراستها طوال العام.

ثالثا: ألا تُؤَدَّى الامتحانات كلها دفعة واحدة على النحو الذى اعتدناه، وإنما تُقَسَّم على امتداد السنة بحيث تُمتحن مادة كذا ومادة كذا فى نهاية أول ثلاثة شهور، ثم مادة كذا ومادة كذا خلال الشهور الثلاثة التالية، ثم مادة كذا ومادة كذا بعد ذلك، على أن تجمع درجات كل هذه المواد نهاية الأمر لتكون المجموع الكلى الذى تُحتسَب على أساسه طبيعة المعهد أو الكلية المراد دخولها.

رابعا: وضع آليات جديدة للتصحيح والتظلم من التصحيح، لأن الآليات الموجودة غير منطقية وغير أخلاقية، وتضيع على الطلاب درجات لا تقع تحت حصر، ويكفى الإشارة إلى أن هناك من المدرسين المهملين من لا يتقون الله فى قراءة كل كلمة فى ورقة الإجابة ولا يهتمون بنماذج الإجابة حتى فى المواد العلمية فيحتسبون أخطاء فى إجابات صحيحة ويحتسبون صوابا فى إجابات خاطئة، وعندما يستشعر الطلاب الظلم الواقع عليهم ويلجأون للتظلمات يفاجأون بأنه لا يُنظر إلا فى أخطاء جمع الدرجات أو السهو عن وضع درجة أحد الأسئلة.

خامساً وسادساً وسابعاً: لابد من التحرك العاجل لإنقاذ الطلاب من اليأس الذى يحيط بهم وكابوس الثانوية العامة الذى يؤرقهم، لابد من محاولة إعادة ترميم إلى حين التأسيس لبناء علمى حقيقى يدفع بالمجتمع إلى الأمام، ويعيد العلاقة بين أبنائه بترسيخ القيم وتأهيل المعلمين لسوق العمل.