محمد خليفة يكتب: مصر الوطن والجغرافيا

اخبار الأحد 11-09-2016 21:28


أدركت الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، خطر المحاولات المشبوهة لإثارة فتنة فى بلاد النوبة، فعملت على تفكيكها بهدوء، هناك ما يتوهج الآن على شفير الحدث السياسى الواحد والحقيقة التاريخية، عندما تتسلط عليها رؤى متعددة. ورؤية السياسة للحدث الواحد، إنما تنم عن الفعل فى إحداث تحولات ديموغرافية داخل الأوطان، على مدار العقود التى تقبع خلف الوقائع التاريخية، وإماطة اللثام عمّا سكتت عنه التحالفات، مما أبان المفارقات والتناقضات والتوجسات التى تاهت فى مسارب الغياب والتغيب.

إن متأمل خريطة جمهورية مصر العربية فى لحظتها الراهنة، تظهر له موزعة على امتداد شواطئ شديدة الانكسارات؛ ما أغرى الطامعين القابعين خلف حواشى الجغرافيا الطبيعية والسياسية، بعد أن ازدادت المشكلات أمام الدولة المصرية، جرّاء ما أصابها من محن، فقد اُبتليت بطاعون الإرهاب الذى فتح جبهة لقتالها فى أرض سيناء، بما تمثله من قيمة اقتصادية وسياسية كبرى، لكن المشكلة الأخطر تكمن فى قضية شعب النوبة، الذى هو جزء عزيز من الشعب المصرى، وقد كابد هذا الشعب أهوالاً كبيرة عندما ضحى بموطنه، وأرض آبائه وأجداده، من أجل عزة مصر ونهضتها. فقد كان النوبيون يعيشون فى قرى متناثرة على امتداد مجرى النهر فى أقصى جنوب مصر، وتمتد أراضيهم حتى حدود السودان الشمالية. وفى بداية عام 1953 قررت الدولة المصرية بناء سد على مجرى النيل فى منطقة أسوان، لحجز مياه النهر، لحماية مصر من الفيضان ومن الجفاف فى آن معاً. وتم إجراء دراسات حول مشروع السد العالى من كل جوانبه الهندسية والاجتماعية والاقتصادية، وفى إطار تلك الدراسات أجرت وزارة الشؤون الاجتماعية مسوحات سكانية واجتماعية على السكان النوبيين، الذين سيتضررون من بناء السد، وتبين أن تعدادهم، آنذاك، كان ثمانية وتسعين ألفاً وستمئة وتسع نسمات، يسكنون 39 قرية. وقررت الحكومة المصرية إخلاء بلاد النوبة من أجل تحويل مجرى نهر النيل، وأمنت للنوبيين مساكن بديلة فى هضبة كوم أمبو وإسنا، وارتضى النوبيون الهجرة إلى هذه المنطقة البديلة، ومنهم من هاجر شمالاً حيث المدن الكبرى، مع وعود لهم بالعودة إلى ضفاف النيل، وبالرغم من أنهم سكنوا فى تلك المنطقة، وفى قرى تحاكى قراهم دون تغيير، سوى بالموقع الجغرافى، لكن هناك أيادى خفية تريد أن تؤجج فتيل أزمة جديدة، بعدما فشلوا فى إشعال فتيل أزمة الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط فى عدة قرى من صعيد مصر.

هذه الأزمات التى تُفتعل، إنما تهدف إلى عرقلة مصر وإرباكها، حتى يحولوا بينها وبين ممارسة دورها الريادى فى المنطقة والعالم.

فى هذا الإطار، عُقد العام الماضى، فى واشنطن، مؤتمر تناول ما يُسمى ممارسة العنصرية والتطهير ضد النوبيين فى مصر. وكان بمثابة انطلاقة لمشروع تفجير مصر من الداخل عبر تأجيج فتنة القوميات والطوائف التى تتألف منها، ولاسيما القضية النوبية التى تطفو على السطح بين الفينة والأخرى. وقد أدركت الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، خطر تلك المشكلة، فعملت على تفكيكها بهدوء، فتم تضمين الدستور المصرى الذى صدر عام 2014، مادة تنص على ضرورة أن تقوم الدولة بوضع وتنفيذ مشروعات، تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية، وتنميتها خلال عشر سنوات، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون.

إن السد العالى الذى أنجزته مصر فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وبتكلفة بلغت مليار دولار، كان مطلباً أساسياً للتنمية فيها، وقد حقق هذا السد الكثير من الأهداف، حيث ساعد كثيراً فى التحكم بتدفق المياه، والتخفيف من آثار فيضان النيل، كما عمل على حماية مصر من الجفاف، حيث إن بحيرة ناصر تقلل من اندفاع مياه الفيضان، وتقوم بتخزينها للاستفادة منها فى سنوات الجفاف. إضافة إلى توليد طاقة كهربائية كبيرة منه.

ولاشك فى أن أهل النوبة توالت عليهم همهمات مريبة أثارها مشككون، ساعدهم واقع مسكون بتخوفات مشروعة لديهم، تنطق بانحدار لحظة التوتر، التى ظلت مترسبة فى أعماق لحظة تاريخية نازفة منذ عقود. وقد كان التراخى والإهمال من طرف الحكومات السابقة، يعمق تلك الجراح؛ لكن الرهان الأكبر يقع على عاتق أبناء الوطن الشرفاء من أبناء النوبة، وكذلك على القوى السياسية الفاعلة، فعلى الجميع أن يتلاحم خلف القيادة السياسية التى هى، من دون شك، قادرة على إيجاد الحل الذى يحقق الاستقرار لهؤلاء المواطنين من أجل قطع دابر المتربصين بمصر ومستقبلها، حمى الله الشقيقة مصر من كل سوء، وأبقاها درعاً لهذه الأمة.

نقلا عن جريدة الخليج الإماراتية