أجاز الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، الجمعة، تصعيد الحجاج إلى عرفات، غدًا السبت الذي يوافق يوم الثامن من ذى الحجة «يوم التروية»، دون المبيت بـ«منى» باعتباره سنة وليس شرطًا أو واجبًا من واجبات وأركان الحج.
جاءت فتوى مفتى الجمهورية ردًا على سؤال لأحد المواطنين عن: «هل يجوز للحاج أن يتوجه إلى عرفات يوم الثامن من ذي الحجة بدلاً من التوجه لمنى؟».
وأجاب «علام»، في فتواه: «يجوز شرعًا للحاج التوجه إلى عرفات يوم الثامن من ذي الحجة وترك المبيت بمنى وغايته أنه ترك مستحبًّا وهو المبيت بمنى».
كما أجاز ترك المبيت بمنى خلال أيام التشريق لمن كان له عذر، قائلاً: «إن المحافظة على النفس من المقاصد المهمة للشريعة كما هو معلوم وإذا تعارضت المصالح والمفاسد فإن من المقرر في قواعد الفقه أن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، وإذا كان هناك تعارض بين المصالح وُفِّق بينها وإلا قُدِّمَ أعلاها على حساب أدناها».
وأضاف المفتى: «ونفس المؤمن تتوق دائمًا إلى أداء فريضة الحج، إلا أن الله قد جعل ذلك لمن استطاع إليه سبيلاً، كما جعل الإحصار عُذْرًا في ترك تكملة أداء المناسك، والمحافظة على أرواح الحجيج واجب شرعي، فعلى الجميع أن يعملوا على المحافظة عليها؛ لعظم حرمتها، فعن ابن عباس قال: لَمّا نَظَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الكعبة قال: مَرحَبًا بكَ مِن بَيتٍ، ما أَعظَمَكَ وأَعظَمَ حُرمَتَكَ، وَلَلْمُؤْمِنُ أَعظَمُ عندَ اللهِ حُرمةً منكَ».
وأشار إلى أنه في هذه الأيام تزداد الحاجة إلى التيسير على الناس في فتاوى الحج وأحكامه فإن من الحكمة مراعاة أحوال الناس في أدائهم لمناسك الحج بحيث نجنب الحجيج ما قد يصيبهم من أمراض وأوبئة حتى يعودوا إلى أهلهم سالمين غانمين إن شاء الله تعالى، خاصة في الأماكن التي يكثر فيها التجمع، والتي جعل الله فيها سَعة لعباده.
وأوضح المفتى أن المبيت بمنى ليالي التشريق مختلف فيه بين العلماء فالجمهور من الشافعية والحنابلة والمالكية على أنه واجب، والحنفية على أنه سنة، ووافقهم في ذلك بعض أقوال في المذاهب الأربعة وإن كانت غير معتمدة عندهم، وقال الفقيه داماد الحنفي: «يكره أن لا يبيت بِمِنى ليالي مِنى، ولو بات في غيره من غير عذر لا شيء عليه عندنا»، بينما ذكر العلاّمة الميرغناني الحنفي في «الهداية»: «ويُكرَه أن لا يَبِيتَ بِمِنى لياليَ الرمي، لأن النبي عليه الصلاة والسلام بات بِمِنى، وعمر رضي الله عنه كان يُؤَدِّبُ على ترك المُقام بها، ولو بات في غيرها متعمدًا لا يلزمه شيء عندنا خلافًا للشافعي رحمه الله لأنه وجب ليسهل عليه الرمي في أيامه فلم يكن مِن أفعال الحج فتركه لا يوجب الجابر».
وذكر «علام» أن القول بسنية المبيت في مِنى قول للإمام الشافعي، قال الشيخ أبوإسحاق الشيرازي في «المهذب» في تعليله: «لأنه مبيت، فلم يجب، كالمبيت ليلةَ عرفة»، ونقل العلامة المرداوي الحنبلي في «الإنصاف» قولاً عن الإمام أحمد أيضًا أنه سنة.
واستدل مفتى الجمهورية على القول بسُّنِّيَّة المبيت بمنى أيام التشريق بما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن العباس رضي الله عنه استأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليبيت بمكة ليالي مِنى من أجل سقايته، فأذن له ولو كان المبيت واجبًا لما رُخِّص في تركه لأجل السقاية فعلم أنه سُنَّة.
وتابع: «مما يقوي القول بالسنية أيضًا أن يقال إن المبيت ليس مقصودًا في نفسه، بل قد شُرِعَ لمعنى معقول، وهو الرفق بالحاج؛ بجعله أقرب لمكان الرمي في غده، فهو مشروع لغيره، لا لذاته، وما كان كذلك فالشأن فيه ألا يكون واجبًا، وإذا أضفنا إلى ما سبق اعتبار ما يَعتَرِي الحجيجَ مِن تعب شديد وضيق مكان وخَوف مرض كان القول بسنية المبيت بِمِنى وعدم وجوبه هو المختار للفتوى».
وأضاف مفتى الجمهورية: «وإذا قلنا بالسنية لا الوجوب فيمَن ترك مبيت الأيام الثلاثة جميعًا فمِن العلماء مَن قال إنه يسن له أن يجبره بدم ولا يجب، ومن ترك مبيت ليلة واحدة جبرها بالتصدق بمُدٍّ من طعام، وهذا هو ما يستتبع القول الآخر للإمام الشافعي بسنية المبيت بِمِنى، كما استدل بقول الإمام النووي في المجموع: فإن قلنا: المبيت واجب كان الدم واجبًا، وإن قلنا سنة فسنة، وقال الحنفية والإمام أحمد في رواية: إنه لا يلزم من ترك المبيت بِمِنى شيء، وقال الإمام أحمد: لا شيء عليه، وقد أساء».
وأوضح مفتى الجمهورية أنه حتى على قول الجمهور إن المبيت بِمَنى واجب فإنهم يرخصون لِمَن كان ذا عذر شرعي بترك المبيت ولا إثم عليه حينئذ ولا كراهة ولا يلزمه شيء أيضًا، ولا شك أن الخوف من المرض من جملة الأعذار الشرعية المرعية،لقول الإمام النووي في «منسكه»: «أما من ترك مبيت مزدلفة أو مِنى لعذر فلا شيء عليه، والعذر أقسام الثالث: مَن له عذر بسبب آخر، كمن يخاف على نفسه أو مال معه، فالصحيح أنه يجوز لهم ترك المبيت، ولهم أن ينفروا بعد الغروب ولا شيء عليهم، وقال الشيخ الخطيب الشربيني الشافعي في»مغني المحتاج«:»ويُعذَر في ترك المبيت وعدم لزوم الدم خائفٌ على نفس أو مال أو فوت أمر يطلبه كآبق أو ضياع مريض بترك تعهده لأنه ذو عذر فأشبه الرعاء وأهل السقاية، وله أن ينفر بعد الغروب كما يؤخذ من التشبيه بأهل السقاية«.
واستطرد «علام» قائلاً: «إن الإمام ابن قدامة قال في (المغني): وأهل الأعذار من غير الرعاء كالمرضى ومن له مال يخاف ضياعه ونحوهم كالرعاء في ترك البيتوتة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص لهؤلاء تنبيهًا على غيرهم، أو نقول: نص عليه لمعنى وجد في غيرهم، فوجب إلحاقه بهم، وقد وردت الرخصة من الشارع لأهل الرعاء والسقاية في ترك المبيت في مِنى، فروى الإمام مالك في موطئه عن عاصِمِ بنِ عَدِيٍّ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَرخَصَ لرِعاءِ الإبِلِ في البَيتُوتةِ خارِجِينَ عن مِنًى يَرمُون يومَ النَّحرِ، ثُم يَرمُون الغَدَ ومِن بعدِ الغَدِ ليَومَين، ثُم يَرمُون يومَ النَّفرِ»
وأوضح فضيلة المفتى أن الشافعية قد جزموا بإلحاق من له مال يخاف ضياعه أو أمر يخاف فوته أو مريض يتعاهده بأهل السقاية، مضيفًا: «ومعلوم أن الالتزام بالمبيت وإلزام الحاج به مع أعمال الحج الأخرى يزيد من إجهاده وضعفه ويجعل الجسم في أضعف حالاته، فإذا انضم إلى ذلك ما نزل بالناس في هذه الأيام على المستوى العالمي من انتشار للأوبئة والأمراض الفتاكة التي يسهل انتقالها عبر التجمعات البشرية المزدحمة فإن جسم الإنسان يكون أكثر عرضة لالتقاط الأمراض والعدوى بها، ولا شك أن أشد الناس تضررًا بذلك وضعفًا على احتماله هم النساء والأطفال والمرضى والضعفاء، فناسب أن يأخذ هؤلاء حكم مَن رُخِّص لهم خاصة أن المبيت ليس من أركان الحج عند جميع المذاهب المتبعة».