الدكتور جابر عصفور يفتح الملفات الشائكة: تدخلات الأمن والسلطة الدينية تفسد الحياة السياسية (حوار)

كتب: طارق صلاح الجمعة 02-09-2016 22:54

قال الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق إن هناك تناقضات كثيرة فى أداء الدولة، ما جعل الصورة ضبابية بالنسبة للمثقفين، مشددا على أن وجود الأزهر فى الوضع السياسى الراهن عن طريق تدخلاته أدى إلى ضعفه عن الماضى.

وهاجم «عصفور»، فى حواره لـ«المصرى اليوم»، السلفية الوهابية، معتبرا أنها امتداد لأفكار ابن تيمية المتشددة، وأن الخلافة الإسلامية كانت قائمة على الدماء والعنف والقتل، مطالبا الدولة بتجديد الخطاب الدينى عن طريق تغيير الكتب المدرسية، وتنقيتها من كل ما يدعو إلى العنصرية، وقال إن المرأة فى مصر مظلومة جدا.. وإلى نص الحوار:

الدكتور جابر عصفور

■ فى البداية يتهم الكثيرون المثقفين بأنهم غائبون عن المشهد السياسى؟

- هناك عدد من المثقفين يتفاعلون مع الأحداث بصورة إيجابية من منطلق مصالح الوطن، وهناك آخرون عازفون عن التواجد لأن الصورة السياسية أصبحت مهزوزة ومضطربة، ما أفقد المثقفين، إلى حد كبير، البوصلة، وأبعدهم عن الاتفاق الوطنى بعكس ما حدث بعد الفترة اللاحقة لثورتى يناير ويونيو، حيث كان هناك إجماع وطنى، ففى الأولى اتفاق على ضرورة إزاحة نظام مبارك والسير قدما نحو التغيير، والثانية ضرورة إزاحة الإخوان، المقصود أن الجميع كان متفائلا بعد الحدثين، لكن تلاشى هذا التفاؤل تدريجيا وأصبح المثقفون فرقا متعددة متضادة وبات الارتباك هو سيد الموقف بالنسبة للنخبة.

■ ما السبب فى هذا الارتباك؟

- أشياء كثيرة ساعدت فى وجود الارتباك: أهمها على الإطلاق غياب الشفافية من جانب الحكومة التى أصبحت تتعامل مع الأمور بطريقة تشعرك بأنها ليست لديها سياسات واضحة تسير عليها، انظر إلى المشاكل التى تكاد تكون عاجزة عن إيجاد حلول لها، فضلا عن التناقض الواضح فى شكل الدولة، حيث تظهر من ناحية منحازة إلى الدولة المدنية الحديثة، كما دائما يقول ويكرر رئيس الدولة، وتارة أخرى نجدها منحازة إلى الدولة الدينية، حيث تسمح للجماعات السلفية بإسباغ طابع الدين على مناحى الحياة، فضلا عن تدخل المؤسسة الدينية المتمثلة فى الأزهر فى السياسة بشكل فج وتعاملها مع الواقع الثقافى والاجتماعى بوصفها سلطة دينية، وهذه تناقضات أدت إلى ضبابية الرؤية.

■ اشرح لنا ما المقصود بمزاحمة السلطة الدينية للدولة المدنية؟

- أولا لا توجد سلطة دينية فى الإسلام أصلا، ولكن عندنا نجد شيئا عجيبا يحدث، حيث نجد الأزهر يحاول أن يفرض نفسه فى الأمور السياسية، وله آراء وتدخلات فى هذا الشأن يأمر وينهى ويرى أنه على الصواب دائما، وأن من يختلف معه مخطئ، وهذا فى حد ذاته طامة كبرى لأنه أوجد تدينا مبالغا فيه، والإسلام ليس فيه من يتحدث بالإنابة عن الدين، إضافة إلى وجود السلفيين واحتلالهم المساجد وإصرار الدولة على عدم إبعادهم، وكأنها تكافئهم على وقوفهم ضد الإخوان فى ثورة يونيو، وللعلم فإن كل من يزعم أنه عالم بالدين فاعلم أنه ينطق عن الهوى وله مصلحة خاصة.

■ ما أدلتكم على أن الأزهر يأمر وينهى ويهدف إلى السيطرة على المشهد السياسى؟

- هناك أدلة وشواهد كثيرة ومتعددة مثل محاولته القيام بدور سياسى سواء عن طريق تمييزه المضاد للشيعة المصريين أو مواقفه المتعاطفة مع السلفية السعودية وتأييده لهم فى كل شىء، فضلا عن تدخله فى بعض الأمور السياسية التى ليست من اختصاصه، وما يجعلنى مستغربا أن الأزهر بدأ حملة دعاية لنفسه عن طريق تعليق لافتات وبانارات تتحدث عن عظمة الأزهر وهو شىء مضحك لأن عظمة الأزهر لم تكن أبدا بالإعلانات، وإنما بالعلم والمساهمة فى التقدم، ولنتذكر معا الأزهر قديما عندما كان قلعة من قلاع التنوير ومن حصون الوطنية، أزهر الشيخ حسن العطار ورفاعة الطهطاوى ومصطفى عبدالرازق ومحمود شلتوت، الذى شارك فى ثورة 1919وسجن بسبب ذلك، وأزهر الدكتور محمود زقزوق وسعد الدين هلالى، جميعهم نماذج عظيمة، وبقى الأزهر حينذاك محل نظر العالم أجمع، أما الآن فقد ضعف، وبالتالى ضعفت معه الدولة المصرية، والأزهر الآن يبقى منه سيرته الماضية ويعيش على أمجاده وتاريخه الناصع القوى.

■ ترددت أنباء أن الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر كان وراء إقالتك من موقع وزير الثقافة الأخير؟

- لا أعرف ولم أهتم، ربما يكون هذا الكلام حقيقيا لكن ليس لدى أى أدلة على ذلك.

■ من وجهة نظرك، كيف يتم تجديد الخطاب الدينى؟

- لابد أن نبدأ فورا فى مراجعة وتغيير المناهج الدراسية الموجودة فى التعليم، خاصة الأزهرى، من المرحلة الابتدائية إلى المراحل الجامعية، ثانيا اللجوء إلى تأويل الآيات والأحاديث الصحيحة التى قد يفهم منها مخالفة العصر أو التمييز ضد أصحاب الديانات غير الإسلامية. ثالثا تبنى الاتجاهات العقلانية فى التراث الإسلامى وإعادة الاعتبار إليها، رابعا رفض المذهب السلفى الوهابى رفضا تاما وإقصاؤه والنظر إلى مستجدات العصر الذى «تعولم» فعلا.

■ لماذا ترغب فى إقصاء الفكر السلفى الوهابى؟

- لأنه ببساطة شديدة فكر دينى يعمل على تأخر الأمة الإسلامية ولا يساعد على تقدمها، ولو تذكرنا المذاهب الإسلامية التى كانت سائدة فى مصر أواخر الستينيات لوجدناها كلها مضادة للسلفية الوهابية، ولهذا كان لمصر الريادة سياسيا وثقافيا وكانت رمزا للاعتدال والوسطية، لكن دخول السلفية الوهابية ورضاء الأزهر عن ممارستها أدى إلى انتشار هذا الفكر الذى أنتج التطرف والتعصب، والمشاكل الطائفية لم تكن موجودة قديما وإنما بدأت فى الظهور بقوة مع تغلغل الفكر السلفى الوهابى فى المجتمع، ورأينا حرق الكنائس والاضطهاد والطائفية وما إلى ذلك من آفات حلت بالمجتمع جراء السماح لهذا الفكر باقتحام الحياة فى مصر.

■ كيف يمكن القضاء على الأحداث الطائفية ليبقى المصريون نسيجا واحدا؟

- الحزم وإعمال القانون الذى لا يميز بين مسلم ومسيحى هو السبيل إلى القضاء نهائيا على الاشتباكات، وتطبيق القانون على المخطئ، أيا كان، يؤدى فى النهاية إلى الالتزام، أما أن تكرر أخطاء الماضى وتجمع المشايخ والقساوسة وتأخذ لهم لقطة تليفزيونية «وهما بيبوسوا بعض» فإنك لن تصل إلى شىء وستظل الأزمة قائمة، ولابد من نسيان الديانة تماما، والتعامل على أساس أن الجميع مصريون دون تفرقة، بل يجب أن نتعدى هذا إلى معاقبة من يقوم بالتمييز بين أبناء الوطن وإبعاد الفكر السلفى الوهابى، كما قلت، خاصة التابعين لأفكار ابن تيمية التى تزعجنى كثيرا.

■ ما أسباب انزعاجك من أفكار ابن تيمية؟

- لأنه فقيه متشدد عاش فى الفترة ما بين القرنين السابع والثامن للهجرة، وهى أكثر الفترات التى ظهرت وتزايدت فيها الحروب الصليبية على العالم الإسلامى، وقد أدى ذلك إلى تشدده مع جميع المسيحيين، وأصبحت آراؤه وأفكاره تغلب عليها الحدة والقسوة والعنصرية، مع العلم أن الرسول الكريم قد تزوج من مسيحية، لكن ابن تيمية كان كارها للمسيحيين وكان رافضا لإعمال العقل، مقبلا على التطبيق الحرفى للأحكام الفقهية، وكان عدوا لكل اجتهاد فكرى.

■ كيف تقرأ تفكير السلفيين فى مصر؟

- تفكيرهم عبارة عن نسخ لأفكار ابن تيمية المتشددة وهذا يعنى تجاهل التطور والحداثة والعودة إلى القرون القديمة، وللعلم فإن الإخوان قريبون من هذا الفكر.

■ الإخوان.. هل ترى أن هناك إمكانية للمصالحة بينهم وبين الدولة؟

- هذا يتوقف على إمكانية تخلى الإخوان عن أفكارهم عن الخلافة الإسلامية والحكم الدينى ويقبلون الحياة المدنية أم لا.

■ بمناسبة الإخوان من وجهة نظركم من هو أقرب رئيس مصرى لهم؟

- أرى أن محمد نجيب كان أقرب الرؤساء إلى الإخوان، وأنا شخصيا أكن له كل تقدير واحترام، أما عبدالناصر فقد اقترب منهم قبل الثورة لتقوية شوكته وعندما أرادوا أن يشاركوا فى الحكم جاء صدامه معهم وحدثت القطيعة بعد محاولاتهم اغتياله فى عام 1954 ولكنه لم يكن إخوانيا، كما استعان السادات بهم للقضاء على خصومه اليساريين والناصريين فمنح الإخوان مفتاح الجامعات المصرية، بعد أن أخرجهم من السجون كما نعرف، ولكنه لم يدر أنه قد قام بتربية ثعبان سام أنهى حياته، وبالنسبة لمبارك فإنه كان انتهازيا فى جميع الأحوال يتقرب منهم حين يحتاج إليهم ويتباعد عنهم حين لا يكون فى حاجة ماسة إليهم، أما السيسى فهو رجل كان واضح الاختلاف والتميز عنهم، صحيح أنه عين فى عهد مرسى وزيرا لكنه حافظ على وطنيته وعندما دخل الاختبار الصعب اختار الوطن ورفض الإخوان.

■ أى من الرؤساء المصريين أفضل فى أدائه الرئاسى؟

- «أنا راجل ناصرى» ومنحاز للناصرية بطبعى وهذه حقيقة، لأننى لم أكن باستطاعتى دخول الجامعة لولا عبدالناصر حيث أقر مجانية التعليم ودائما كان مع الفقراء أى كان مؤمنا بالعدالة الاجتماعية، لكن يعاب عليه أنه قتل فى عهده الديمقراطية بعكس السادات الذى تظاهر بالإيمان بالديمقراطية ولم يؤمن بالعدالة الاجتماعية، وأما مبارك فقد أضاع الاثنتين معا العدالة الاجتماعية والديمقراطية، أما محمد مرسى فأنا لم أقترب منه ولم أعرف عنه شيئا سوى أنه تخرج من الهندسة بتفوق وأخذ الدكتوراه من أمريكا، ولم أر منه غير ثقافة دينية فرضت عليه بحكم انتمائه للجماعة، وأخيرا السيسى لا يمكن الحكم عليه لأنه لم يكمل مدة حكمه.

الدكتور جابر عصفور

■ من أكثر الرؤساء ثقافة ومن أضعفهم؟

- بصراحة شديدة عبدالناصر حيث كان قارئا جيدا، وهناك صحفى فرنسى قال اسمه جورج فوشيه كتب عن عبدالناصر وقال إنه ذهب لمكتبة الكلية الحربية وأحصى الكتب التى استعارها عبدالناصر وقرأها، وكل الذين عملوا معه يعرفون أنه كان قارئا نهما سواء باللغة العربية أو الإنجليزية وهو ما أدى إلى ازدهار الثقافة فى عهده، ثم يأتى السادات من بعده حيث كان قارئا وإن كان أقل من عبدالناصر.

■ بما أنك محسوب على العلمانية عرف لنا هذا المصطلح؟

- أنا أتشرف بأننى محسوب على العلمانية، وللعلم فإن كثيرا من الناس التى لا تعرف العلمانية جيدا تقول إنها كفر وأصحابها يكفرون بالله وهذا خطأ كبير، ولكن الحقيقة هى ببساطة فصل الدين عن السياسة، والعلمانى بفتح العين وسكون اللام وهى تعنى الدنيا فى اللغة العربية مثل عقل وعقلانى فأين هذا من الكفر؟، وكان حلمى أن تكون مصر دولة علمانية، وأصبحت فعلا لكن ينقصها ابتعاد المؤسسات الدينية عن حشر أنفها فى أعمال السياسة.

■ ذكرت لنا فى أول حديثنا مصطلح الخلافة الإسلامية أكثر من مرة لماذا يشغلك هذا الأمر؟

- الفكر السلفى الوهابى وجماعات الإسلام السياسى لا تنسى رغبتها القديمة فى إقامة إمبراطورية الخلافة الإسلامية كما يحلو لهم أن يطلقوا عليها هذا المسمى، وبكل أمانة فإن هذا التصور يستحيل من الناحية العقلية والمنطقية، لأنه لا يمكن جمع مليار و200 مليون مسلم تحت راية واحدة، كما أنه لو استرجعنا عصر الخلفاء فلن نجد سوى تاريخ من القهر والدم والعنف والاستبداد، فأى عقل ذلك الذى يريد أن يستعيد هذه المشاهد القاسية فأغلب الخلفاء قد ذبحوا، ونحن الآن نبحث عن التقدم ولا حديث أمامنا سوى التخلى عن هذه الأفكار لأن الإسلام نفسه لم ينص على الخلافة وإنما ترك حرية الحياة للمسلمين والحكم الذى يلائم كل عصر، والمستغرب أنهم يتحدثون عن خلافة، وهناك ما يجعلها مستحيلة لاختلاف الأيديولوجيات والتفكير، فمثلاً موضوع بسيط مثل الحجاب الذى أرفضه، كيف ستتعامل معه الخلافة الإسلامية.

■ بالمناسبة ما رأيك فى الأحاديث النبوية والآيات القرآنية التى فسرت وجوبية الحجاب على المسلمات البالغات مثل «وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ» ؟

- أنا ضد الحجاب وأرفضه رفضا تاما والآيات والأحاديث التى ذكرت للدلالة على أن الإسلام أوجب على المرأة ارتداء الحجاب، أنا شخصيا لست مقتنعا بتفسيرها على هذا النحو، فالأحاديث النبوية التى يستدل بها أنصار الحجاب لا تعدو كونها أحاديث أحاد والأحاد لا يعمل بها لعدم الاتفاق عليها، أما التفسير للآيات القرانية فهو تفسير غير صحيح والمقصود بضرب الخمار أى تغطية منطقة الصدر ولا يوجد شىء يؤكد إلزام الإسلام للبالغة بارتداء حجاب ونحن قديما كانت معظم بنات وسيدات مصر لا يرتدين الحجاب هل هذا معناه أنهن كن لا يعرفن الإسلام وقد اكشفنه فى هذه السنوات الأخيرة، وهو أمر يدعو للتعجب.

■ فى رأيك.. ماهى مشاكل الثقافة فى مصر حاليا؟

- الأمية أكبر مشكلة تواجه الثقافة فى البلاد وهى مصيبة كبرى وهناك خلل فى نظام التعليم المصرى الذى يعانى من كوارث كثيرة أهمها التسرب الذى يؤدى إلى خروج أبناء الفئات الفقيرة من التعليم الإلزامى لكى يعملوا فى الورش أو يصبحوا فى الشوارع، ولا أعرف لماذا نصر على بقاء المسؤولين الفشلة فى أماكنهم فهناك كوارث حالية فى وزارة التربية والتعليم ولا شىء يحدث، ولابد أن يعلم الجميع أن الثقافة ليست مسؤولية وزارة الثقافة فقط وإنما هى مسؤولية الدولة ومعها المجتمع المدنى، ولعلمك فإن تدنى مستوى البرامج المستخدمة فى التعليم وطرق التدريس والكتب وعدم وجود مدارس لائقة يجعل التعليم يرجع إلى الوراء، وأنا شخصيا أعتقد أن كل فشل فى نواحى الحياة المصرية يرجع إلى النظام التعليمى السيئ الذى تسير فيه البلاد، وهل تعلم أن حصول لاعبى ولاعبات مصر فى الأوليمبياد التى انتهت قبل أيام على ثلاث ميداليات برونزية يعود فى الأساس إلى مشاكل التعليم، فلا ملاعب لإعداد أجيال البطولات ولا هناك تنمية للمهارات مما جعلنا درجة ثالثة.

■ ولماذا لم تحاول علاج المصيبة كما تقول وأنت وزير للثقافة؟

- أنا قدمت منظومة لإصلاح الثقافة، وتقوم الفكرة على التفاعل بين الوزارة وكل الوزارات والمجتمع المدنى، لكن للأسف اصطدامى بالمؤسسة الأزهرية والسلفية لم يسمح لى بإكمال هذه المنظومة التى فى تقديرى كان من الممكن لها أن تسهم فى الحد من مشاكل الثقافة وهناك نسخة مقدمة لرئيس الجمهورية ونسخة أخرى لدى الحكومة.

■ كيف ترى الأوضاع السياسية فى مصر حاليا؟

- أولا أحب أن أذكر شيئا وهو أن السلطة الدينية والتدخل الأمنى يفسدان الحياة السياسية فى مصر، فالأول كما قلنا يحاول إيجاد دور له فى هذا المجال، والثانى يتدخل فى كل شىء.. لك أن تعلم أن الأمن يختار الوزراء والمسؤولين والموظفين ويكتب التقارير لإقالة أى شخص لا يرغب فى وجوده، فى ذات الوقت لا توجد أحزاب قوية فى مصر وهى غائبة منذ عقود طويلة، وبكل صراحة الاستبداد هو السبب الرئيسى وراء عدم القدرة على بناء أحزاب قادرة على التفاعل السياسى الحقيقى، والمعارضة وكأنها البوصلة التى توضح الطريق للنظام، فنحن نحتاج إلى الديمقراطية وليس شيئا غيرها.

■ من واقع عملك وزيرا لمرتين، هل تدخل الأمن فى تعيينك وإقالتك؟

- أنا شخصيا لم يحدث معى ذلك لأن المرة الأولى تم تعيينى بواسطة الرئيس الأسبق حسنى مبارك، حيث طلب من أحمد شفيق ذلك، وقد استقلت بعد أن رأيت أن شفيق ليس على القدر المطلوب لقيادة حكومة، والثانية تم اختيارى للوزارة بواسطة الرئيس عبد الفتاح السيسى ولا أعلم كيف تم الاستغناء عنى لكن على أية حال الأمن له باع طويل فى هذه الأمور، فالاختيار لا يستند إلى معايير الكفاءة والقدرات الخاصة بينما يعتمد على معايير أمنية من الدرجة الأولى ليس للكفاءة ولا النزاهة نصيب فيها.

■ ذكرت لنا أن أحمد شفيق رئيس الحكومة فى عهد مبارك لم يكن على المستوى المطلوب خاصة فى ظل وجود انفجار شعبى.. وضح لنا ماذا تقصد؟

- أحمد شفيق جلس على مقعد رئيس الوزراء لأنه كان مقربا من مبارك وقتها، وعندما تولى أمر الحكومة لم يكن قادرا على أداء هذا الدور خاصة أن ظروف الوطن كانت من الحساسية التى تحتاج إلى شخص لديه إمكانات وقدرات خاصة يفتقدها شفيق، واستقلت من الوزارة بعد تعيينى بأيام قليلة لأننى أيقنت أن العمل لن يجدى، كما أن أنس الفقى وزير الإعلام صدمنى أثناء نقاش بيننا قائلا «دى حكومة الحزب الوطنى ومن يعمل معها لابد أن يدرك هذا جيدا»، فما كان منى إلا أن تقدمت باستقالتى بعد هذه الجملة مباشرة لأن هذا الحزب هو أساس الفساد والخراب الذى أصاب مصر منذ عقود مضت.

الدكتور جابر عصفور

■ وكيف تقرأ كفاءة القيادات الحالية سواء فى الحكومة أو مستشارى الرئيس؟

- الدوائر التى حول الرئيس ينبغى أن يعاد النظر فيها لأنه غير محظوظ بمن حوله، والمؤسسة الرئاسية من الأهمية أن تكون مليئة بالكفاءات ولكنها نادرة الوجود، كما أن الكفاءات لابد أن تتسم بالجرأة وقوة الشخصية لأن الخنوع والخوف يؤديان إلى نتائج سلبية، وأعتقد أن الرئاسة الحالية لا يقوى أحد فيها على مراجعة الرئيس ولو فى الغرف المغلقة، وهذه كارثة لأننا فى إعادة إفراز التجارب السابقة على الثورة ويمكن القياس على ذلك فى كل المواقع الهامة، ولابد من إيجاد ثقافة جديدة للتعيينات تقوم على أساس القدرات والكفاءات والنزاهة والشرف، بعيدا عن أهل الثقة التى ينتهجها الجميع والتى سببت المشاكل الكبرى لمصر، وأنا شخصيا لا يعجبنى إلا نسبة ضئيلة جدا من المسؤولين لا أتذكر منهم حاليا سوى الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء لأنه مجتهد ومخلص وأمين.

■ الفساد.. كيف تراه فى مصر؟

- نحتاج إلى هزة قوية فى المجتمع ولابد من خوض حرب حقيقية بمعنى الكلمة لأن الفساد يستشرى فى كل مكان والعصابات كثر، وهذا يتطلب الرغبة القوية والبداية وعدم الخوف لأن الخوف من الفاسدين سوف يؤدى إلى خراب البلاد، لأن الفساد «زى المصافى اللى بتصفى خيرات الشعب»، فالجميع يعلم أن الدعم لا يصل إلى مستحقيه، إضافة إلى أن هناك مسؤولين كبارا فاسدين ويسرقون مقدرات الأمة، ولابد من توفير الأجواء للقضاء عليه عن طريق تفعيل عمل المؤسسات الرقابية وتشجيع الجمهور على الإبلاغ وحمايتهم، وحساب المفسدين أمام الرأى العام بعد كشفهم.

■ هل اكتشفت فسادا أثناء توليك وزارة الثقافة؟

- طبيعى جدا أن أكتشف فسادا وقد أحلت المفسدين للنيابة بعد إيقافهم عن العمل، والغريب أنه بمجرد خروجى من الوزارة وجدت الأشخاص الفاسدين قد عادوا إلى مواقعهم كأن شيئا لم يحدث. عموما أنا أرى أن كل الأماكن حاليا مليئة بالفساد فالرشاوى والمحسوبيات والمخالفات أصبحت الصفة السائدة لدى جميع الأماكن والشعب ماشى ببركة الله، حيث لا يوجد التزام بالقوانين، والصورة أصبحت مخيفة جدا، وكنت أشعر أثناء تولى الوزارة أن الدولة خائفة من الاصطدام بعصابات الفساد.

■ من وجهة نظرك، تنظيم داعش الإرهابى من صانعه؟

- صناعة أمريكية وجاءت لتفتيت الوطن العربى وتحويله إلى دويلات صغيرة متناثرة، واستغلت الفرصة بعد الربيع العربى الذى فشل فتلقفته أيادى الدواعش أملا فى ضرب المنطقة، ولم ينج من ثورات الربيع العربى التى كانت حلما تحول إلى كابوس سوى مصر لوحدتها ووحدة جيشها الوطنى المخلص الذى يثبت دائما أنه عند حسن ظن المصريين به.

■ مشيرة خطاب ما هى نسب فوزها؟

- الدكتورة مشيرة من الشخصيات التى أقدرها وأحترمها، فهى مجتهدة كما أنها كانت تدافع عن مواقفى فى الحكومة، وفرصها موجودة ولكن بكل أمانة أرى أن فوزها صعب جدا لأن التحديات كبيرة للغاية.

■ ما رأيك فى السلطة وأنت كنت وزيرا؟

- السلطة أشبهها بالخمر إذا شربت منها كثيرا أسكرتك وأدمنتها، فلك أن تعلم أن الوزير عنده تليفون متصل بجميع الوزارات، ممكن يطلب أى شىء وتتم إجابته مباشرة، إضافة إلى أن من حوله، سواء الموظفين أو غيرهم، تجد معاملتهم معك غير عادية ما يشعرك بأنك شخص مختلف عن باقى البشر وتجد النفاق والتأليه لدرجة أنك من الممكن أن تصدق نفسك بأنك أفضل منهم، فما بالك بالرئيس الذى يحكم الـ90 مليونا ويترأس كل المؤسسات والوزارات ويقبع فوق الجميع أكيد إحساسه أضعاف ما نشعر به نحن الوزراء، وبالتالى فإنه ينتابه إحساس بأنه ليس بشرا كباقى البشر، وأن وجوده منحة إلهية للشعب ومن غيره ستكون الحياة سوداء على الناس، من كمية النفاق والخوف التى يجدها فيمن حوله. ولا تحدثنى عن رئيس لا يعجب نفسه ولا مختال بوجهة نظره وتفكيره، ولنا فى ذلك حكم وأمثال كثيرة. عموما فالسلطة مفسدة ويجب أن تكون هناك رجال قادرة على عمل إفاقة للرئيس من فترة لأخرى، حتى لا يأخذه الغرور ويسكر ويذهب إلى حيث ذهب سابقوه من الألوهية المطلقة.

■ من وجهة نظر المثقف جابر عصفور ما المشكلات التى تعتبرها تحديا لمصر؟

- الجهل والأمية والفقر والتطرف الدينى، وغياب التخطيط والعشوائية، وأهم من كل ذلك الفساد، وطبيعى أن نجد أنفسنا فى مشكلات اقتصادية ضخمة لعدم إيجاد حلول لتلك الأزمات الفائتة.

■ أين تقف مصر من الحداثة؟

- بعيدا عنها، لأن الحداثة مرتبطة بانفتاح العقل على كل ماهو جديد، ورغبة المغامرة والانطلاق لحرية التفكير والإبداع إلى أقصى مدى، وهذا ما لا نعرفه إلى الآن، حيث تحكمنا قوانين بالية لا يمكن معها النظر للحداثة.

■ بالنسبة للديمقراطية كيف ترى الدولة منها؟

- لا أظن أننا نعيش فى مجتمع ديمقراطى، والحقيقة أننا فى مجتمع بطريركى أو تراتبى يمنح القيمة للأعلى دائما، حيث الرئيس والقائد والمدير فى العمل، ولذلك نعيش فى مجتمع لا يعترف بتساوى الرؤوس فلا نعرف ثقافة الاختلاف فى أى شىء.

■ كيف ترى حقوق المرأة؟

- المرأة فى مصر تعانى التمييز، وهى مخلوق مظلوم فى هذا الوطن، وهناك نظرات سلبية لها وتحتاج إلى مساحة من الحرية والعدل فى تولى جميع الوظائف فى الدولة.