«حالة سكون شبه تام.. خيام تبدو خالية من المتظاهرين إلا قليلاً.. أبواب الميدان مفتوحة على مصراعيها دون حراسة شعبية».. هكذا بدا ميدان سعد زغلول، مقر اعتصام عدد من القوى السياسية فى الإسكندرية، فى أول أيام رمضان.
ومع إشراقة أول أيام الشهر الكريم، بدأ المعتصمون، الذين لم يتجاوز عددهم 50 معتصماً، نشاطهم بالصلاة وقراءة القرآن الكريم، بينما لجأ البعض إلى تنظيف ملابسه، وتنسيق الخيام، فيما استسلم آخرون ودخلوا فى سبات عميق، إثر الإجهاد بعد عودتهم من محاكمة أقرانهم المحبوسين حالياً على خلفية أحداث الاشتباكات التى وقعت أمام المنطقة الشمالية، وفور علمهم بتأجيل القضية، عاد الجميع إلى خيامهم، التى بدت أول النهار أكثر عدداً من المتظاهرين، واستسلم بعضهم للنوم.
فيما حاول البعض ومنهم محمد مشودى عبدالعال، صاحب الستين عاماً، كسر حرارة الجو، بالاستماع إلى الراديو، لمتابعة أحداث الاعتصام فى ميدان التحرير. ومع انتهاء صلاة العصر، وبعد أن انخفضت حرارة الشمس، بدأ الكل يسابق الزمن من أجل تحضير الإفطار لأول يوم من الشهر الكريم فى الميدان، وفى هذه الأثناء، بدأت أنباء فض اعتصام ميدان التحرير بالقوة تصل إلى المعتصمين فى الإسكندرية، فزاد الإضطراب أكثر فى المكان، وتأهب الجميع للحظة دخول الشرطة العسكرية لفض الميدان، لكنها لم تحدث.
محمد سلطان، أحد المعتصمين المستقلين، أبدى مرونة فى مغادرة الميدان بسهولة حال تحقيق تقدم ملحوظ فى محاكمة الرئيس مبارك اليوم الأربعاء، قائلاً: «لو فى حاجة اتعملت وحسينا بإيجابية فى المحاكمة ممكن نغادر الميدان وقتها»، لكنه فى نفس الوقت يعتقد أن شيئاً جديداً لن يحدث فى المحاكمة، التى يرى أن مبارك نفسه لن يحضرها من أول جلسة وسيتم تأجيلها «إلى أمد طول».
لم يقتنع سلطان بما طرحه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقيامه برفع تعويض أسر الشهداء إلى 30 ألف جنيه، كسبب كاف لإنهاء الاعتصام، «الناس اللى قاعدة هنا مش مستنية فلوس ويهمها القصاص من اللى قتل ولادهم»، هكذا برر سلطان، عدم جدوى زيادة تعويضات أسر الشهداء.
اقتربت الساعة من السابعة وأوشك المغرب على الدخول إيذاناً بانتهاء صيام أول أيام الشهر الكريم، الكل يتسابق لإعداد مائدة رمضانية للمعتصمين الذين وصل عدهم إلى 150 معتصماً مع رفع آذان المغرب، فتجمعوا أسفل لافته مكتوب عليها «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» وبدأوا فى تناول الإفطار، الذى جمعوا مكوناته بالتبرعات الذاتية، ومساعدات بعض الأسر، المتضامنة مع المعتصمين.
انتهى الإفطار وبدأ كل من فى الميدان فى حركة سريعة لتنظيفه من بقايا الأكل، وإعادته إلى سيرته الأولى، بينما أحضر عدد منهم الماء وتوضأ لتأدية صلاة المغرب فى الميدان جماعة. وسرعان ما رفع المؤذنون صلاة العشاء، حتى اصطف الميدان لأداء الصلاة، وعلى النقيض كان الوضع مختلفاً تماماً فى مسجد القائد إبراهيم، الذى يطلق عليه الثوار، رمز الثورة، أو مسجد الثورة كما تسميه بعض القوى السياسية، فساحة المسجد التى ظلت طوال اليوم خالية إلا من بعض المارة، حيث تحولت بعد الإفطار إلى ساحة مكتظة بما يزيد على 25 ألف مصل اصطفوا أمام المسجد وفى الساحات والشوارع المحيطة لأداء صلاة العشاء وقيام الليل، خلف الشيخ حاتم الواعر، كما اعتادوا سنوياً. دشن المصلون حاجزاً كبيراً فى شارع شامبليون المحيط بالمسجد، الذى خرجت منه المظاهرات فى جمعة الغضب حتى اليوم، لفصل المصليات عن الرجال، بينما طلبوا من بائعى الأعلام والشعارات مغادرة الميدان، لمنع استغلال الصلاة فى الهتافات أو رفع أى علم حتى، ولو كان علم مصر.