حضر إلى مكتبى منذ أيام صحفى أجنبى لعمل ونشر ملف كامل عنى (Profile)؛ وقد طلب أن نتقابل بمكان أحبه وأفضله بالقاهرة غير أهرامات الجيزة؟ وبدون تردد اخترت أن يكون اللقاء عند مدخل شارع المعز. وتذكرت وأنا فى طريقى إلى المكان ما قمت به أنا والفنان فاروق حسنى ومعنا قافلة من الأثريين والمرممين يحدونا هدف واحد هو أن نجعل شارع المعز أجمل شارع أثرى فى العالم كله.. وكان هناك تنافس شريف بين فريق عمل مكتب وزير الثقافة؛ وبين العاملين فى المجلس الأعلى للآثار؛ وكلنا يعمل مع فريق المقاولون العرب فى ترميم التحفة المعمارية الرائعة المعروفة بمجموعة قلاوون؛ وكذلك فى سبيل محمد على لكى يتم تحويله إلى أول متحف متخصص للنسيج فى مصر والشرق الأوسط بل والعالم كله يحكى قصة النسيج من أقدم العصور الفرعونية وحتى العصر الإسلامى والعصر الحديث؛ بالإضافة إلى ترميم البيوت الإسلامية التى لا تجد لها مثيلا بأى مدينة إسلامية أخرى مثل بيت السحيمى. لم نبخل فى الصرف على إحياء شارع المعز وتغيير البنية التحتية من صرف صحى ومياه شرب وكهرباء؛ وإضاءة متخصصة على أعلى مستوى تبرز جمال وروعة عمارة الشارع العتيق الذى تم تحويله إلى شارع للمشاة فقط ومنعنا مرور العربات بكافة أنواعها وأشكالها إلا فى أوقات معينة ولأغراض بعينها لكى لا نقضى على اقتصاديات أصحاب المحال والورش بالشارع. كانت سيارتى تقترب من الوصول إلى وجهتها بينما أنا غارق فى ذكريات الماضى القريب وتحديداً يوم الإعلان عن افتتاح شارع المعز فى حفل بسيط لكنه جعل العالم يحترمنا ويقدرنا بعد أن رأى جمال القاهرة التاريخية وعظمة تراثها وما تحتاجه من عمل مخلص لنفض التراب وسخافات قرون من الإهمال واللامبالاة بالكنوز التى تحت أيدينا.
يعود تاريخ شارع المعز إلى 1040 سنة وأقدم أثر موجود به هو جامع الحاكم بأمر الله يليه جامع الأقمر؛ وهو بصفة عامة متحف مفتوح للعمارة الإسلامية؛ إذا أحسن استغلالها وتوظيفها فإن أقل عائد منه سيكفل ترميم وإحياء القاهرة التاريخية بأكملها. وللأسف الشديد كانت صدمتى لا حد لها وأنا أرى بعينى ما حل بشارع المعز من إهمال ودمار كاد يقضى على كل ما فعلناه من قبل سنوات قليلة! أتمنى أن تصل صرختى إلى صديقى الدكتور خالد العنانى- وزير الآثار- لكى ينتقل إلى شارع المعز ويرى مدى إهمال المشرف على القاهرة التاريخية.. القمامة فى كل مكان؛ وطفح الصرف الصحى ينهش الشارع الأثرى العتيق الذى لم يتحمل هذا الإهمال الصارخ فبدأ الهبوط الأرضى يصيبه ويشكل خطورة جسيمة على المبانى الأثرية المتراصة على جانبى الشارع. لم أصدق عينى وأنا أرى واجهات مجموع قلاوون وقد علتها الأملاح والتشوهات! كانت السيارات وعربات النقل تدخل وتخرج دون رقيب.. أين هذا المشرف على القاهرة التاريخية؟ وأين التنسيق مع الأجهزة الأمنية؟ ومع المحليات؟ ومحافظة القاهرة؟ لو أن كل جهة التزمت بعملها ما كان هذا هو حال شارع المعز! بالتأكيد هناك تقصير وتهاون وفوضى؛ ولا بد من المكاشفة والمصارحة قبل أن نضيع شارع المعز وآثاره العريقة.. ملايين الجنيهات من أموال الشعب تم صرفها على آثار شارع المعز فهل نسمح لإنسان مهمل أن يضيع ما حققناه طوال سنوات ماضية؟! الخسارة هنا ليست فقط أموالا بل تراث لا يمكن تعويضه. لا بد من التخلص من المتقاعس عن أداء عمله؛ وهناك من مفتشى الآثار الإسلامية من يحتاجون إلى الفرصة لإثبات جدارتهم بإدارة وإحياء شارع المعز وآثار القاهرة التاريخية.