بيرم التونسى وصبيانه: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم! (6)

مكاوي سعيد الإثنين 29-08-2016 21:22

بدأت المعركة المستهدفة لبيرم من مجموعة الزجالين والمنحازين لأبى بثينة فى منتصف شهر إبريل عام 1945، وكان التراشق الأول بمقال فى مجلة «الراديو والبعكوكة» للشاعر مصطفى عبدالرحمن (1915- 1992)، ينتقد فيه بعض أغنيات بيرم التى تضمنتها أحداث فيلمى «برلنتى» و«المظاهر»، اللذين عُرضا فى أول العام، وتوسل الشاعر لبيرم «ألا يحارب مصر فى سمعتها وكرامتها، فهو بهذه الأغانى يجنى على مصر أكبر جناية»، ثم قدم الشاعر نماذج لهذه الأغانى التى كتبها بيرم فى الفيلمين: «نشيد بنات الجامعة»- «قول معايا واترحّم»- «أنا روميو». وينهى الشاعر مقالته باستعداء من بيدهم الأمر لإصدار أوامر عسكرية بالحبس والغرامة على مرتكبى هذه الأقوال!.

ويتكرر الهجوم على أغانى الأفلام التى صاغها بيرم فى مقال تالٍ بالمجلة نفسها، فى أول يوليو 1945، لكن هذه المرة من الشاعر فتحى قورة (1919- 1977)، الذى يستجير زاعقا بعنوان مستفز للمقال هو «الشعر الغنائى يحتضر أنقذوه من إسفاف بيرم التونسى»!. والمشكلة الحقيقية أن مقاله تناول هذه الأغنيات بالذات بالنقد والتجريح: «كل الأحبة»- «غنى لى شوى شوى»- «ليه يا بنفسج»، ومن نماذج هذا الهجوم ما ذكره عن أغنية «غنى لى شوى شوى»، التى غنتها أم كلثوم فى فيلم (سلامة: 1945).. يقول قورة «لا فض فوه»: «هذه الأغنية قد اكتنفتها العيوب من كل ناحية، سواء فى الأوزان أو القوافى أو المعانى أو الأسلوب وما يتطلبه من رقة وطلاوة، ومن الأمثلة على ذلك قوله فيها: (لأغنى وأغنى وأغنى.. وأورى الخلايق فنّى.. والإنسى يقول للجنّى.. والرايح يقول للجى)، ومفهوم أن الشطر الأول غير مستقيم مع الثانى فى البيتين، فضلا عن (وأورى الخلايق فنّى)، ولا أظن أن بينهما أيضا من يرى ما يدعو لذكر (الجنّى والإنسى) فى أغنية، ماعدا بيرم طبعا لأنه فقد الذوق كما أسلفنا!».. أما ما قاله «قورة» عن أغنية «ليه يا بنفسج» الشهيرة، غناء صالح عبدالحى، ونظم بيرم، فله العجب!، فقد قال: «كيف يصف البنفسج بأنه حزين؟ ليس هناك سبب سوى (الجليطة)، وهى كلمة عامية تعنى تدنى الذوق وتبلد المشاعر»!.

كما أفسحت المجلة أيضا فى العدد نفسه صفحاتها لمأمور بالمحكمة المختلطة بأسيوط من هواة الفن ليتهم بيرم فى مقالته بسرقة مطلع أغنية «من يوم ما عطفت عليك» فى فيلم «برلنتى» من أغنية للشاعر الراحل عبدالوهاب حلمى. ثم ساهمت هذه المجلة «الراديو والبعكوكة» فى إطالة مدى المعركة وجعلها معركة غير متكافئة، لأنها قصرت المشاركة فيها على مهاجمى بيرم التونسى فقط! وكان نصيب من يدلى بقول ينصف بيرم أو شعره أن ينال قدراً معتبراً من هجوم القائمين على المعركة فى المجلة، ومن هؤلاء شيخ الملحنين «زكريا أحمد» الذى استفزه الهجوم على صديق عمره الشاعر الفذ «بيرم» فأدلى برأى فى إحدى المجلات المنافسة قال فيه: (لقد رفعت أم كلثوم رامى إلى السماء فنزل بها إلى الأرض، واستطاع بيرم أن ينهض بها ثانية إلى السماء بكلامه الذى صار الآن على كل لسان).

وهنا هاجت المجلة على زكريا وخرجت بمقال دون توقيع حمل عنوان: «هذا كثير يا شيخ زكريا»، جاء فيه (رامى هبط بأم كلثوم.. هذا كثير يا سى الشيخ.. إذن أم كلثوم كانت فى الحضيض.. ولم يرفعها فنها وصوتها.. ورفعها بيرم.. أسامعة أنتِ يا كوكب الشرق؟.. أم أنك تُسمعين الناس ولا تسمعين؟!.. لقد أردت يا شيخ أن تمدح أم كلثوم فذممتها.. وأردت أن ترفع بيرم فمرغته فى التراب.. وقاتل الله الدبة التى حاولت طرد الذباب عن وجه صاحبها!!).

ودخلت مجلة «مرقد العنزة» اللبنانية ساحة المعركة إلى جانب الشاعر بيرم التونسى فنالها هجوم ليس أقل مما ناله زكريا أحمد فى مقال طويل مصحوب بتهديد فى ختامه يقول: (هذه كلمة نرجو أن ترد هذه العنزة عن أن تنطح، وإلا كسرنا قرونها وأعدناها إلى الزريبة!).