لم أهاجمه يوماً. كما يظنون. لم آت على ذكره بسوء. لم أنتقد نواياه كما يتهموننى. عبدالناصر مصرى وطنى. لا يحتاج إلى شهادتى أو شهادة غيرى. لم أنتقد سوى نتائج سياساته. أى أساليبه التى اتبعها للوصول إلى أهدافه.
لاشك أن عبدالناصر أعاد الاعتبار للمواطن البسيط. ليس فى مصر وحدها. إنما فى العالم العربى كله. جعله فى دائرة الاهتمام. من الحكومة. من الصحف ووسائل الإعلام. وغير ذلك. فتح الطريق أمامه للصعود فى السلم الوظيفى والتعليمى. لولا عبدالناصر لما كان زويل حصل على نوبل. فوالد زويل الرجل البسيط سائق سيارة الإسعاف فى دمنهور لم يكن يستطيع إلحاق ابنه بالجامعة لولا عبدالناصر. هذا كله صحيح ويحسب لعبدالناصر لا عليه.
لكن عبدالناصر مثله مثل أى زعيم. فى تجربة سياسية مشابهة. لم يكن الحكم عليه ممكناً. لم يكن تقييم أساليبه مباحاً ولا متاحاً. لم يكن يقدر هو على مراجعة ذاته حينها. ولم يكن الشعب الذى أحبه ليفعل ذلك. إنما بعد أكثر من نصف قرن وضحت الرؤية.
نستطيع أن نحكم على تجربتى عبدالناصر والسادات. حكماً أقرب ما يكون للدقة. لا نملك الدقة نفسها للحكم على تجربة مبارك. لم يمر الوقت الكافى لنحكم على تجربته بحيادية وإنصاف. هذا دورنا نحن الأجيال التالية. التى رأت تقلبات العصور. دورنا النظر فيما عشناه. تقييمه. تقييم نتائجه. لنعرف أين أخطأنا كأمة. أين نقاط قوتنا. ما هى نقاط ضعفنا. حتى لا نقع فى الأخطاء ذاتها مستقبلاً.
عشنا أوهاماً كبيرة فى فترة المد الثورى وشعارات التحرر القومى. كنا نعتقد أنه بعد 1952 لدينا أفضل نظام تعليمى. أفضل نظام صحى. أن لدينا أقوى جيش فى الشرق الأوسط. ثم استيقظنا على هزيمتنا فى كل المعارك. انهزمنا فى التعليم. تفشت الأمية بصورة رهيبة. هزمتنا الأمراض. تكالبت على المصريين. ثم جاءت النكسة العسكرية فى 1967. فكانت الصدمة التى حطت على العرب جميعاً بمن فيهم الزعيم نفسه. الذى لم يصدق. اكتشف أنه كان يعيش فى وهم كبير. أرجو مراجعة خطاب التنحى ليلة 9. ثم مراجعة بيان 30 مارس. الذى كان ينوى فيه مراجعة أمور كثيرة. كان يريد الإصلاح. لكنه أرجأ ذلك لحين تحرير سيناء.
عشنا الوهم الكامل. كنا نكذب صحف العالم وإذاعته. نصدق إعلامنا نحن. ثم اكتشفنا أننا نكذب على أنفسنا فقط. المصيبة أن البعض يريد تكرار التجربة. يريدون الصوت الواحد. وهذا هو المستحيل بعينه.