قضت «المصرى اليوم» ساعتين، داخل سجن مزرعة طرة، المحبوس به عدد من رموز النظام السابق، أثناء مرافقتها الوفد المشكل من لجنة الحريات فى نقابة المحامين وبعض المنظمات الحقوقية لتفقد السجن، للوقوف على حقيقة ما تردد حول تلقى السجناء المتهمين فى قضايا فساد معاملة خاصة من إدارة السجن، وتجولت الصحيفة فى مستشفى السجن، والمكان الذى يقضى فيه السجناء فترة التريض، والكافتيريا، وغيرها من الأماكن وسط إجراءات أمنية مشددة، والتقت 5 من رموز النظام السابق، وهم أسامة الشيخ، رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وعمرو عسل، رئيس هيئة التنمية الصناعية السابق، ووائل أبوالليل، ويوسف خطاب، وسعيد عبدالخالق، المتهمين فى موقعة الجمل، وحصلت الجريدة على توزيع المتهمين فى العنابر، ورفض نجلا الرئيس السابق علاء وجمال وباقى رموز النظام مقابلة أى من أفراد الوفد، كما رفضوا الخروج إلى التريض.
ويخضع السجن القابع بين أسوار يصل ارتفاعها إلى نحو 8 أمتار، تعلوها أسلاك شائكة تتخللها أبراج مزدوجة تسمح بوجود شخصين للحراسة، لإجراءات حماية وتأمين من مجموعات من القوات المسلحة، وقوات الأمن، والأمن المركزى، التى يصل قوامها إلى نحو 3 آلاف ضابط ومجند، بينهم أكثر من 150 فرداً من قوات القناصة، إلى جانب كلاب الحراسة، ورصدت «المصرى اليوم» الحالة الأمنية المشددة أمام البوابة الرئيسية للمنطقة المركزية لسجون طرة «ب»، ويرتبط سجن المزرعة فى أذهان الكثيرين بحواديت متناثرة، تصوره على أنه منتجع سياحى، ليس فقط فى الفترة الحالية، لوجود عدد كبير من رموز نظام وحكومة الرئيس السابق حسنى مبارك فيه، وإنما بسبب من سبقوهم من رجال أعمال أو مسؤولين كبار تم حبسهم بين جدرانه، ومنهم نواب القروض، وضباط الشرطة، وأعضاء التيارات الإسلامية، ورجال الأعمال، مثل هشام طلعت مصطفى، الذى كثر الحديث عن أنه يدير شركاته من «الجناح» المحبوس فيه بالسجن، وزاد الحديث عن هذه الروايات بعد حبس رجال مبارك، إلا أن ما رصدته «المصرى اليوم» يختلف تماماً عما يتصوره عدد كبير من المواطنين، وأكد مدير مستشفى سجن المزرعة أن غرفة الرعاية المركزة تحتاج إلى جهاز تنفس وتكييف وحمام، وبعض المعدات لتكون جاهزة لاستقبال «مبارك».
بدأت الجولة 12 ظهراً بوصول الوفد المكون من حافظ أبوسعدة، أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وناصر أمين، مدير المركز العربى لاستقلال القضاء، ومحمد زارع، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وأمير سالم، مدير مركز الدراسات والمعلومات لحقوق الإنسان، ونجيب جبرائيل، رئيس منظمة الاتحاد المصرى، وعدد من أعضاء لجنة الحريات فى نقابة المحامين، وعدد من الإعلاميين ومندوبى الصحف، إلى المنطقة المركزية لسجون طرة «ب»، التى تقع على طريق الأوتوستراد، التى تضم 5 سجون، ويقع الباب الرئيسى للمنطقة على بعد أمتار من تقاطع طريق الأوتوستراد مع شارع معهد أمناء الشرطة، وخلف الباب الضخم توجد 4 غرف صغيرة، إحداها على الجانب الأيمن مخصصة لأفراد الحراسة الداخلية، والأخرى لتفتيش السيدات أثناء الزيارات، وفى الجانب الأيسر غرفة لكلاب الحراسة، وأخرى لاحتجاز من يتم ضبطه بحمل ممنوعات أثناء الزيارة، وعلى بعد أمتار من البوابة توجد غرفة مساحتها (4 × 5 أمتار) وبها 3 بوابات إلكترونية تضم أحدث أجهزة الكشف عن المعادن والمفرقعات، ويتولى إدارتها 6 ضباط يؤدون مهمتهم دون النظر إلى شخصية الزائر أو وظيفته.
وبعد انتهاء إجراءات التفتيش ترك مندوب «المصرى اليوم» متعلقاته فى مظروف مثل غيره من أعضاء الوفد، ثم تحرك الوفد إلى الداخل، حيث توجد على اليمين قوات الأمن المركزى وسيارات مدرعة، وعلى الجانب الأيسر كافيتريا الزيارة على مساحة كبيرة ويتم تجميع الزائرين فيها، واصطحابهم إلى السجون المختلفة عن طريق طفطف لزيارة ذويهم، وبالسير فى الاتجاه نفسه إلى داخل المنطقة يوجد «تمركز خفيف الحركة» لقوات الأمن المركزى، عبارة عن 3 عربات بها ما يقرب من 120 مجنداً، مهمتهم التصدى لأى محاولة هجوم، وهو أول تمركز بعد البوابة، وبعده ببضعة أمتار توجد نقطة حراسة تضم كتيبة أمنية، وبعد 100 متر أخرى يوجد على اليسار تمركز مسلح خفيف الحركة ومجهز بأحدث الأجهزة، ثم مبنى المجندين المكون من 4 طوابق، تعلوه 4 فرق قناصة مجهزة وتخضع لتدريب عالٍ، وبعد 100 متر أخرى يوجد «تمركز الملاحقة»، وهو أشد قوات التأمين السابقة، ومزود بأجهزة اتصال ويمتلك أسلحة قتالية عالية الجودة، ومن مهامه ملاحقة أى هجوم لا يستطع التمركز السابق التصدى له، كما يهدف لمنع أى محاولات هروب، ويقابله مبنى الخيالة، ثم كتيبة العمليات وهى الكتيبة الأخيرة قبل الوصول إلى السجون، ويصفها اللواء محمد حمدون أبوالعلا، مساعد رئيس قطاع مصلحة السجون للعمليات، بأنها أفضل الكتائب تسليحاً وتضم 120 مجنداً مزودين بالسلاح الآلى، يليها طوف التأمين الأخير، الخاص بالخيالة، الذين يترجلون فى منطقة السجون، ثم وحدة المطافئ التى تقع أمام سجن المزرعة، وتوجد أعلاها نقطتان للقناصة.
وتبدأ منطقة السجون بسجن عنبر الزراعة المجاور لسجن المزرعة العمومى، ويوجد أمامهما تمركز أمنى خفيف الحركة مكون من 3 عربات أمن مركزى، وفى المقابل حظيرة للدواجن والنعام، تعلوها نقطتا قناصة مهمتهما تأمين المنطقة الخلفية، وخلف سجن المزرعة يوجد مبنى الدواجن الجديد وتعلوه نقطتا قناصة، وأسفله تمركز خفيف الحركة، وإلى جواره صهريج كبير للمياه، يعلوه اثنان من أمهر القناصة لكشف جميع أنحاء المنطقة والتعامل مع أى محاولات هروب، ويوجد خلف سجن المزرعة ملحق المزرعة، وإلى جواره عنبر الزراعة، وخلفه سجن شديد الحراسة «992 بطرة»، وهو السجن الذى أطلق عليه المحبوسون من التيارات الإسلامية «سجن العقرب».
وعندما وصل الوفد إلى أمام سجن المزرعة العمومى، المحبوس فيه 38 شخصاً من رموز النظام السابق، توقف قليلاً لمعرفة مدى صحة كل ما يكتب عن السجن والنزلاء، وتمكن الوفد هذه المرة من تفقد أماكن احتجاز المتهمين سواء كانوا فى عنبر التحقيق، أو عنبر المحكوم عليهم، وسجن المزرعة له باب خشبى قديم من الزان لا تتعدى مساحته 3 أمتار، وفى ضلفته اليمنى يوجد باب خشبى صغير لا يتعدى ارتفاعه 160 سنتيمتراً، وعرضه 80 سنتيمتراً، ويقع الباب فى منخفض يتم الوصول إليه عبر 6 درجات سلم، وخلف الباب توجد غرفة العقيد أحمد عبدالرازق، مأمور السجن، تقابلها غرفة نائب المأمور، وتجاور الأخيرة غرفة «التنفيذ العقابى».
وتنتهى هذه المساحة بسور من السلك الشائك به فتحة جانبية تؤدى إلى مكان الزيارة، الذى لا تزيد مساحته على 150 متراً ومحاط بسلك شائك، وبه بعض المقاعد البلاستيكية والحجرية التى بدا عليها القدم. وشاهد الوفد خلال الزيارة كلاً من أسامة الشيخ ومعه شقيقته. وقال لـ«المصرى اليوم»: نحن موجودون فى هذا السجن، وأشاهد كل رموز النظام السابق بمن فيهم علاء وجمال مبارك. وقال إنه مظلوم فى القضية المتهم فيها، وأنه يثق فى الله سبحانه وتعالى فى أن تكون البراءة من نصيبه. وطالب «الشيخ» إدارة السجون عبر «المصرى اليوم» بتمكينهم من الاتصال بذويهم، ولو مرة أسبوعيا، عن طريق تركيب كابينة اتصال.
وقال الشيخ: أنا موجود على السرير بسبب المرض، ومعى فى الغرفة كل من صفوت الشريف وزكريا عزمى وعاطف عبيد، وأشاهد جمال وعلاء مبارك يوميا أثناء فترة التريض أو الصلاة، وهما حالتهما «سيئة»، ولا يتحدثان مع أحد، وكل واحد داخل السجن مهموم بحاله، ونعانى صعوبة التواصل مع أسرنا إلا عبر الزيارات الرسمية.
وقال عمرو عسل، رئيس هيئة التنمية الصناعية، الذى تصادف وجود زيارة له مع أسرته، إنه مظلوم، ويثق فى القضاء المصرى، كما يثق فى أن الله سوف يفرج همه، مؤكدا أنه فى «كرب»، ويدعو الله جاهدا أن يقف إلى جواره، من أجل إزاحة هذا الكابوس عنه، وعن جميع المتهمين الأبرياء، لأنه لم يرتكب أى جريمة، يوضع بسببها خلف القضبان.
وقال سعيد عبدالخالق، المحامى المحبوس فى موقعة الجمل، إن جميع رموز النظام السابق موجودون فى مزرعة طرة، وإنه يريد أن يتم التريض مرة واحدة بدلا من أن يتم تحديد ميعاد معين لكل زنزانة، وطالب بأن يكون التريض مفتوحاً بدلا من ساعتين فقط. واتفق معه كل من وائل أبوالليل، ويوسف خطاب، المتهمين فى موقعة الجمل، بعد تفقد أعضاء الوفد حوش السجن والمطبخ والمقررات الغذائية التى توزع عليهم وفقا للأمراض التى يعانى منها رموز النظام السابق، كما تفقد أعضاء الوفد جميع أرجاء السجن.
وعلى يمين المبانى الخدمية يوجد عنبران للسجناء الجنائيين، أحدهما العنبر رقم 3 تحت الترميم، وأمامه ملعب كرة قدم فى نهايته المستشفى، ومن المقرر نقل مبارك إليه، وبجواره العنبر رقم 4 وإلى جوارهما مستشفى السجن الذى أنشئ 1941 فى عهد الاحتلال الإنجليزى، ويبدو قديماً للغاية رغم أن آخر تجديد طرأ عليه كان عام 2005، بحسب اللوحة الرخامية المثبتة على واجهته وتقول «إنه فى يوم 21 فبراير 2005 تحت الرعاية الحكيمة للسيد محمد حسنى مبارك، تفضل اللواء حبيب العادلى، وزير الداخلية، بتفقد تطوير مستشفى سجن ليمان طرة، ورافقه به اللواء محمود وجدى، مساعد الوزير لقطاع السجون».
ويضم المستشفى مكتب المدير الدكتور سامى مناع، ووحدة الفم والأسنان وبها 6 أسرّة، ووحدة الموجات فوق الصوتية، وعنبرين، يحتوى الأول على 10 أسرّة، والثانى 12 سريراً، ووحدة الرعاية المركزة، التى من المقرر إيداع مبارك بها حال نقله إلى المستشفى. ونجحت «المصرى اليوم» فى دخولها ويوجد بها سريران فقط، وهى غرفة تم تطويرها بعد زيارة مايو الماضى، وكانت خالية من السجناء وبها الأجهزة وتليفزيون.
وقال مدير المستشفى إنها ستكون جاهزة لاستقبال «مبارك»، حال توافر جهاز التكييف والحمام، وأجهزة الرعاية الفائقة، وأنها تتطلب توافر 4 ملايين جنيه للتطوير، وأن هناك خطة لتطويرها. وتفقد الوفد غرفة الموجات وكان يوجد بها المحكوم عليه عبدالحميد أبوعقرب للعلاج، والمتهم فى قتل اللواء الشيمى فى أسيوط، وأكد أنه فى سجن شديد الحراسة. وقال أبوعقرب: أتمنى أن يقبل النائب العام التماسه، لصدور حكمين ضده غيابيا بالإعدام، وأنه عندما سلم نفسه صدر ضده حكمان بالمؤبد، وقال إنه لم يقتل اللواء الشيمى.
وعنبر «1» للمحكوم عليهم، وهو العنبر الذى يوجد به كل من حبيب العادلى، وزهير جرانة، وأحمد المغربى، بينما يوجد هشام طلعت مصطفى، والسيد محمد عوض، أبورزق، وأيمن عبدالمنعم محمود، وعبدالحميد، فقطب عبدالخالق، وسامح محمد إبراهيم حجازى، ومحمد أحمد رجب فى عنبر واحد، بينما يوجد العادلى على يمين العنبر، وهشام فى اليسار. واطلعت الجريدة على دفاتر الزيارة والخروج إلى الصلاة، وتبين خروج كل من أحمد المغربى، والسيد محمد عوض، وزهير جرانة، وهشام طلعت، وحبيب العادلى، إلى الصلاة من عنبر المحكوم عليهم، بينما لم يخرج الباقى إلى الصلاة السبت، وأن آخر الزيارات كانت لزهير جرانة يوم 28 يوليو، كما أثبت الدفتر خروج حبيب العادلى إلى جلسة المحاكمة يوم 25 يوليو الماضى.
ووصل الوفد إلى عنبر 2 فى سجن المزرعة.. أو عنبر المشاهير الذى جهزه أعضاء الجماعة الإسلامية والإخوان المسلمين عندما كانوا محبوسين فيه، ويحتوى على 20 زنزانة، وتوجد أمامه منطقة مساحتها أكثر من 300 متر يطلق عليها المنطقة المحظورة، والحظر يعنى عدم الاقتراب، ثم أماكن مخصصة للتريض أمام كل أبواب الزنازين تتراوح مساحتها بين 50 و70 متراً لكل نزيل، وتفصل بينها سياجات من الأسلاك الشائكة، والخوص، وبها كمية كبيرة من الورود. وقال عنها الضباط إن أعضاء جماعة الإخوان هم الذين زرعوها هى وباقى الأشجار، وإلى جوار هذه المساحة يوجد مسجد السجن، ويلتقى رموز النظام السابق بداخله خلال صلاتى الظهر والعصر، وصلاة الجمعة فقط.
وفى هذا العنبر مكان يطلق عليه عنبر الملاحظة وبه كل من أحمد نظيف، وأحمد عز، وأنس الفقى، ومحمد عهدى فضلى، ويوجد فى عنبر التحقيق كل من إسماعيل الشاعر، وأحمد رمزى، وحسن عبدالرحمن وعدلى فايد، بينما يوجد فى العنبر الثانى كل من محمود لطيف، وحسن محمد عقل، وإبراهيم صالح، ومحمد طويلة، وإسماعيل كرارة، وعزت عبدالرؤوف، وإيهاب ناصف، وهانى أحمد كامل ومحمود عبدالبر، وفى العنبر رقم «3» يقيم أحمد فتحى سرور، مع إيهاب بدوى، وطلعت القواس، وأمين أباظة، وحسين مجاور، وسعيد عبدالخالق، ويوسف والى، بينما يجلس جمال وعلاء مبارك فى العنبر رقم «4»، وفى العنبر الخامس يظل أسامة الشيخ مع علاء أبوالخير وزكريا عزمى وعاطف عبيد، وعمرو عسل، ومحمد إبراهيم سليمان، وصفوت الشريف، ووائل أبوالليل، ومحمد عودة، ورجب هلال حميدة.
وقال العقيد أحمد عبدالرازق، مأمور السجن، إن التعامل مع السجناء يتم بمنتهى الحزم، وتطبق عليهم لوائح السجن. ولفت إلى أن رموز النظام السابق يخشون التوجيه، ولا يتعاملون بتعال كما يتردد، وأنهم لا يجتمعون معا.
وقال ضباط فى السجن إن كل سجين له ساعتان يسمح له فيهما بالتريض، ويتم إدخاله محبسه وإخراج مجموعة أخرى لضمان عدم التقائهم مع بعضهم البعض. وأكدوا أن رموز النظام السابق لا يشكلون أى خطورة لأنهم لا يجتمعون مع بعضهم، ولا توجد هواتف محمولة، ولا يتم الاجتماع بينهم سوى أثناء صلاة الجمعة، ولفتوا إلى أن بعضهم لا يخرج للصلاة، وجميعهم يتجنبون الاجتماع فى مكان واحد. وأكدوا أن الدكتور زكريا عزمى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق، يعانى من حالة انطواء شديدة ويرفض الحديث مع أحد، كما أن علاء وجمال مبارك لا يتحدثان مع أحد أيضا، وأحمد عز، أمين التنظيم السابق فى الحزب الوطنى المنحل، يتسبب فى حدوث حالة احتقان لكثير من السجناء، وأن لديهم حالة نفور لإحساسهم بأنه وراء تورطهم.