أعرف أننا فى مصر لانزال أسرى رياضياً للفكر الاشتراكى القديم الذى هجرته حتى البلدان التى اخترعت الاشتراكية نفسها وطبقتها وعاشتها سنين طويلة.. وأعرف أيضا أنه سيكون عبثا وإفراطا فى الخيال والتمنى أن يحاول أى أحد الالتفات للفكر الرياضى الأمريكى الذى لا نقدر عليه فى مصر بعد، أو ربما لا نريده أيضا لأنه سيلزمنا كلنا بما لا نطيقه ونتحمله من تعب وجهد وفكر وتخطيط واستقلالية ومسؤولية.. وإذا كنا كلنا نعرف الرياضة الاشتراكية لأنها المطبقة حتى الآن فى مصر.. حيث الدولة هى الأب الذى يُنفق ويلبى المطالب ويواجه الأزمات، وحيث الدولة هى الأم التى تسهر وترعى، بينما الرياضة نفسها هى الطفل الذى يرفض أن يكبر ويتحمل المسؤولية، ولا يؤرقه أو يشغله أنه لا يملك أى دخل خاص به نتاج عمله وتفكيره وتخطيطه ونجاحه.. فإنه من المناسب هنا التوقف أمام التجربة الرياضية الأمريكية التى يختصرها المشهد الأوليمبى حاليا فى دورة ريو دى جانيرو.. فمن حيث المبدأ.. لا تنفق الحكومة الأمريكية دولارا واحدا على اللجنة الأوليمبية الأمريكية..
إنما اللجنة هى المطالبة بالبحث عن رعاة وموارد مالية لها تضمن تغطية كل نفقاتها واحتياجاتها.. فالحكومة الأمريكية لا تقبل إنفاق المال العام على لاعبين محترفين أو حتى هواة ليشاركوا فى بطولات ومسابقات محلية ودولية أو أوليمبية.. يمكن فقط إنفاق بعض المال الحكومى من أجل نشاطات الرياضة الإنسانية والصحية والاجتماعية.. وتخصص اللجنة الأوليمبية الأمريكية من مواردها الذاتية جوائز مالية لأصحاب الميداليات الأوليمبية.. 25 ألف دولار للذهبية، و15 ألفا للفضية، و10 آلاف للبرونزية.. ولا تترك الحكومة الأمريكية أصحاب الميداليات ينالون هذه المكافآت دون ضرائب.. بل إن الحكومة أيضا تفرض ضريبة على كل ميدالية أوليمبية تدخل الأرض الأمريكية.. 564 دولارا على الذهبية، و305 دولارات على الفضية، ولا ضرائب على الميدالية البرونزية لأنها لا قيمة مادية لها.. وكما بدأت هذا الحديث.. أرفض أن نبقى أسرى للفكر الاشتراكى حيث الدولة هى المسؤولة عن الرياضة كلها فى الجامعات والشركات وحتى الاتحادات ومسابقات المحترفين.. وحيث يجوز لجيش الدولة وشرطتها ووزاراتها وشركاتها استخدام المال العام لتأسيس فرق رياضية.. ولا أطلب فى المقابل النموذج الأمريكى الذى يفرض ضرائب حتى على الميداليات الأوليمبية نفسها وليس فقط على جوائزها المالية..
لكن يمكن الوقوف فى منطقة وسطى بين الاثنين.. فلا تسرف الدولة فى إنفاقها إلى حد السفه أو تقتصد إلى حد فرض الضرائب.. مع إلزام اللجنة الأوليمبية المصرية وكل الاتحادات الرياضية بالبدء فى البحث عن موارد ذاتية ورعاة.. والذى لن يجد سيعلم بالضبط حجم أهميته وضرورته فيبدأ فى تعلم ترشيد إنفاقه والتقليل من فواتير مصروفاته ورحلاته.. ولابد أن يتبع ذلك فكر رياضى جديد مثلما هو الحال فى العالم كله حولنا.. فلا الفوز فى بطولة رياضية انتصار وطنى يفوق فى أهميته وضرورته حتى الانتصارات العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية.. ولا الخسارة هزيمة وطنية تستحق الكثير جدا من النواح والمرارة والصراخ.