أكد العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، أن الأردن يشكل نموذجا يقوم على التسامح والتآخي والعيش المشترك والاحترام المتبادل بين جميع مكونات الأسرة الأردنية الواحدة مسلمين ومسيحيين.
وقال العاهل الأردني، في مقابلة مع رئيس تحرير صحيفة «الدستور» الأردنية نشرت، الاثنين: «إننا لن نقبل أو نسمح للأفكار الدخيلة المتطرفة التي يحاول البعض ترويجها وتتنافى مع عقيدتنا ومبادئنا بأن يكون لها مكان في مجتمعنا».
وأضاف: «لن نسكت عن أي شخص يحاول أن يزرع الفتنة بيننا أو يسيء إلى عقيدتنا ومختلف الأديان فهو عدو كل أردني وعدو هذا الوطن ومبادئه التي بني عليها، كما أننا لن نسمح لأي كان المساس بالثوابت أو التطاول عليها وأية محاولة للاستقواء على القانون سيتم التعامل معها بكل حزم».
وردا على سؤال «إلى متى سيظل الأردن يتحمل الأعباء الكبيرة الناجمة عن استضافته للاجئين السوريين على أراضيه؟»، قال العاهل الأردني: «إن ما قدمه ويقدمه الأردن للاجئين عجزت عنه دول كبرى.. ولا يستطيع أحد المزايدة على الدور الإنساني النبيل الذي يقوم به، والكل يعرف أنه يتحمل مسؤولية غاية في الأهمية على مستوى الإقليم نيابة عن العالم أجمع، ولكننا نعيد التأكيد على أننا وبالفعل قد وصلنا إلى حدودنا القصوى في التحمل».
وأضاف «ما وصلنا من المجتمع الدولي طوال السنوات الماضية لم يتجاوز وللأسف 35% من تكاليف استضافة اللاجئين السوريين والعجز الناجم عن ذلك تتحمله المملكة، وهذه التكاليف تستنزف أكثر من ربع الموازنة، الأمر الذي زاد من المديونية وانعكس سلبا على قدرتنا على المضي قدما في تنفيذ العديد من المشاريع الاقتصادية والتنموية وتوفير فرص العمل، وتحسين واقع الخدمات المقدمة للمواطنين».
وحول مسألة إغلاق الحدود الشمالية والشمالية الشرقية، قال ملك الأردن «إن قرار اعتبار المناطق الشمالية والشمالية الشرقية مناطق عسكرية مغلقة جاء بعد تحذيرات أردنية متعددة من وجود عناصر متطرفة ضمن تجمعات اللاجئين التي تقترب من هذه الحدود، ونحن لن نسمح بأي حال من الأحوال بتشكيل مواقع لعصابة (داعش) الإرهابية أو بؤر للتهريب أو الخارجين عن القانون قرب حدودنا».
وبالنسبة للعالقين على الحدود، أشار العاهل الأردني إلى أنهم جاءوا من مناطق تنتشر وتسيطر عليها عصابة «داعش» الإرهابية والأردن على أتم الاستعداد لتسهيل عبور هؤلاء العالقين لأية دولة تبدي استعدادها لاستضافتهم.. قائلا «إننا لن نسمح لأحد بالمزايدة علينا أو ممارسة الضغوط فأمننا الوطني في مقدمة الأولويات وفوق كل الاعتبارات، ونحن ملتزمون بالتعاون مع المجتمع الدولي لإيجاد حلول مناسبة، والتي لن تكون بأي حال من الأحوال على حسابنا».
وردا على سؤال: «هل مازال الحل السياسي ممكنا في سوريا؟»، أجاب ملك الأردن: «إن الحل السياسي الشامل الذي تتمثل فيه جميع مكونات الشعب السوري وتتوافق عليه جميع الأطراف هو الوحيد لإنهاء المعاناة والحفاظ على وحدة الأراضي السورية وإطلاق الإصلاحات الواسعة التي تضمن التعددية والديمقراطية والمصالحة وعودة اللاجئين إلى بلدهم».
وتابع: «إننا نأمل أن يساعد التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا في وقف الأعمال العدائية في سوريا واستئناف المحادثات في جنيف للوصول إلى الحل السياسي الشامل، وفي غياب هذا الحل، سيتأجج الصراع الطائفي على مستوى الإقليم، وستبقى العصابات المتطرفة والإجرامية تهدد الأمن والاستقرار العالميين».
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وعما إذا كان يرى أن تحقيق حل الدولتين مازال متاحا، أجاب الملك عبدالله الثاني بأن الأردن يعتبر السند الحقيقي للشعب الفلسطيني وأن القضية الفلسطينية هي قضيته الأولى وهي مصلحة وطنية عليا وأن عدم التوصل لحل عادل وشامل لها والسماح للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالابتعاد أكثر فأكثر عن حل الدولتين هو الذي يغذي العنف والتطرف في الإقليم.
وعن الخيارات الممكنة للتعامل مع الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة على القدس ومقدساتها، قال ملك الأردن: «إننا سنستمر في القيام بمسؤولياتنا الدينية والتاريخية تجاه كامل المسجد الأقصى/الحرم الشريف الذي يتعرض لمحاولات اقتحام متكررة من قبل المتطرفين وسنواصل ومن موقعنا كصاحب الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس حماية هذه المقدسات والتصدي لأي محاولة انتهاك لقدسيتها أو المساس بها والوقوف بوجه أية اعتداءات أو محاولات للتقسيم الزماني والمكاني له».
وأضاف: «إن مسؤوليتنا تجاه المقدسات الإسلامية في القدس الشريف على رأس أولوياتنا في الساحة الدولية ونستخدم كل إمكانياتنا في الدفاع عن الأقصى الذي لا يقبل الشراكة ولا التقسيم، وقد دافعنا بنجاح لاعتماد هذا التعريف مرارا أمام الأمم المتحدة وفي اليونسكو ونحتفظ بكافة الخيارات السياسية والقانونية للتصدي للانتهاكات وحماية المقدسات».
وعن تقييمه للمشهد العراقي، قال ملك الأردن: «إننا ندعم الجهود التي تقوم بها الحكومة العراقية والشعب العراقي لمكافحة الإرهاب والقضاء على عصاباته الإجرامية ولضمان استمرار نجاح هذه الجهود فلابد من تعزيز مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي في العملية السياسية وسائر المؤسسات الوطنية وعدم تهميش أو إقصاء أي منها، لافتا إلى أن التطورات الأخيرة أظهرت مدى ضعف البيئة الحاضنة لعصابة (داعش) التي تحتمي بالمواطنين الأبرياء العزل وتحتجزهم لتحتمي بهم، ونأمل أن يكون الجهد السياسي مواكبا للجهد العسكري».
وعما إذا كان يعتقد أن الوضع ميدانيا بالنسبة للحرب على الإرهاب يقترب فعلا من مرحلة ما بعد داعش، أجاب الملك عبدالله الثاني بأن هناك تقدما ميدانيا ملموسا في تطويق «داعش» وهذه الجهود العسكرية مستمرة ويجب أن يوازيها مسار سياسي تنموي في المناطق التي عانت من فظائع «داعش»، ولابد في جميع الأحوال من منظومة فكرية سياسية اجتماعية متكاملة تحمي وتحصن مجتمعاتنا كافة من الغلو والتطرف، ولعل ذلك هو التحدي الأكبر في زمننا، حسب قوله.