x

كبير مستشارى الرئيس التركى لــ «المصري اليوم»: «اسطنبول» لا تنافس «القاهرة»

الإثنين 13-12-2010 21:08 | كتب: نشوي الحوفي |
تصوير : حسام فضل

شتان بين حديث مسؤول فى دولة حققت إنجازات حقيقية يقرها العالم ويعترف بها، وبين حديث آخر يتحدث عن إنجازات واهية لا يراها سواه. هكذا يكون شعورك وأنت تستمع لحوار أرشد هرمزلو، كبير مستشارى الرئيس التركى عبدالله جول، متحدثا عما حققته تركيا وتجربتها فى الإصلاح التى ارتكنت فى المقام الأول، كما يقول، على تغيير العقول قبل القوانين، والإصرار على بلوغ الهدف مهما كانت صعوبات القضاء على الفساد أو المحسوبية، وقبل كل ذلك اختيار الرجل المناسب فى المكان المناسب، بغض النظر عن درجة قرابته أو صلته بمسؤول من المسؤولين.


وهكذا يلخص لك الرجل فى حواره كيف بات الاقتصاد التركى السادس فى أوروبا ورقم 16 على مستوى العالم فى غضون عقد من الزمان. يحدثك عن الديمقراطية واحترام إرادة المواطن التركى، فى ذات الوقت الذى تلتزم الدولة فيه بمنحه مستوى لائقاً من الخدمات. يؤكد لك أن ما تم من تعديلات فى الدستور التركى مؤخرا لم يسع إلا لتحقيق التوازن بين قوى الدولة لرفض الأتراك تزايد نفوذ مؤسسة على حساب أخرى لأن هذا ضد الديمقرطية التى يسعون لتطبيقها. مشيرا إلى أن وضع دستور جديد للبلاد، بات هدفا مقبلا، لحماية ما تم تحقيقه ومنح الأجيال المقبلة القدرة على إكمال المسيرة التى لن تتغير بتغير الحكومات لأن تركيا دولة مؤسسات. يزداد حديث المستشار الرئاسى التركى قوة حينما يصل بك لثوابت السياسة التركية وكيف أنها ترفع تلك الثوابت على مصالحها فى بعض الأحيان، مدللا على قوله بدعم حق إيران فى تطوير برنامجها النووى لأغراض سلمية بعيدا عن أحاديث «التشنجات» - على حد قوله. الحديث مع الرجل يدفعك لسؤاله عن إمكانية تصدير البرنامج التركى فى الإصلاح لدول باتت بحاجة له، فيجيبك بقوله: «نحن نزرع حديقتنا من أجل مواطنينا، ولكن إن أراد جيراننا اقتباس ما قمنا به فتلك حريتهم وليس علينا سوى المساعدة». ينفى السيد أرشد هرمزلو وجود أجندة خفية لتركيا مؤكداً أنها لا تبحث عن أدوار فى المنطقة، بل الأدوار هى التى تبحث عنها. «المصرى اليوم» التقته فى حوار على هامش زيارته الأخيرة لمصر وكان حوار هذا نصه.


■ كبير مستشارى الرئيس التركى عبدالله جول.. ما طبيعة مهام ذلك المنصب؟


- منصب استشارى يعتمد تطبيق النصيحة أو الرؤية المستخلصة لبعض الأمور التى تتركز على علاقة تركيا بالعالم الإسلامى والشرق الأوسط، ورأيى استشارى وأحيانا يكلفنى الرئيس بنقل رسائل شخصية لعدد من زعماء المنطقة. وذلك بحكم دراستى للحقوق التى كانت فى بغداد وإجادتى للعربية التى مدت لى جسور الصداقة مع عدد كبير من الأصدقاء فى العالم العربى والشرق الأوسط، رغم عدم تفضيلى لهذا التعبير الذى لا يعبر عنا كمنطقة، لأن تركيا تتطلع لدول غرب آسيا وشمال أفريقيا التى تمثل عمقنا الجغرافى والاستراتيجى والدينى والتاريخى.


■ الحديث عن التنافس فى الأدوار بين تركيا ومصر كلام قديم يتجدد كلما اضطلعت تركيا بدور فى المنطقة، كيف تفسر ذلك؟


- تركيا ومصر دولتان مهمتان فى الشرق الأوسط، وتعاون وتكامل البلدان يخدم المنطقة كلها. نحن بلدان متجاوران ومتشاطئان على البحر الأبيض المتوسط ولذلك لدينا تطلعات مشتركة، فى مقدمتها نزع فتيل الأزمات قبل انفلاتها وهو ما يؤكد الطرفان فى البلدين عليه. وبالتالى نرفض دوما الحديث عن تنافس يميز العلاقة بين مصر وتركيا.


■ كثيرا ما تثير المواقف التركية فى عالم السياسة ابتهاج المسلمين فى العالم العربى. فهل تبحث تركيا عن دور البطولة فى عالم اليوم أم أنها مهمومة بقضاياها الداخلية؟


- لا نبحث عن الأدوار ولكن الأدوار هى من تبحث عنا، وتركيا لا تسعى للعب دور البطولة. ولكن هناك حقائق للجغرافيا والتاريخ لا يجب اهمالها ولا التغاضى عنها. فنحن جزء من هذه المنطقة ونرى أن دولها تمثل عمقنا التاريخى والاستراتيجى، وهو ما يجعل هناك مسؤوليات تحتمها حالة التجاور من دون تدخل فى سياسات أى دولة أو فرض رؤية عليها، بما فى ذلك القضية الفلسطينية التى تمثل عقدة العقد فى المنطقة العربية وتضعها تركيا فى قائمة مسؤولياتها. والدور الذى تتحدثون عنه جزء من ثوابت تركيا التى تشعر بضرورة تواصلها مع دول المنطقة وتتشاطر معها الأحداث المفرحة والحزينة فى ذات الوقت. أمر آخر يجب إضافته هو أن تركيا ليس لديها أجندات خفية على أحد، نحن واضحون لا نخفى سياسة وننفذ أخرى، وقد كان لنا أدوار فى الفترة الأخيرة أحرزت تقدما كما حدث فى المباحثات بين سوريا وإسرئيل حول الانسحاب من الجولان، وحققنا تقدما لولا الحرب على غزة التى أوقفت تلك المحادثات. وعلى أخوتنا فى المنطقة أن يستوعبوا طبيعة وحقيقة الدور التركى نحن لا نذهب لجارنا لنزرع له حديقته بل نزرع حديقتنا بالشكل الذى يرضينا كأتراك وإذا استحسن الآخرون ما نفعل فلهم حرية تجربته والاقتداء به وعلينا تقديم المساعدة.


■ ألا ترى تناقضا بين ما تتحدث عنه من اهتمام بالمنطقة العربية ومشاكلها وعلاقات تركيا مع إسرائيل فى شتى المجالات حتى العسكرى منها؟


- السياسة التركية فى هذا الاتجاه واضحة ومحددة ولا تناقض فيها، لأن علاقتنا مع دولة أو منطقة ما لا تؤثر على علاقتنا بدولة أو منطقة أخرى، لأننا نتبع سياسة تصفير المشاكل مع دول الجوار وكل دول العالم، إلا أن البعض فى المنطقة يعيش الماضى بينما تركيا تعيش المستقبل.


■ تصر تركيا على تقديم إسرائيل اعتذاراً رسمياً لما بدر منها تجاه قافلة شريان الحياة، ودفع تعويضات لضحايا الحادث. وترى إسرائيل أن اعتذارها دعم للإرهاب. كيف ترون ذلك؟


- الموقف التركى واضح واللبنة الأساسية فى هذا الموضوع هى مطالبنا التى لم تتبدل إطلاقا. وإذا كانت إسرائيل عاجزة عن الامتثال للقرارات والشرعية الدولية فهذا شأنها ويمكن أن تسمى أى عملية بأى مسميات تريدها. ولكن لدينا تسمية واحدة لما حدث، فما حدث أن هناك اعتداءً واضحاً ارتكب فى المياه الدولية ضد قافلة الحياة وسفينة مرمرة وقتل فيها 9 مواطنين أتراك. ونحن لا نترك حقوق مواطنينا كأى دولة تدرك أن أمان مواطنيها جزء من سيادتها. ولذا ستتأزم العلاقات مع إسرائيل إذا لم تتخذ مبادرة لحل تلك الإشكالية. والكرة حاليا فى الملعب الإسرائيلى.


■ فى سبتمبر الماضى جرى الاستفتاء على عدد من مواد الدستور التركى، كيف ترون تلك الخطوة. هل هى مبادرة لدخول الاتحاد الأوروبى أم محاولة للتحرر الداخلى؟


- هى خطوة للارتقاء بمستوى الشعب والمواطن التركى، بغض النظر عن الانضمام أو عدم الانضمام للاتحاد الأوروبى. لدينا رؤية ومشروع قومى للنهوض بتركيا، ونفعل كل ما يحقق تلك الخطوة. ونحن لدينا عزيمة للانضمام للاتحاد الأوروبى، بعضوية كاملة فى نفس الوقت الذى لدينا فيه الإصرار على تطبيق معايير كوبنهاجن التى تحدد شروط الانضمام للاتحاد الأوروبى، ولذا فرؤيتنا ترتبط بالوطن والمواطن.


■ طالت التعديلات القضاء والجيش التركى وفسر البعض ذلك بأنه عبر عن رغبة الأتراك فى تقليص مهام تلك الجبهتين. ما صحة ذلك؟


- القضاء والجيش مؤسستان مهمتان فى تركيا ولا يمكن المساس بتلك الحقيقة. ولكننا لا نريد طغيان نفوذ مؤسسة على غيرها من مؤسسات الدولة، لم نسع إلا لترسيخ المعايير الديمقراطية. هذا هو الهدف الأساسى الذى حاز رضا الاتراك بنسبة كبيرة، حتى من رفضوا التعديل لم يرفضوه ككل، ولكن كان الرفض خاصاً بعدد من المواد فقط، ولكن الاستفتاء تم على طريقة القائمة، وكان الاختيار أمام المواطن التركى إما أخذ التعديلات كلها أو رفضها كلها. ولذا نتوقع دستوراً جديداً لتركيا بعد الانتخابات البرلمانية لتركيا فى يونيو المقبل. ونتتطلع لأن يكون الدستور راعيا لكل مصالح المواطنين الأتراك وبشكل يخدم مصالح الأجيال التركية المقبلة. وبغض النظر عما ستسفر عنه تلك الانتخابات فقد بات ما حققناه ثوابت لن تتراجع عنها أى حكومة، ولذلك لا يهم من سيحكم من الأحزاب.


■ وما ردك على من يقولون إن تلك التعديلات لم تأت سوى للحد من سيطرة الفكر العلمانى فى المجتمع التركى لصالح الفكر الإسلامى؟


- العلمانية موجودة فى الدستور التركى لم نتنازل عنها، ولكن الإسلام عبادة شخصية تمس المواطن وعلاقته بربه. و99% من الشعب التركى مسلم، والدولة ترعى المواطن فيما يتعلق بالمستوى الذى يجب أن يعيش فيه، دون تدخل فى علاقة الإنسان بخالقه. ونحن فى تركيا اتبعنا فى العقد الأخير سياسة التركيز على تغيير نمط التفكير فى المجتمع التركى بقدر اهتمامنا بتغيير القوانين. لأن الأساس هو عقل المواطن وأسلوب تفكيره للارتقاء بالشعب التركى ككل، ليكون من حق كل مواطن أن يعتقد فيما يريد ويؤمن بما يريد ولكن فى إطار من دولة ديمقراطية ترتقى به وبمستوى الخدمات التى تقدمها له ويتمتع بها.


■ ما شكل الديمقراطية التى تنتهجها تركيا؟


- نحن ننظر لأنفسنا فى المرآة ونعلم أن لدينا نوعا من النواقص التى يجب علينا إكمالها فى مجال الديمقراطية، وأن يمارس الأفراد والمنظمات حقوقهم بكل حرية دون فوضى. ولا نرفض سوى الأجندات الخفية أو الداعمة للإرهاب.


■ تحتل تركيا المرتبة السادسة فى الاقتصاديات الأوروبية ورقم 16 على مستوى العالم. على أى أساس قام نموذج الإصلاح التركى؟


- كما قلت بتغيير نمط التفكير وحث المواطنين على تبنيه، وهو أمر ليس بالسهل، ولكن كان لابد من وضع تركيا على طريق البداية وكانت هناك عوائق وتحديات ولكننا تغلبنا عليها. على سبيل المثال الإصلاح المصرفى الذى لعب الدور الأساسى فى الإصلاح الاقتصادى التركى، وأصررنا عليه رغم متاعب الفترة الأولى، واجتزنا كثيراً من الصعوبات قبل عقد من الزمن، وهو ما جعل الاقتصاد التركى صلباً أمام الأزمة العالمية التى عصفت باقتصاديات عديدة، كذلك رفع نسبة مساهمة القطاع الخاص فى جر الحافلة الاقتصادية بشكل رفع نسبة النمو حتى بلغت 11.9% قبل الأزمة العالمية، وكنا ثانى دولة فى العالم بعد الصين، وتبلغ الآن 6%. كل هذا حدث لأن الشعب التركى آمن بهذا الموضوع وكان للقطاع الخاص النسبة الأكبر فى النمو. الأمر الثانى فى الإصلاح هو تخصيص أعلى نسبة فى الموازنة للتعليم لأننا أمنا بأن الاستثمار فى الإنسان والطاقة البشرية حجر الأساس فى التغيير، والنمو لخلق أجيال تلتزم بخطوات الإصلاح وتكملها. كذلك كان لدينا إصرار للقضاء على الفساد والمحسوبية ووضع الرجل المناسب فى المكان المناسب وكلها أمور تطور المجتمع وتدفع به للأمام ونحن على استعداد لمساعدة أى دولة فى تطبيق تلك التجربة.


■ تعرضت تركيا فى الفترة الأخيرة لعدد من الحوادث الإرهابية. هل يمكن تبرير ذلك فى إطار معارضة السياسات التركية داخليا أو خارجيا؟


- الإرهاب همُّ دولى تتعرض له تركيا ومصر والسعودية وحتى الولايات المتحدة، ولذلك نرى أن الإرهاب مرض دولى ويجب التصدى له بالإجماع، بغض النظر عن محفزات الإرهاب وتوصيف بعض الدول له وما إذا كان إرهاباً سيئاً أو جيداً. الإرهاب هو الإرهاب ويجب بتره. وقد يجوز أن تكون هناك محاولات داخلية لعرقلة الإصلاح السياسى فى تركيا، وهذا شىء متوقع من قبل جهات تعمل فى الظلام ولكننا لا نلتفت لذلك ونواصل مسيرتنا بعزم.


■ ولماذا طالبتم بغلق الحدود مع العراق؟


- مشكلتنا ليست مع العراق ولكن مع الإرهاب الذى يعانى منه العراق أيضا، ونحن نعتبر الإخوة العراقيين أقارب لنا عبر الحدود، ولدينا اتفاقات تعاون مع العراق، كما يجتمع مجلسا الوزراء فى الدولتين بشكل دورى لبحث المسائل المشتركة، وهناك مجلس للحوار المشترك أيضا، وقد تحدث رئيس الدولة عبدالله جول عن أن الحدود بين الدول فى المستقبل ستكون مجرد حدود إدارية مثل الحدود بين أنقرة وإسطنبول أو بين االقاهرة وطنطا.


■ وماذا عن رعاية تركيا وإعلانها دعم المشروع الإيرانى النووى فى المجال السلمى؟ ألم يكن فيه تحدياً للإرادة الدولية؟


- تركيا تضع ثوابتها فوق مصالحها نحن نريد شرق أوسط خالياً من الأسلحة النووية، ولكن نقر بحق دولة فى إقامة مشروع نووى يستخدم للأغراض السلمية، نحن والسعودية ودول أخرى نسعى لذلك وهذا لا يعيبنا. وما حدث مع إيران جزء من ثوابت تركيا وجزء من رؤيتنا فى عدم اللجوء لتصريحات متشنجة لا تؤدى لشىء.


■ فجرت وثائق ويكيليكس العديد من المعلومات المتعلقة بتأييد عدد من دول المنطقة لتوجيه ضربة عسكرية لإيران لإنهاء مشروعها النووى. كيف ترون ذلك؟


- لا نتمنى ذلك، فالحريق الذى يصيب جارى حتما سيؤثر على، ولذا نسعى أن تنعم المنطقة بالسلام عبر الحوار مع جميع الأطراف ورفض أى عدوان على أى دولة. وإيران عضو فى لجنة الطاقة الذرية وهناك قرار بمواصلة اجتماعاتها مع دول الغرب. ويجب الابتعاد عن أى تصريحات تشعل فتيل الأزمة فى المنطقة التى لن تتحمل المزيد من التصعيد. وأنا لا أعلق كثيرا على وثائق ويكيليكس لأنها ليست وثائق، هى آراء دبلوماسيين أمريكيين قامت على آراء شخصية، سواء من جانبهم أو من جانب أشخاص نقلوها عنهم. وتلك المعلومات تلزم من نقلها ومن حللها، ولكن السياسات بين الدول ثابتة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية