كيف يمكن لكل هؤلاء اللاجئين أن يجدوا عملا في ألمانيا؟ كثيرون منهم يتشجعون على خطوة فتح مشاريع خاصة بهم، فيصبحون أرباب عمل. يفعلون ذلك دون الحصول على قروض من البنوك، ولكن بكثير من الحماس، في طريق يواجهون فيه صعوبات.
«النشاط التجاري ميز مسار حياتنا دائما»، هذا ما تصرح به، بعزم وصرامة، هبة البصير، وهي سيدة محجبة في أواسط الأربعينيات من العمر. إنها تتحدث معتمدة في ذلك على تجربتها. في دمشق كان لها ولزوجها خالد كريمو محل تجاري ناجح لأثاث الحدائق، كما كانت لديها تصميماتها الخاصة وإنتاجها علاوة على متجر لبيع الأقواس الخشبية بالجملة.
وقبل سنتين من الآن، هرب الزوجان مع ابنهما من الحرب الدائرة في سوريا. وتمكن الزوجان من نقل سلعهما إلى ألمانيا. ومنذ بداية العام أصبح لهما متجر للأثاث في جنوب برلين، اسمه «خشبنا».
«لم نرد أن ننتظر إلى حين الحصول على عمل. كنا نود أن نشتغل. ولم يكن ذلك ممكنا دون مساعدة أصدقاء ألمان»، كما تؤكد سيدة الأعمال السورية هبة البصير. جولة عبر النظام الضرائبي في ألمانيا «خصوصا لدى اللاجئين هناك استعداد كبير لإنشاء مشاريع»، كما جاء في تقرير جديد لوزارة الاقتصاد الألمانية في شهر يوليو الماضي.
وهناك الآن برنامج يهدف إلى تبنّي الذين يودون إقامة مشاريع ومساعدتهم من طرف أرباب عمل ألمان. بعض أرباب العمل يستضيفون العديد من هؤلاء اللاجئين ويساعدونهم في إقامة مشروعاتهم، حيث إن هؤلاء في حاجة إلى مساعدة مهنية وخبرة أرباب العمل في ألمانيا، كما يصرح مايك ليونهارت، من غرفة الصناعة والتجارة في برلين، هناك مثلًا مشروع لتعريف هؤلاء اللاجئين بالنظام الضريبي في ألمانيا، حيث يقضون يومًا كاملًا للتعرف على القوانين الخاصة بذلك.
ثم إنهم يحصلون على معلومات جانبية في الإدارة ومجالات التسويق. والاهتمام بمثل هذه الدروس لدى اللاجئين كبير، ففي أربع حلقات فقط شارك أكثر من 70 شخصًا، أغلبهم سوريون.
وبما أن العديد من هؤلاء كانوا أرباب عمل في وطنهم فليس هناك حاجة لشرح كل كبيرة وصغيرة. «الأسئلة متخصصة جدًا»، كما يؤكد خبير غرفة التجارة والصناعة ليونهارت. وتتجلى المشكلة الأساسية في مدى إمكانية المتابعة التطبيقية لتلك المشاريع، ثم إن هناك طبعًا مشكلة البحث عن رأسمال، فالعديد من اللاجئين فقدوا أموالهم وأمتعتهم بسبب الحرب.
وبالنظر إلى أن اللاجئين لا يحصلون على تأشيرات الإقامة الطويلة في ألمانيا، فهم لا يحصلون إذن على قروض من البنوك. وهذه هي المشكلة التي واجهتها السيدة سلمى العمرشي، التي لم تتمكن من فتح مطعم في برلين، رغم أنها درست علم الاقتصاد وكانت تعمل في قطاع العقارات في وطنها. منذ ثلاثة أعوام وهي تدرس اللغة الألمانية، ودون مقابل تقوم بتعليمها أيضا للاجئات السوريات.
«العديد منهن أميات، وليس لهن فرصة في الحصول على عمل، غير أنهن يطبخن جيدًا»، حسبما تقول سلمى، وتضيف: «إن بإمكانهن ممارسة هذا العمل في محلها والحصول على مقابل لعملهن» حتى الآن لم تتمكن السيدة الطموح من وجود محل رخيص في برلين يصلح كمطعم. «أغلبهم يطلبون على الأقل 20 ألف يورو في البداية»، لكن لا يمكنها تقديم هذا المبلغ. وقد تكون مسرورة لو حصلت على مطعم أصغر. وإلى حين تحقيق غايتها فإنها تقوم حاليًا بخدمات طبخ للمطاعم.
مذاق طعام الوطن السوري كان حظ حسن جسري أفضل. فقد درس الإلكترونيات في دمشق وهو الآن يدير مع ثلاثة شركاء سوريين أحد المطاعم السريعة باسم «الدمشقي»، في منطقة يكثر فيها السكان العرب بجنوب برلين. كان مالك المطعم أحد الفلسطينيين الذي تخلى عن مستحقات «المفتاح التجاري».
ويضيف جسري، وهو في الثلاثين من العمر: «كل واحد منا استثمر 5000 يورو في المشروع. الآلات مستعملة وقد ساعدنا أصدقاء في تركيبها. وأغلب المستخدمين بالمطعم كانوا يعملون في دمشق في هذا المجال». ويضيف ضاحكًا: «العديد من اللاجئين السوريين يأتون إلى هنا، لأن الطعام في مأوى اللاجئين ليس لذيذًا».
يختار اللاجئون مثل هذه المشاريع الخدماتية والتجارية، التي لا تحتاج إلى رأسمال كبير. ولا توجد إحصاءات دقيقة عن جنسية رجال الأعمال الناشطين في هذه المجالات، كما يؤكد ليونهارت، الخبير في الغرفة التجارية والصناعية في برلين، ملاحظًا أن المشاركين في الحلقات التعليمية للغرفة لهم خلفيات مختلفة، فمنهم مهندسون معماريون وتقنيون في مجالات التصميم الإعلامي أيضا. حتى الآن لا توجد مكاتب استشارية كثيرة أو جادة تقدم المشورة لأرباب العمل من بين اللاجئين.
ويعتمد بعضهم على نصائح المحيطين بهم وكذلك على النصائح في الشبكات الاجتماعية والإنترنت. وهذا ليس كافيا، حيث إنهم في حاجة إلى معرفة الكثير من المجالات المرتبطة بالإدارة الألمانية وتنظيمها. تطبيقات رقمية لمواجهة البيروقراطية «هل تتحدث الألمانية؟»، إنه التعبير الذي كان يسمعه عمر الشافعي في كل الإدارات، عندما مرت ثلاثة شهور فقط على وجوده في ألمانيا، حيث إن الطلبات والاستمارات والمعلومات، كما يشتكي المتحدث، موجودة باللغة الألمانية فقط.
وأثناء ورشة عمل في مدرسة «رى دي سكول» (ReDi-School) في برلين جاءت فكرة إنشاء تطبيق رقمي اسمه Bureau-crazy وبمساعدة من لاجئين آخرين، قام عمر الشافعي بوضع برنامج لترجمة استمارات عديدة مختلفة من اللغة الألمانية إلى اللغة العربية، كما وضع خارطة تتلقى الإشارات عبر أجهزة «جي بي إس» وتتضمن الأماكن المهمة التي يحتاجها القادمون الجدد. ويبحث الفريق حاليًا عن مستثمرين لتطوير هذا التطبيق وتسويقه.
من جهته، مازال الشاب، الذي درس الإلكترونيات في بلده، متشككًا في موضوع فتح مشروع خاص به هنا في ألمانيا. في سوريا لديه محل لتجارة الكمبيوتر كما عمل مبرمجًا أيضًا، والآن قدّم بداية طلبًا للحصول على فرصة للتدريب لدى شركة سيمنس. وإلى حين حدوث تغيير في مسار حياته فإنه عازم على إكمال مشواره في مشروع التطبيق الرقمي الذي يفكر فيه كثيرًا.