x

طارق الشناوي (برقيني ولا تغديني)! طارق الشناوي الإثنين 01-08-2016 20:23


كانت الإذاعة المصرية حتى منتصف الستينيات تسمح للنساء بمساحة يومية لقراءة القرآن الكريم، ولم يكن يجرؤ أحد من شيوخنا على الاعتراض، رغم أنهم يملأون الدنيا الآن بمقولتهم المشروخة (صوت المرأة عورة حتى لو قرأت القرآن)، على العكس كان لدينا قارئات شهيرات، مثل الشيخة منيرة عبده والشيخة كريمة العدلية والشيخة نبوية النحاس، لا حظ أن المجتمع وقتها لم يكن يجبر المرأة على أن تتخفى وراء اسم ابنها البكر (أم محمد مثلا) حتى لا يتم تداول اسمها مباشرة، ولأننا دائما يحكمنا قانون الأوانى المستطرقة وجدنا أم كلثوم فى فيلم (سلامة) 1944 إخراج توجو مزراحى تسجل بصوتها آية من الذكر الكريم، وهو ما فعلته أيضا وردة بعد 20 عاما فى فيلم (ألمظ وعبده الحامولى) إخراج حلمى رفلة، وبالمناسبة لم يكن أحد يستوقفه أن المخرج الأول يهودى والثانى مسيحى، فلم تكن الديانة تشغل بال أحد، ورغم كل هذه السماحة التى عاشها المجتمع، فلقد كان من المستحيل أن يتم تعيين مذيع هواء مسيحى، وذلك طوال تاريخ الإذاعة الرسمية، حتى فى عهد جمال عبدالناصر، والحجة أن مذيع الهواء، سوف يرفع الآذان خمس مرات، فكيف يفعلها وهو مسيحى، إنها واحدة من مظاهر التفرقة، التى ربما تبدو عند البعض هامشية، إلا أن مدلولها وبقاءها حتى الآن بدون مراجعة يعنى الكثير، من مظاهر التفرقة أيضا ممنوع التحاق طالب الطب المسيحى بقسم النساء والتوليد، حتى لا يرى عورة المرأة المسلمة، رغم أن نجيب محفوظ المولود عام 1911 أخذ اسمه من الطبيب المسيحى الذى أشرف على عملية الولادة.

الدولة تحاول أن تبدو معتدلة فتسمح بمذيع برامج مسيحى وتسمح للمسيحى بالدخول إلى الأقسام الأخرى فى كلية الطب، لن تجد أبدا ورقة رسمية تمنع المسيحى من العمل فى هواء الإذاعة الرسمية أو الالتحاق بقسم النساء والولادة، ولكن العرف له قوة القانون، والدولة لا تتدخل لمواجهة هذا التمييز، فهى تلجأ دائما للحلول الوسط فى علاقتها مع كل قضايانا الكبرى، فى العديد من أوجه الحياة يصبح الوسط هو المعيار الصحيح، إلا أن اختيارنا للوسط فى مثل هذه القضايا يبدو وكأنه محاولة للهروب من أزمة كانت تتطلب قرارا حاسما، اللجوء للوسط لا يمكن أن يُصبح أسلوب حياة وعلى طريقة (لاقينى ولا تغدينى) تطبق الدولة قاعدة (برقينى ولا تغدينى).

تمنحنا اللغة أحياناً كلمات منحوتة تفرضها علينا الضرورة، نمزج فيها بين متناقضين، شىء من هذا قد تجده فى كلمة «متشائل» التى نحتها قبل نحو 30 عاماً المفكر الكبير الفلسطينى الراحل إيميل حبيبى، والتى تجمع فى مدلولها بين متناقضين التفاؤل والتشاؤم، للإجابة عن سؤال هل هو متفائل فى إيجاد حل للقضية الفلسطينية.

قبل سنوات قليلة دخلت إلى اللغة العربية كلمة أخرى يتم تداولها فى العالم كله بدون ترجمة وهى (برقينى) أو (بركينى)،إنه أحدث وصف لما يعرف بلباس البحر (المايوه) الشرعى، الذى انتشر فى بعض الشواطئ الكلمة مزج بين البرقع والبكينى.. تقرأها (البرقينى) قاف البرقع أو (البركينى) كاف البكينى، بعض الفتيات والسيدات المسلمات فى الغرب عندما يردن نزول البحر يرتدينه لأنه يغطى شعر رأسهن وجسدهن، بعض الدول الأجنبية لا تزال تتحفظ فى السماح باستخدامه، فى علاقة الدولة بالملف القبطى تنويعات عديدة على (البرقينى)!!

دعوة القيادة السياسية للقاء رأس الكنيسة وعدد من القيادات الكنسية إلى القصر الجمهورى، الرئيس لم يذهب للكنيسة حتى لا يبدو أن الدولة تخشى من فوران الاحتجاج، خاصة أن البابا صرح محذرا، بأنه لن يستطيع مجددا السيطرة على غضب أقباط المهجر، وفى نفس الوقت الدولة سياسيا تعمل ألف حساب لهذا الغضب، إلا أن السؤال هل الدولة قامت بواجبها؟ أبدا ولا الهوا، الدولة تعتقد أن البابا تواضروس لا يزال يهيمن على الشعب القبطى، بنفس القوة الروحية التى كان يتمتع بها البابا شنودة، فى الحقيقة هناك عاملان مؤثران، أولا أن البابا تواضروس ليس له الكاريزما التى كان يمتلكها البابا شنودة، ثانيا أنه فى ثورة 25 يناير كان البابا شنودة يطمئن تليفونيا على حسنى مبارك، محذرا الأقباط من النزول للشارع، بينما عمليا الأقباط أقصد بالطبع القطاع الوافر من الشباب توجهوا للميدان ولم يلتفتوا لتحذير البابا.

البابا كان ولا يزال يتلقى شكاوى من الأقباط فى مواقعهم الوظيفية المختلفة والتعليمات للمسؤولين هى تنفيذ ما يريده البابا بقدر المستطاع وهذا هو ما منحه قوة روحية على الشعب القبطى، لأنه الملجأ الأخير لهم فى شؤون الحياة، عند تعيين القيادات القبطية فى عدد من المواقع الرسمية يعتبر البابا مرجعية، ولهذا فإن لديه مساحة من الخضوع على الأقباط لأسباب يختلط فيها الدينى بالدنيوى. حتى فى تلقى الأعمال الفنية، من الممكن أن تلاحظ مثلا فى المقارنة بين فيلمى (بحب السيما) إخراج أسامة فوزى عام 2004 و(حسن ومرقص) إخراج رامى إمام 2008، فى الفيلم الأول لم يقرأ البابا شنودة السيناريو فزادت مساحات الاحتجاج ضد الفيلم التى باركتها الكنيسة، بينما فى الثانى، كان عادل إمام أكثر حصافة وعرض السيناريو مباشرة على البابا قبل التصوير، الذى رأى فقط إجراء تغيير طفيف وهو أن (مرقص) بدلا من أن يصبح رجل دين يصبح أستاذا فى علم اللاهوت، الفيلم بمقياس الحساسية التى خبرناها كان من الممكن بزاوية ما أن يثير التحفظات ولكن لأن البابا أعلن رأيه المؤيد للفيلم، فقد مر بهدوء.

ورغم ذلك فإن سياسة الدولة الحالية فى التعامل المباشر مع الكنيسة باعتبارها قوة ضغط روحية على الأقباط، لن تعود مجدية، يجب أن تتسع الدائرة للمواطن القبطى خارج جدران الكنيسة حتى يشعر بالانتماء للوطن فى الشأن العام، عندما يمارس على الأقباط اعتداء متكررا، يلتقى الرئيس بعدد منهم وليس فقط بممثلى الكنيسة.

الدولة تقف فى علاقتها بالأقباط فى تلك المنطقة الرمادية التى يملك مفتاحها البابا، وتتعامل بطريقة (برقينى ولا تغدينى)!!

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية