تشغل المستشارة «شروق»، ابنة المستشار هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركز للمحاسبات، منصب نائب رئيس الجمعية المصرية لأصدقاء الحيوان، وهى من أبرز الشخصيات المهتمة بـ«الرفق» بالحيوان، والتى ترى أن الحكومة تقوم بـ«قتل ممنهج» ضد الحيوانات الضالة، بما يسىء لسمعة مصر دولياً.
وتشير «شروق»، فى حوار خاص لـ«المصرى اليوم»، بعيداً عن السياسة والقضاء، إلى أن الحكومة تقدم نموذجا «سيئا جداً» فى التعامل مع الحيوان، مدللة على ذلك بأن خريج كليات الطب البيطرى تحول من تخفيف آلام الحيوانات لأداة فى يد الحكومة لقتل الكلاب، مشددة على أنه ليس من حق الإنسان سلب الكلاب الحق فى الحياة.
وتؤكد أن الأزهر أفتى بأن الكلب ليس «نجسا» وقتله «حرام»، وأن الحكومة تنفق ملايين الدولارات على قتل الكلاب بسموم «محرمة دوليا»، بدلاً من السيطرة على تكاثرها بالمحافظات.. وإلى نص الحوار:
■ فى البداية.. أليس مثيرا لشخصية تنتمى لعائلة قضائية الاهتمام بعالم الحيوان؟
- علاقتى بعالم الحيوان بدأت عام 2007، عندما نفذت الحكومة حملة لتسميم الكلاب وإطلاق الرصاص عليها بالشوارع، وانتشرت صور للكلاب المقتولة الغارقة فى دمائها على مختلف وسائل التواصل الاجتماعى خاصة «فيسبوك»، ومن وقتها شعرت بأن طريقة الدولة فى التعامل مع الحيوانات الضالة تكشف عن وجود مشكلة كبيرة، تتعلق بتطبيق مبادئ الرفق بالحيوان، فهى طريقة أقل ما توصف به أنها «غير علمية» مقارنة بالدول الأخرى التى تستخدم الأساليب العلمية فى السيطرة على الكلاب الضالة والحد من تكاثرها.
■ ما تقييمك لدور الدولة فى مكافحة انتشار الحيوانات الضالة؟
- «صدمت» من طريقة الدولة فى التعامل مع الحيوانات الضالة، وقضية الكلاب الضالة ليست قضية «سياسية» فقط، ولكنها إنسانية واقتصادية واجتماعية، فهى تؤثر على سمعة مصر من كل النواحى، خاصة صورتها أمام السائحين، وتتسبب فى إحجامهم عن زيارة دولة تتعامل بقسوة مع الحيوانات الضالة، وكلاب الشارع، عبر إطلاق طلقات عليها أو تسميمها، والذى يترك أثرا نفسيا سلبيا على السائحين، وعن مصر، فضلاً عن مخاطر استخدام السم فى التأثير السلبى على البيئة المصرية أو لدى الأطفال الذين يتعاملون مع الحيوانات فى الشوارع.
■ البعض يرى أن الرفق بالحيوان رفاهية.. ما رأيك؟
- الرفق بالحيوان ليس رفاهية، وأستغرب أن يقال ذلك، لأن جميع الشرائع السماوية تحضنا على الرفق بالحيوان، ولو لم يكن موضوع الرفق بالحيوان «مهما»، ما قامت الدولة بوضع الرفق بالحيوان كإحدى مواد الدستور الجديد، وهى المادة 45 التى تنص على التزام الدولة بالرفق بالحيوان، رغم أننا لم نرَ على أرض الواقع تفعيلاً لها، وهو ما يتطلب دوراً من مجلس النواب لإصدار قانون لتجريم جميع أنواع العنف ضد الحيوان.
والمادة الوحيدة التى تضمنها القانون لمواجهة انتهاكات ضد الرفق بالحيوان هى 257 من قانون العقوبات، وهى لا تصلح للتطبيق لأن العقوبات طبقاً لهذه المادة «غير رادعة»، حيث تتضمن الحبس 6 شهور أو دفع 200 جنيه كغرامة مقابل المخالفة، وكان من الأجدى إجراء تعديلات لتغليظ العقوبات حتى تكون الغرامة كافية للردع.
■ والحل؟
- نحتاج ثورة تشريعية، لتنقية القوانين المتعلقة بالرفق بالحيوان، كى تشمل جميع أنواع الإساءة أو التعذيب للحيوان، وليس الكلاب الضالة فقط، ويجب أن تمتد إلى باقى الحيوانات، وخاصة المواشى، ومواجهة الانتهاكات التى تحدث فى المجازر المخصصة لذبح الحيوانات خلال عيد الأضحى، فالثورة التشريعية تستهدف تجريم العنف ضد الحيوان، والحد من ذبحه فى الشوارع، والسيطرة على السلوكيات السلبية المتعلقة بتربية الماشية داخل المزارع، أو نقلهم من مناطق التربية إلى مجازر الذبيح، طبقا للمعايير المعنية بالرفق بالحيوان، حتى لا تتخذها الدول التى تقوم بتصدير الحيوانات ذريعة لحظر التصدير كما حدث مع أستراليا عندما اتخذت إجراءات ضد مصر بسبب انتهاكات حقوق الحيوان، فنحن نحتاج إلى مراجعة منظومة الرفق بالحيوان، لتحقيق المصالح الاجتماعية والاقتصادية.
■ ماذا عن دور رجال الدين؟
- نحتاج تفعيل دور رجال الدين، سواء لدى الأزهر أو الكنيسة للتأكيد على تطبيق مبادئ الرفق بالحيوان، لأنه روح الدين، ولوجود حالة من الجهل لدى بعض الناس، بأن كل كلب «بيهوهو» مسعور، وهذا شىء «غلط جداً»، ومن الخطأ أن يشعر المواطن أنه يجب أن يؤذى أى كلب يسير بجواره فى الشارع، وللحد من هذه الحالة يجب على الدولة أن تضع الآليات لوقف هذه الممارسات السلبية، رغم أن لدينا قصورا فى منظومة الإرشاد البيطرى والتوعية.
■ كيف يمكن مواجهة الخلافات القانونية حول مخالفات الرفق بالحيوان؟
- أستغرب موقف الدولة والجهات الرسمية، متمثلة فى الهيئة العامة للخدمات البيطرية، لأنهم يتولون عمليات تسميم الحيوانات والكلاب الضالة، بسبب تعدد شكاوى المواطنين من هذه الكلاب، طبقا للقانون 53 لسنة 1966، ولائحته التنفيذية والقرار الوزارى رقم 35 لسنة 1967، «وده شىء مش مظبوط»، لأنه يوجد نص فى الدستور بالمادة 45، وأعتقد أن الدستور هو أبوالقوانين كلها، ومن الأولى الالتزام بمواد الدستور الجديد، وليس لقوانين قديمة، وهو ما يكشف عن وجود «فوضى تشريعية» تحتاج إلى إعادة النظر فيها، وتنقيتها حتى لا تتناقض مع الدستور أو أى تشريعات جديدة، وعلى مجلس النواب أن يقوم بدوره، ويبدأ تنقية القوانين لحل مشاكل التضارب بين القوانين.
■ لكن البعض يرى تكلفة تعقيم الكلاب ضخمة؟
- لكى تتخلص الدولة من مشكلة الكلاب الضالة تلجأ لاستيراد السم بملايين الدولارات سنوياً، وهذا يعنى أن هناك ميزانية مخصصة لقتل الكلاب، فلماذا لا يتم الاستفادة منها للحد من انتشارها بالطرق العلمية؟ وهنا نطرح تساؤلاً، وهو لماذا تصر الدولة على اللجوء إلى طرق غير إنسانية، تكلف الدولة الملايين من الدولارات؟
■ وما وجهة نظرك؟
- أرى أن يتم توجيه هذه الاعتمادات لدعم جمعيات الرفق بالحيوان، العاملة فى مصر، وتوجه الأموال لعمليات «التعقيم»، باعتبارها الطريقة المثلى للتحكم فى أعداد الحيوانات الضالة والحد من تكاثرها، ولدينا نموذج عملى تطبقه «تركيا» فى هذا المجال، وأرى أنه إذا كانت الدولة ترى أهمية تغيير مسار تعاملها مع الحيوانات الضالة، فإن ذلك من شأنه أن يساعد فى حصولها على دعم مادى من المنظمات الدولية المعنية بالرفق بالحيوان لتطبيق قواعد السيطرة على الكلاب والحيوانات الضالة، لأن هذه المنظمات عندما تجد على أرض الواقع مصداقية فى إدارة ملف الرفق بالحيوان وآليات التعامل معه طبقا للاشتراطات الدولية التى تقرها أيضا الشرائع السماوية، ستسرع فى دعم هذه التوجهات التى تنعكس إيجابياً على صورة مصر، وتنشيط السياحة الوافدة إليها.
■ ما حقيقة علاقة المخلفات بانتشار الحيوانات الضالة؟
- يجب أن تقوم الدولة بحل مشكلة القمامة التى تتزايد، وتتغذى الحيوانات الضالة عليها، بدلاً من اللجوء لأيسر الأشياء وهو «القتل»، والدولة تستخدم سموما محرمة دوليا للتخلص من الكلاب الضالة، مثل «الإستركلين»، رغم أنه لم يحد من انتشار الكلاب الضالة فى الشوارع، فالحلول الحكومية لمواجهة تزايد أعداد الكلاب الضالة غير علمية، وتكلف الدولة ملايين الدولارات سنويا، والمشكلة لا تزال موجودة وتتفاقم.
■ ملف الرفق بالحيوان.. هل هو ملف إنسانى أو غربى؟
- أسباب تراجع المنطقة العربية فى موضوع الرفق بالحيوان تعود إلى وجود قدر كبير من الجهل بالقضية، ولا توجد توعية بالمدارس سواء على مستوى الطفل أو دلالات على تجنب السلوكيات الشائعة، مثل تعلم كيفية عدم إيذاء الكلاب وعدم قذفها بالطوب والحجارة، فالكلب كائن من حقه أن يعيش، لأن الله هو خالقه، مثله مثل الإنسان، وليس من حق الإسان سلب الحيوان حقه فى الحياة.
■ من المسؤول عن ذلك داخليا؟
- للأسف، دور المساجد لا يركز على نشر مبادئ الرفق بالحيوان، رغم وجود نماذج فى الدين الإسلامى تدل على ذلك، منها أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حث على الرفق بالحيوان، وكان رفيقا جدا به، وهناك نماذج كثيرة ذكرتها كتب السيرة النبوية، كالرجل الذى سقى الكلب فدخل الجنة، والسيدة التى عذبت قطة، فدخلت النار.
■ كيف يمكن مواجهة الأفكار السلبية عن علاقة الكلاب بالإنسان؟
- هناك فتوى من الأزهر تقول إن الكلب ليس نجساً، ويحرم قتله، ما كان مسالما، وهناك توجه فى الأزهر «مستنير» إلى حد ما، يرى أن قتل الكلب «حرام شرعاً».
■ وهل هناك سياسات عربية موحدة للتوعية بمبادئ الرفق؟
- هناك دول عربية سبقت مصر فى مجال الرفق بالحيوان، مثل «الكويت» فلديها قانون خاص بالرفق بالحيوان، وهناك نماذج أخرى بالمنطقة، تتعامل مع الحيوان بالقسوة، فلماذا لا نقلد النماذج الجيدة فى مجال التعامل بالرفق بالحيوان، وأتمنى أن يكون هناك سياسة عربية موحدة فيما يتعلق بقضايا الرفق بالحيوان، لكن فى ظل غيابها، فعلينا أن نبدأ بأنفسنا، حرصاً على صورة مصر أمام العالم، التى تراجعت وتأخرت فى مجال احترام مبادئ الرفق بالحيوان، ولم تشهد فى تاريخها أو أى فترة من الفترات تقدماً فى هذا الصدد.
■ ما علاقة الرفق بالحيوان بالرحمة مع الإنسان؟
- فكرة ثقافة الرفق بالحيوان هى جزء لا يتجزأ من الأخلاق، فلو أننى رحيم مع الإنسان سأكون رحيماً مع الحيوان، والرحمة لا تتجزأ، والبعض يثار ضد المهتمين بالرفق بالحيوان بداعى أننا تركنا حقوق الإنسان واستبدلنا بها حقوق الحيوان، وهو نوع من الرفاهية، فيجب أن تسير حقوق الحيوان والإنسان فى خطين متوازيين، فالرحمة بالإنسان تبدأ من الرحمة بالحيوان، وهما شيئان مرتبطان ببعضهما.
■ وماذا عن التنشئة الاجتماعية؟
- أحد أسباب عدم ثقافة الناس بالرفق بالحيوان، والممارسات السيئة، المتمثلة فى انتهاك حقوق الحيوان هو الممارسات الحكومية التى تنشر ثقافة الجهل بالرفق بالحيوان، وهو ما يحدث عندما يرى المواطن أطباء الهيئة العامة للخدمات البيطرية يقومون بدس السم للكلاب، فالحكومة باتت نموذجاً سيئاً للرفق بالحيوان.
■ لماذا تعتبرين الدولة تنتهك حقوق الحيوان؟
- الحكومة تقدم نموذجا «سيئا جداً» فى التعامل مع الحيوان، لأن الهيئة هى التى تقوم بقتل الحيوانات فى كثير من الأوقات، وبدون مبرر، رغم أن لديها الكثير من الوسائل الرحيمة التى تمكنها من حل مشكلة انتشار الكلاب الضالة، وخلال اللقاءات المتكررة من رؤساء الهيئة السابقين، لم نلمس أى تقدم عملى لحل ملف الرفق بالحيوان، وكل رئيس هيئة جديد ينفذ السياسات القديمة، بدلاً من وضع سياسات جديدة ترسخ لمبادى الرفق بالحيوان.
■ كيف؟
- للأسف، لا يوجد مسؤول يستطيع أن يستوعب وجهة نظر الجمعيات المعنية بالرفق بالحيوان، ليبدأ مشوار حل مشاكل الحيوانات الضالة والسيطرة عليها لوضع مصر أمام مكانتها المطلوبة فى احترام الرفق بالحيوان، وللأسف مجتمع المهتمين بالرفق بالحيوان لديه مشكلة فى التواصل مع المسؤولين والتعامل معهم، لأن كلا منا يفكر بطريقة مختلف فى التعامل مع الملف، والكارثة أننا اكتشفنا أن هناك محافظين، لديهم تصريحات ضد مبادئ الرفق بالحيوان، مثل ما تم ترويجه من أحد المحافظين بتصدير الحيوانات الضالة إلى الصين للحصول على الدولارات، بدلاً من وضع حلول تضمن السيطرة على تكاثرها، وهى تصريحات «غير مسؤولة» وتسىء إلى البلاد، و«تحزن جداً».
■ وما دور الطب البيطرى فى حماية الرفق بالحيوان؟
- مهنة الطب البيطرى، هى تخفيف آلام الحيوانات، وليس تسميمهم أو تعذيبهم وقتلهم، وهناك ممارسات «بشعة» تحدث داخل كليات الطب البيطرى تسىء إلى مبادئ الرفق بالحيوان وهى أبعد ما تكون عن مبادئ الرحمة أو الرفق بالحيوان، مثل التجارب العلمية على الكلاب دون تخديرها، حتى لا يشعر بالألم، ويتم إجراء العمليات الجراحية للكلاب وهى فى كامل وعيها، ومنها ما يحدث مع الحمير، والخريج يتحول من أداة لتخفيف آلام الحيوان إلى أداة فى يد الدولة، لتقتل الحيوانات دون مبرر.
■ وماذا عن العلاقة بين الجمعيات وهيئة الخدمات البيطرية؟
- دور الهيئة العامة للخدمات البيطرية يختلف عن دور الجمعيات المعنية بالرفق بالحيوان، لأننى لا أرى الاثنتين يسيران فى نفس الاتجاه، وهو ما يؤثر على وضع مصر دوليا، فالخدمات البيطرية فى واد والجمعيات فى واد آخر، ولكى نحظى بدعم دولى، أو مالى من منظمات دولية معنية بالرفق بالحيوان، يجب أن تصل المجتمع الدولى صورة عن مصر بأن الجميع يمشى فى مسار واحد، ولا بد أن تقوم الدولة بتشجيع منظمات الرفق بالحيوان لوضع خطة لتطعيم وتعقيم الحيوانات الضالة، وأن يتم تنفيذها على مراحل، وتحديد المحافظات التى يمكن البدء بها، وفى حالة نجاحها يتم تعميمها على باقى المحافظات.
■ هل ترين أن هناك انتهاكات لحقوق الحيوان فى العاصمة؟
- انتهاكات الرفق بالحيوان ليست فى القاهرة فقط، بل تمتد لتصل إلى محافظات أخرى، مثل بورسعيد والسويس والإسكندرية، حيث القتل «الممنهج» للكلاب الضالة، بأوامر مباشرة من السلطات البيطرية والمحافظة.
■ وما طريقة تعديل مسار الرفق بالحيوان من وجهة نظرك؟
- نحن فى حاجة إلى قانون شامل متكامل يجرم كل أشكال العنف ضد الحيوان، ولن يتم ذلك إلا من خلال تدخل مجلس النواب لتفعيل المادة 45 من الدستور، وعلى مستوى الأفراد يكون من خلال المساجد لمواجهة حالة الجهل، عبر التوسع فى برامج التوعية بأعمال الرفق بالحيوان، وأن يتم إدخال مبادئ الرفق فى المناهج الدراسية، لتنشئة الأجيال الجديدة على ثقافة الرفق بالحيوان، حتى نتجنب النماذج السيئة التى نراها حالياً، والتى تقف وراء الانتهاكات المتعلقة بالرفق بالحيوان، وكل شخص يستطيع أن يقوم بتغيير فى ثقافة الرفق بالحيوان، كل فى مجاله.