الناس فى هذه الدنيا أمزجة مختلفة وربما متناقضة وأحياناً تثير العجب وتفيض بالدهشة، هناك من يحبون الكلاب إلى حد العشق وهناك من يفضلون الخيل على أولادهم، وهناك من يشترون الطيور النادرة بمبالغ خيالية، وقد رأيت فى أمريكا مزاداً للكلاب ولم أصدق الأرقام التى سمعتها ثمناً لكلب الزاسى تخصص فى الحراسة، وفى إحدى ضواحى لندن رأيت كرنفالاً للكلاب اجتذب مصورى العالم وعدسات التليفزيون، وقد أتيح لى أن أشاهد سباق الهجن «الخيل» أثناء مهرجان الجنادرية فى السعودية الذى يعقد سنوياً فى الرياض، وفى كاليفورنيا مجلة مصورة شهيرة اسمها «Dogs» أى الكلاب وصفحاتها مخصصة لأخبار الكلاب «!» ونشاطاتهم وبورصة الكلاب ومقالات تعبر عن نوع غريب من الوله بالكلاب. وعلاقة الإنسان بالحصان الذى يملكه وينفق عليه يضرب بها المثل. فإذا رحل صاحب الحصان لأسباب مختلفة لحقه الحصان بعد أسابيع حزناً على تلك الصداقة النادرة التى لا يعرفها البنى آدم، والخيل تتنبأ بالزلازل وأحياناً بالرحيل المفاجئ، وكان زكى رستم الذى عاش وحيداً يخاطب كلبه ويكاد يفهمه ويعرف مشاعره من هز ذيله، وبالمناسبة فإن بعض الفنانين يؤثرون صداقة الكلاب ويعنون بها عناية خاصة ولها طبيب يعالج أمراضها. ومن أشهر الفنانات اللاتى كان لديهن كلب هند رستم وتليها نادية لطفى التى تؤوى كلب حراسة شخصياً لها ورغدة التى تعتنى بعدد من الكلاب، أما سماح أنور فتؤوى عدداً من القطط من أصول مختلفة لها ميزانية خاصة. وقد كنت أحتفظ بببغاء فى بيتى ألاعبه وألاغيه وكان يلتقط بعض الكلمات وأفاجئ بها ضيوفى فنضحك، وبعد رحيل آمال العمدة ازدادت همومى وسافرت كثيراً فلم أعد أجد وقتاً لـ«كوكو» ومات من الاكتئاب، وأذكر أنى بكيته وكتبت مقالاً أقرب إلى الرثاء وتنبهت أننا لا نعيش فى هذه الكرة الأرضية وحدنا، فهناك من السكان مثل الحيوان والنبات من يشاركنا هذه الحياة.
■ حدث فى ميلانو.
وقد حدث فى رحلة قصيرة إلى ميلانو الإيطالية ذات المليون إنسان أن كنت مدعواً على عشاء فى مطعم «الإمبراطور» الذى يملكه أنجح الشباب المصرى أمير جرجس، وحين جلست على المائدة بادرت بسؤال الجميلة رشا زوجة أمير: هل هناك فى العمارة الملاصقة شخصية إيطالية عامة؟ لقد لاحظت قبل أن أدخل إلى هنا سيارات فارهة معظمها ذات المقعدين ولعلها سيارات سباق، يهبط منها نساء فاتنات يصحبن كلاباً ضخمة الحجم ولم أفهم سر السيارات التى تصل إلى هذا المكان وتخيلت أنها «بارتى» للكلاب باعتبار أن التقاليع فى أوروبا لا تنتهى، وضحكت رشا من تصوراتى وقال أمير بجدية شديدة: جارنا هو أشهر حلاق للكلاب فى ميلانو وزبائنه يأتون من معظم عواصم العالم فجأة، أضاءت لمبات المهنة فى رأسى وأعجبتنى «اللقطة» التى قد لا تروق للقلوب الغليظة أو المتفذلكين، لكنى أردت فضولاً أن أعرف هذا العالم المثير «حلاقة الكلاب» فطلبت موعداً معه، وبالفعل حصلوا لى على موعد مع أشهر حلاق للكلاب فى إيطاليا Biagio cellamar «بياجو سيلامار».
■ فى صالون الكلاب
فى الدور الأول من عمارة بشارع رئيسى يقطعه ترام ميلانو صباح مساء يقع صالون الكلاب، وقد أدهشنى أنى لم أسمع نباحاً للكلاب التى «تحلق» بل إنها مستسلمة تماماً لمقص الحلاق الشهير ولاحظت أن الحلاق ينظر فى عين «زبائنه» من الكلاب وكأنه يأمرهم بنظرته، على الجدران صور لمناسبات وأخرى لكلاب لها ذكريات وكؤوس للمسابقات وأوتوجراف لأشهر زائريه وعلى رأسهم «جورج كلونى» الذى يسكن نفس الحى، ولم يكن الفندق الذى أسكنه بعيداً واستعنت بالصديق الوسيم «مينا نبيل» الذى يجيد الإيطالية ليتولى مهمة الترجمة بينى وبين حلاق الكلاب الشهير، وجاء من الداخل «بياجو....»، شاب مفتول العضلات والرسوم تغطى جسمه يبدو عليه الحماس لمهنته التى يمارسها بحب، وفخور بالمسابقات العالمية التى فاز فيها بالمرتبة الأولى ولديه توقيعات ساسة ونجوم سينما يعتز بها وأثناء الحلاقة لكلب وهو يقص شعره ثم يعطره «!» دار الحوار:
■ سألته: هل هناك كوافيرات للكلاب فى أوروبا؟
رد بسرعة: كوافيرات الكلاب أعدادهن فى أوروبا مساو لكوافيرات الرجال والنساء، وأنا بدأت حياتى كوافير للكلاب لأن البنى آدمين من الجنسين «مطمرش فيهم».
قلت: لماذا هذه المهنة؟
رد بضيق: هل أستطيع أن أسألك لماذا احترفت الصحافة؟ إنها مهنتى التى نجحت فيها وأعد فصولاً من كتاب تضم صفحاته تجربتى فى هذا المجال.
سألت: كم عمر هذه المهنة معك؟
قال: عشر سنوات، يأتى أصحاب الكلاب يتركون لى «كلابهم» فى يد أمينة ثم يأتون بعد اتصال تليفونى وحين يصلون يبتهجون لرؤيتهم للكلاب بعد الحلاقة وهم معطرون.
كيف تعلمت هذه المهنة؟
قال: هناك مدارس متخصصة فى المجال وقد درست فيها لعامين قبل الإمساك بمقص.
وهل المدارس المتخصصة للكلاب فقط؟
أجاب: هناك مدارس مختلفة، للكلاب مدرسة وللخيل مدرسة وللقطط مدرسة.
هل تحب الكلاب إلى هذا الحد؟
قال: لو لم أحب الكلاب ما نجحت فى مهنتى واشتهرت فى أوروبا.
هل تكره القطط؟
أجاب: الكلب يرتبط بالإنسان أما القطة فارتباطها بالمكان.
هل صادقت كلاباً؟
أجاب: أشكرك على صيغة السؤال، نعم صادقت كلاباً ولم أسمح للعلاقة أن تتعمق أكثر حتى لا أحزن بشدة.
بالمناسبة، كانت ابنتى الصحفية المذيعة تقتنى كلباً أليفاً وهى فى الرابعة عشرة وحين اختنق الكلب ومات من دخان حريق تعرضنا له ذات يوم، أضربت عن الطعام «أياما» حتى أصابها الهزال وحاولنا أن نأتى لها بكلب آخر فرفضت وكانت تجلس بالساعات ساهمة ومطرقة الرأس وأحياناً ترسم صورته وتتبع آثاره فى البيت وتخلصت من حزنها بعد فترة.
رد بياجو: أنت تصف مشاعر حزن حقيقية وأفهم سر عزوف ابنتك عن الأكل، صداقة الكلاب مدمرة إذا أحببت كلباً ومات مختنقاً.
قلت: أنا أخاف من الكلاب، جسمى يفرز مادة الخوف فيشمها وقد يهاجمنى.
أجاب: هذا حقيقى والخيل تشم رائحة من لا يحبها ولو كان فوق السرج.
سألت: كيف تروض كلباً كالوحش فى صالون حلاقتك؟
قال: أمسك به وقد أقيده ولكن لا أسبب له أذى أو ضررا حتى أقوم بالحلاقة.
هل تضربه ليمتثل لك؟
وغضب «بياجو» من سؤالى وقال: أضربه؟ من أنا حتى أضرب مخلوقاً؟!!
■ كم تتقاضى عن حلاقة الكلب؟
قال: يتوقف على حجم الكلب ويبدأ من 50 يورو «حوالى 500 جنيه مصرى».
قلت: أنا لست من الضرائب حتى تخشى ذكر أرباحك!
أجاب: أرباحى ومكسبى علاقاتى بالكلاب التى تدخل هذا الصالون وتخرج منتعشة.
سألته: هل تذهب لزبائنك من الكلاب فى بيوت أصحابها؟
غضب وقال: لا أذهب لبيت أحد ولو كان كلب بوش.
قلت: هل لك زبائن فى القاهرة؟
أجاب: فى القاهرة وفى أبوظبى ولوس أنجلوس.
قلت: من زبائنك فى مصر؟
قال: هم يتحفظون على هذه المعلومات، هم يرسلون لى تذكرة السفر والفندق ولكنهم لا يفصحون عن ذلك للإعلام، لاتزال ثقافة بلادكم لا تبيح الكلام فى هذا الموضوع مثل الغرب.
ما أطول شعر لكلب حلقت له؟
قال: أحياناً يصل إلى 70 سم كالحصان.
ماذا لو كان الكلب من النوع الألمانى المفترس؟
رد: دعنى أصحح لك، فلا يوجد كلب مفترس، صاحب الكلب هو المفترس!
كم تتقاضى عن كلب المشاهير فى الحلاقة؟
رد: خمسمائة يورو «ما يوازى خمسة آلاف جنيه»، وهى كلاب معدة خصيصاً للمسابقات وللمظهر أهمية كبيرة.
هل كلاب الحراسة تقص شعرها؟
أجاب: وكلاب الشرطة لها «قصات» خاصة.
هل للكلاب قصات خاصة؟
قال: زى البنى آدمين.
هذه الإجابة قد تضايق تشبيه الكلاب بالبنى آدمين!
أجاب: هذا تخلف، أليست هذه مخلوقات الله؟!
هل الكلاب الراغبة فى الحلاقة يحصل أصحابها على موعد مسبق؟
قال: ليس قبل أسبوعين!
كم كلباً تحلق له يومياً؟
أجاب بعد تفكير: حوالى 15 كلباً يومياً.
كيف يتعطر الكلاب بعد الحلاقة؟
قال: هناك عطر خاص اسمه «إيكونك ترو» يأتينا من كوالالمبور، وأحب أن أقول لك إن الشامبو والبلسم الذى أستخدمه للكلاب يكلف 3 أضعاف ثمن شامبو وبلسم الآدميين.
من آخر زبونة جاءتك بكلبها؟
قال: خطيبة جورج كلونى السابقة إليزابيثا كزاليس، كلبها الصغير تحفة.
ما أشهر كلب حراسة فى العالم؟
سألنى: حراسة ماذا بيت؟ أم بنك؟
قلت: حراسة بنك مثلاً؟
قال: دوبرمان للشركات والبيوت وإن كان العالم يتجه الآن لكلاب روسية تأتى من وسط آسيا تتمتع بذكاء وحاسة شم غير مسبوقة.
سألت: هل تأتى مصر؟
قال: «مرتين فى السنة ولى زبائن فى القاهرة والغردقة وأقوم بمهمة الحلاقة، فمعى حقيبة للأسفار فيها كل ما أحتاج جاهزة دائماً مع تذكرة السفر».
■ خصوصيات المهنة
سألته: هنا هناك موضة لقصة الكلاب؟
قال: ألاحظ عليك التردد فى طرح السؤال وكأنك تسألنى فى موضوعات حساسة.
قلت: ملاحظتك فى محلها، سيوجد أعمى قلب وبصيرة يشتمنى على الفيسبوك لأنى لم يلفت نظرى فى إيطاليا سوى حلاقة الكلاب والدليل أنه لا أحد يجرؤ فى مصر أو فى الرياض أو فى عمان على افتتاح محل لحلاقة الكلاب.
قاطعنى وقال: إنها ثقافة وطقوس وعادات والكلب مرتبط بالنجاسة لدى العرب، ولكن دعنى أسألك، لماذا طلبت موعداً معى؟
قلت: لأن مهنتك طريفة والطرائف والغرائب مادة شيقة فى الصحافة، تماماً مثلما أحاور امرأة عاملة فى منجم!
قال: كل إنسان «موهوب» فى مهنته متناغم معها، ينجح، لكن فى روما العاصمة لا يوجد حلاقة للكلاب ولذلك يأتون إلىَّ ومعهم كلابهم الثمينة والغالية وأضيف إليك معلومة أن الإيطاليين أكثر شعوب الأرض حباً للكلاب واقتناءً لهم وهناك محلات تخصصت فى أزياء الكلاب ومصانع تنتج أغذية للكلاب.
قلت: هل للكلب مكان للنوم فى البيت الإيطالى؟
قال: يعامل كأولاد صاحب البيت.
سألته: ما إحساسك بكلاب الشارع؟
رد بسرعة: فى حاجة للمأوى وليس للقسوة كما تفعل بعض بلدان أفريقيا.
قلت: أين تنشر قصات الكلاب الجديدة؟
قال: فى مجلة Dogs الشهرية.
قلت: هل تشترك فى مسابقات لقصات الكلاب؟
قال: أشترك فى التحكيم لهذه المسابقات.
قلت: ما إحساسك بجمعيات الرفق بالحيوان؟
قال: تؤدى دوراً محدوداً.
سألته: هل تقص شعر الكلب بمقص عادى؟
ضحك وقال: مقصات مختلفة وغالية جداً تبدأ من 800 يورو إلى 1400 للمقص.
قلت: الكلب لا يستطيع أن يطلب منك شيئاً.
قال: ولكن عندما يهز ذيله فى اتجاه معين أشعر بأنه سعيد.
سألته: من أكثر إخلاصاً لصاحبه الكلب أم الحصان؟
قال: كلاهما مخلص، الكلب يحمى صاحبه والحصان يهرب بصاحبه من الخطر.
هل الكلب أكثر إخلاصاً من المرأة؟
قال: كل أنواع الكلاب النادرة بما فيها كلاب الشارع أكثر إخلاصاً من المرأة.
- هل كلامك يستند إلى تجربة؟
ضحك وقال: ربما.
- هل لديك كلاب فى بيتك؟
أجاب: نعم، عندى 5 كلاب أناث أنا المسؤول عنها!
- هل سجلت تجاربك فى المهنة فى كتب؟
قال: نعم ومترجمة لليابانية.
- ما هذه «الدبلة» التى تعلقها فى رقبتك؟
قال: قد تجلب لى الحظ.
- هل أنت محظوظ؟
قال: الكلاب والبوم تجلب الحظ!!
قلت: بدليل أنك حاصل على «كأس العالم وكأس أوروبا وكأس إيطاليا» فى فن تصفيف شعر الكلاب.
قال: أنا أيضاً حكم دولى فى قص شعر الكلاب.
سألته: كيف ترى الكلبة «لايكا» فى بحوث الفضاء مع الرواد.
أجاب: تُحترم مثل رواد الفضاء تماماً.
قلت: أنت تستخدم كلمة «تحترم» لكلب؟
قال: ألم تلعب دوراً يخدم البشرية؟!!
شؤون وشجون الكلاب!
1- قال العقاد يوماً لامرأة جميلة: أنت أحلى من وفاء الكلاب.
2- كان كلب صالح سليم قريباً إلى قلب المايسترو حتى إنه ظهر فى فيلم «الشموع السوداء» مع نجاة.
3- أغلى الكلاب أجراً، كلاب السيرك العالمى فى روسيا.
4- الكلب هول له شهرة فى دنيا الأمن فى مصر عندما كشف غموض حوادث حيرت البوليس.
5- فى قطارات المترو فى فرنسا تطوف كمائن من الكلاب مدربة على شم الأسلحة.
6- كان لأم كلثوم كلبان من نوع البدرمان، وهجم أحدهما على الكاتب كمال الملاخ لولا شخطة أم كلثوم للكلب.
7- فى مصر حملات ضد إطلاق الرصاص على كلاب الشوارع.
8- فى نادى الجزيرة المقبرة الوحيدة للكلاب.