«الخروج أمر محسوم».. كانت افتتاحية تريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا، في أولى اجتماعاتها، الثلاثاء الماضي، مؤكدة أن بريطانيا لن تعود للخلف.
وفي الوقت الذي لم يعط فيه السياسيين على الجانبين في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أي أطر حول كيفية سير المفاوضات بعد «البريكست»، وهو المصطلح الإعلامي للخروج البريطاني، من خلال القواعد المنظمة سابقا، فإن المملكة المتحدة تعامل ضمن الكتلة الموحدة «الاتحاد الأوروبي» حتى الآن، إلا أن اتفاقيات التجارة الحرة التي أبرمتها المملكة ضمن وجودها في الاتحاد أصبحت أمرا «معقدا وشائكا».
وتواجه بريطانيا خسارة مميزات أخرى كانت ضمن كونها إحدى أعضاء الاتحاد الأوروبي، كحرية تنقل الأشخاص، وخسارة الوصول إلى سوق موحد قوامه أكثر من 500 مليون نسمة، ومن شأن الخروج أن يجعل من المملكة «دولة ثالثة» حتى الانتهاء من اتفاق كامل.
وبموجب قانون الاتحاد الأوروبي، فإنه لا يمكن التفاوض على اتفاق تجاري منفصل مع أحد من أعضائها، وبالتالي يصر الأعضاء الـ27 على أن يتم انفصال سياسي أولا، ومازال القلق يعم داخل المدينة المالية حول الأعمال التجارية التي يمكن أن تكون «كارثية» على مدار العامين المقبلين.
وقالت سيسيليا مالمستروم، المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي، في تصريحات سابقة، إن «المملكة المتحدة لا تمتلك رفاهية البدء بشروط المفاوضات التجارية مع الاتحاد الأوروبي بعد أن أثرت على الخروج»، مؤكدة أن المحادثات المفصلة لتشكيل العلاقات التجارية الجديدة مع المملكة المتحدة يجب ألا تبدأ إلا بعد عملية مغادرة سياسية، في إطار عملية المادة (50) لمدة تصل إلى عامين، وهو ما أكدته مصادر لـ«المصري اليوم»، أن مفاوضات المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي حول 12 اتفاقية تجارة حرة ستبدأ رسميا يناير 2019.
ويرى مايكل إليوت، المحلل الاقتصادي، أنه برغم تحديد المادة (50) موعد نهائي يعد عامين للانسحاب من البريطاني من الاتحاد الأوروبي، لكن المفاوضات التفصيلية المستقبلية حول العلاقات بين المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي قد تستمر سنوات أطول.
وقال جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، الثلاثاء الماضي، إنه أصبح من المهم أكثر من أي وقت مضى أن يبرم الاتحاد الأوروبي اتفاق تجارة مع الولايات المتحدة، مضيفا: أنه «من المستحيل أن تبرم بريطانيا اتفاق تجارة مع واشنطن قبل مغادرتها الاتحاد»، لكن الحكومة الجديدة لرئيسة الوزراء، تريزا ماي، لم تبت بعد في موعد بدء محادثات الخروح بشكل رسمي.
وأضاف «كيري»: أنه «سيكون من المستحيل عمليا إبرام اتفاق تجارة مع بريطانيا قبل أن تغادر الاتحاد الأوروبي».
وأكدت مصادر، في تصريحات لـ«المصري اليوم»، أن ليام فوكس، وزير التجارة الدولية، بدأ الأسبوع الماضي مفاوضات مع كندا حول الاتفاقيات التجارية، وسيسافر «فوكس» هذا الأسبوع لبدء المفاوضات مع الولايات المتحدة.
وحاولت «المصري اليوم» الدخول إلى الاجتماعات المغلقة لمجلس الوزراء خلال الاجتماعين الماضيين، لكن مازال هناك أمور غير معلنة أصر الوزراء عدم الإفصاح عنها رافضين التعليق.
وتعاني فعليا المملكة المتحدة من انخفاض في حركة التجارة بشكل عام، ومع شركائها الأوروبيين بشكل خاص، حيث انخفض إجمالي الصادرات البريطانية، في مايو الماضي، إلى 23.4 مليار إسترليني، أي بما يوازي 4.3% مقارنة بشهر إبريل الماضي، وبانخفاض قدره 9.1% مقارنة بشهر مايو 2015، كما انخفض إجمالي الواردات إلى 36.1 مليار إسترليني، أي بما يوازي 11.1%مقارنة بشهر إبريل، وبزيادة قدرها 10.2%، أي بنحو 3.3 مليار استرليني مقارنة بشهر مايو 2015، واتسعت فجوة الميزان التجاري في مايو إلى 12.7 مليار إسترليني في مايو الماضي.
وانخفضت الصادرات الألمانية، في مايو الماضي، بنحو 4.3%، لتبلغ 2.6 مليار إسترليني، مقارنة بأبريل الماضي، كما انخفضت الواردات الألمانية بنحو 2.3%، لتبلغ 5.1 مليار إسترليني.
وعلى صعيد آخر، قال فيليب هاموند، وزير المالية البريطاني، إن الضبابية بشأن الكيفية التي ستخرج بها بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد تنحصر في وقت لاحق من هذا العام عندما تتضح المواقف التفاوضية للجانبين.
وأضاف «هاموند»، في اجتماع كبار المسؤولين الماليين في اقتصاديات مجموعة العشرين، الأحد، أنه «عندما يصبح بإمكاننا توضيح نوعية الترتيبات التي نتصورها للمضي قدما مع الاتحاد الأوروبي ستبدأ الضبابية في الانحسار».
وقال وزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية في دول مجموعة العشرين، إنه «لن يكون من الصعب التغلب على تداعيات الخروج من الاتحاد الأوروبي».
وأبدت دول مجموعة العشرين الاستعداد التام لمواجهة التداعيات الاقتصادية والمالية المحتملة الناتجة عن نتائج استفتاء 23 يونيو الماضي، وقال وزراء مالية مجموعة العشرين ومحافظين البنوك المركزية: إن «الخروج البريطاني زاد من الغموض المحيط بالاقتصاد العالمي»، معربين عن آمالهم أن يروا بريطانيا شريكا مقريا للاتحاد الأوروبي».
وأثار البيان مخاوف المستثمرين، خاصة بعد اعتراف القادة بحالة الغموض الذي فرضته نتائج الاستفتاء، برغم محاولات الطمأنة المستمرة.
وأكد لاري هوينز، المحلل الاقتصادي في إيرنست ويونج، أن الخروج والتفاوض حول الاتفاقيات التاجارية القائمة لن يضر اقتصاديات جميع أعضاء دول الاتحاد الأوروبي.
وحول تجربة النرويج كشريك لسوق موحدة، قال «هوينز»: إن «اتفاقا على شاكلة النرويج يمكن أن يستغرق سنوات للتفاوض، خاصة في ظل قواعد منظمة التجارة العالمية».