من الاقتصاد الذى يواجه تحديات صعبة إلى ملف الحريات الشائك، وحتى جهود الدولة فى محاربة الفقر والعشوائيات، ثلاثة ملفات رئيسية، تذكرنا بها ثورة 23 يوليو التى انطلقت قبل أربعة وستين عاماً لتغير وجه الحياة فى مصر والمنطقة كلها.
فى هذا الملف، ترصد «المصرى اليوم» مع فارق الظروف الداخلية والإقليمية والدولية، كيف تحرك الرئيس عبدالفتاح السيسى، والرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى مواجهة الفقر والإقطاع والتحديات الاقتصادية والتعامل مع قضايا الحريات العامة وحرية الصحافة.
خرج عبدالناصر ورفاقه ليغيروا وجه مصر للأبد، فانحسر الإقطاع وظهر بقوة القطاع العام، وانتشرت الصناعات وسط خطة قادتها الدولة نحو المجتمع الصناعى، وفى عهد السيسى، أعلنت الدولة عن عشرات المشروعات القومية، من مشروع ازدواج المجرى الملاحى لقناة السويس، إلى مشاريع الإسكان الضخمة التى تحاول مواجهة العشوائيات، وصولاً إلى شبكة الطرق التى يجرى العمل فيها حالياً.
«الفقراء لهم الجنة.. طيب والفقراء دول مالهمش نصيب فى الدنيا.. نصيبهم بس فى الآخرة؟!٬ هما أيضًا عايزين نصيب صغير فى الدنيا ويدوقوا قصاده نصيب فى الجنة».. قالها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى 22 فبراير، عام 1962، حينما كان يخطب فى ميدان الجمهورية٬ احتفالا بعيد الوحدة مع سوريا.
تصريحات «عبدالناصر» هذه جاءت بعد 10 سنوات من ثورة 23 يوليو 1952، التى حملت ضمن مبادئها «القضاء على الإقطاع، وإقامة عدالة اجتماعية»، فبعد 3 أشهر من ثورة يوليو، صدر قانون «الإصلاح الزراعى» ليحدد ملكية الأرض بما لا يزيد عن 200 فدان، ففى الفترة من 1900 إلى 1952 زاد حجم الملكيات الكبيرة لصالح الإقطاعيين على حساب صغار الفلاحين.
وتقرر صرف تعويضات للملاك، وتوزيع الأراضى على صغار الفلاحين بواقع (2 إلى 5 أفدنة) على أن يسددوا ثمن هذه الأراضى على أقساط لمدة 30 عاما وبفائدة 3% سنويًا، يضاف إليها 1.5% من الثمن الكلى للأرض.
كما صدر قرار بنزع ملكية 10% من أراضى كبار الملاك، فضلا عن تحديد الحد الأقصى لملكية الفرد بواقع 100 فدان، يضاف إليها 50 فدانا لبقية الأسرة (الأولاد) للانتفاع فقط، وقدرت الأراضى التى آلت إلى «الإصلاح الزراعى»، وفق القانون بـ214.132 ألف فدان.المزيد
اتفق عدد من الكتاب والصحفيين على وجود تشابه كبير بين نظامى يونيو ويوليو فى ملف الحريات العامة، وشددوا على أن هاجس الاغتيال صنع من عبدالناصر ديكتاتورا، بينما تراجع ملف الحريات، ضمن الحرب التى يخوضها النظام الحالى فى مواجهة الإرهاب.
قال الخبير الإعلامى ياسر عبدالعزيز، إنه عند مناقشة ملف الحريات فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، يجب مراعاة أن نطاق سيادة الدولة كان أكثر اتساعًا وسياسات الدولة كانت أكثر فاعلية، مشيرًا إلى أن السياق الذى جرت فيه مثل هذه الوقائع كان يعطى للدولة صلاحيات فى مجال انتهاك حريات وحقوق الإنسان أكثر من النظام الحالى.
وأرجع عبدالعزيز السبب إلى أن المجتمع الدولى، وقتها، لم يطور آليات مساءلة أممية كافية مثل الوقت الراهن، مضيفًا أن عبدالناصر كان يمثل نظامًا ثوريًا وكانت لديه مخاوف بعضها حقيقى وآخر مصطنع من انقلابات أو اغتيالات، جعلته ديكتاتوريًا، ويقوم بأشياء تشابه ما يقوم به أردوغان الآن ضد خصومه.
ولفت إلى أن عبدالناصر لم يكن مؤمنًا بفكرة الحريات الفردية، وأن الحس الحقوقى لديه لم يكن مكتملاً واستسلم لبعض النزعات الديكتاتورية والميل إلى التعبئة والحشد وقمع التعددية.
وعن ملف الحريات فى الوقت الراهن، قال عبدالعزيز إن الرئيس السيسى لديه حس اجتماعى فيما يتعلق بالطبقات الأدنى من الفقراء ومحدودى الدخل ويبذل مجهودًا من أجلهم إلا أنه لم يظهر، حتى الآن، انحيازا مثلما فعل عبدالناصر فى العدالة الاجتماعية، مع الوضع فى الاعتبار اختلاف الظروف والوقت دوليًا وإقليميًا، موضحا أن السيسى لديه نظرة تقربه من عبدالناصر فى ملف الحريات، والتى ظهرت فى حديثه أكثر من مرة عن «حظ عبدالناصر بإعلامه».المزيد
قال سياسيون إن هناك اختلافات كبيرة بين تحرك الجيش ضد السلطة فى 1952 عما كان عليه الوضع فى 2013، مشيرين إلى أن الحالة الأولى شهدت حراكا من قبل الضباط تبعه تأييد شعبى، فى حين انحازت القوات المسلحة إلى الثورة الشعبية التى نزلت الميادين فيما يخص 30 يونيو 2013.
وشددوا على أن قيادة 52 تسلمت نظاماً اقتصادياً قوياً لم تجِد استخدامه، فى حين تسلم النظام الجديد تركة ثقيلة ناتجة عن فشل عقود مضت، مطالبين بضرورة إدراك أخطاء قيادة 52 باتباع سياسات اقتصادية قوية من شأنها تحقيق التنمية.
أكد حسام الخولى، نائب رئيس حزب الوفد، أنه فى يوليو كان هناك حديث عن الاستعمار وكان الشعب يريد أن يتخلص من التبعية وأن يحكمه المصريون لذلك حظى الانقلاب بالتأييد، لكن 30 يونيو كانت ثورة شعبية قامت بها الجماهير ولم يكن أمام القوات المسلحة خياراً آخر غير أن ينحاز إلى تلك الملايين التى ملأت الشوارع والميادين للتخلص من نظام ديكتاتورى فاشل فى مواجهة المعاناة التى تشهدها مصر منذ فترات طويلة.المزيد
يقال إنه لا نستطيع أن نُبصِر من المستقبل إلا بقدر ما نُبِصر من التاريخ.. وإن أبعد ما يمكن أن نَقرأه فى ذلك المستقبل هو بعمقِ وبُعدِ ما نقرؤه فى التاريخ.. وليس ما نَقرؤه عنه..!
وإبصار التاريخ غير سرد الماضى.. فالتاريخ هو فلسفة الماضى والحاضر.. هو الحكمة المستقاة من أحداث جرت وتجرى.. وسببيتها.. وليس الأحداث ذاتها وتسلسل حدوثها..!
ويجىء هذا المقال حلقة فى سلسلة محاولة استشراف لمستقبلنا..
محاولة تقرأ فى التاريخ ولا تسرد ماضياً..!
لا أرى حدثاً مفصلياً أولى بالقراءة والتأمل فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر ـ فى المائة سنة الأخيرة على الأقل ـ من حدث حركة الضباط الأحرار والتى أفضت إلى ثورة يوليو ١٩٥٢..
ولم لا ونحن لم نزل نحيا تبعاته حتى يومنا هذا والأهم أنه يلقى بظلاله على قادم أيامنا.. فهو ـ وبغير تزيد ـ الحدث المنشئ لتغييرات عميقة وجذرية لم تطل شكل المجتمع ونظام الحكم وفقط.. ولكن طالت نخاع الإنسانية لدى المصريين سلباً قبل إيجاباً.. وأراها قادرة على تفسير بعض مما يجرى وسيجرى فى مصر مجتمعاً ووطناً ودولة..!
ـ ١ـ الأصل..
«استأثر عثمان فأساء الأثَرة.. وجزعتم فأسأتم الجزع».. هكذا وصف علىٌّ بن أبى طالب الفتنة الكبرى التى حدثت على عهد عثمان والتى أفضت إلى مقتله وإلى فتنة مازال سيفها فى قلب العالم.. ولن أقول فى قلب المسلمين وحدهم حتى يومنا هذا..!
قالها علٌّ واصفاً استئثار عثمان ـ رضى الله عنه ـ بالسلطة.. وهو ما رأه علىٌّ إساءة أثَرَة واستبدادا.. وقالها واصفاً رفض الناسِ سلوك عثمان ـ وانتفاضهم ضده وجزعهم مما عَدُّوه ظلماً وكان بعضه ظلماً..!
كان الناس بين مُفرِّط فى حق الاحتساب على الحاكم.. وبين مُفرِط فى حنقه.. مطلق لغضبه العنان دون إدراك العواقب.. ولكنْ كلاهما ـ وكما قال علىُّ ـ أساء الجزع.. من أفرطوا حتى قتلوا عثمان.. ومن فرطوا حتى أفسدوا حكمه..!
و ليس من وصفِ يستقيم فى تاريخ مصرـ فى المائة سنة الأخيرة على الأقل ـ أدق من كون حُلمها وقدَرها تائهين.. بين «مُستأثرٍ يسىء الأثرة».. غِلظة أو استبداداً.. وبين «جازعٍ يسىء الجزع».. تفريطاً أو إفراطاً..!المزيد