«الفقراء لهم الجنة.. طيب والفقراء دول مالهمش نصيب فى الدنيا.. نصيبهم بس فى الآخرة؟!٬ هما أيضًا عايزين نصيب صغير فى الدنيا ويدوقوا قصاده نصيب فى الجنة».. قالها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى 22 فبراير، عام 1962، حينما كان يخطب فى ميدان الجمهورية٬ احتفالا بعيد الوحدة مع سوريا.
تصريحات «عبدالناصر» هذه جاءت بعد 10 سنوات من ثورة 23 يوليو 1952، التى حملت ضمن مبادئها «القضاء على الإقطاع، وإقامة عدالة اجتماعية»، فبعد 3 أشهر من ثورة يوليو، صدر قانون «الإصلاح الزراعى» ليحدد ملكية الأرض بما لا يزيد عن 200 فدان، ففى الفترة من 1900 إلى 1952 زاد حجم الملكيات الكبيرة لصالح الإقطاعيين على حساب صغار الفلاحين.
وتقرر صرف تعويضات للملاك، وتوزيع الأراضى على صغار الفلاحين بواقع (2 إلى 5 أفدنة) على أن يسددوا ثمن هذه الأراضى على أقساط لمدة 30 عاما وبفائدة 3% سنويًا، يضاف إليها 1.5% من الثمن الكلى للأرض.
كما صدر قرار بنزع ملكية 10% من أراضى كبار الملاك، فضلا عن تحديد الحد الأقصى لملكية الفرد بواقع 100 فدان، يضاف إليها 50 فدانا لبقية الأسرة (الأولاد) للانتفاع فقط، وقدرت الأراضى التى آلت إلى «الإصلاح الزراعى»، وفق القانون بـ214.132 ألف فدان.
وحسب إحصاءات رسمية، فإنه حتى 1969 تم توزيع 989.184 ألف فدان على 325.670 ألف أسرة من الفلاحين، منها 775.018 ألف فدان بقوانين الإصلاح الزراعى.
ومن المحلة الكبرى، أطلق عبدالناصر خطة التنمية الثانية فى عيد العمال 1 مايو 1966، واعتبر أن متوسط دخل العمال فى مصر ارتفع فى عهده: «أنا أذكر سنة ٥٩ كانت الأجور لـ١٨ ألف عامل ٤.٩٠٠.٠٠٠ جنيه، النهارده (سنة 1966) باسأل على الأجور لـ22 ألف عامل فى هذه الصناعة وصلت من ٤.٩٠٠.٠٠٠ إلى ٦.٥٠٠.٠٠٠ ده يبين أد إيه زاد متوسط الدخل للعامل وأد إيه زاد متوسط الدخل للفرد».
وواكب ذلك صدور قوانين جديدة لرفع أجور العمال وتحديد نسبة لهم من الأرباح، ومشاركتهم فى الإدارة.
ويشير تقرير للبنك الدولى صدر فى 5 يناير 1976، إلى أن مصر استطاعت عبر تلك الإجراءات الاشتراكية تحقيق نسبة نمو من عام 1957 – 1967 بلغت ما يقرب من 7% سنويا، فضلا عن انخفاض نسبة الأمية من 80% إلى 50%.
كما تم الاهتمام بالمنظومة الصحية، وانخفضت نسبة الوفيات، وهو ما أرجع إليه عبدالناصر سبب الزيادة السكانية (34 مليون نسمة وقتها)، داعيا المواطنين إلى تحديد النسل.
كما زاد عدد الملتحقين بالتعليم الجامعى، فقبل 1952 أعلن الأديب طه حسين، وزير المعارف وقتها، مجانية التعليم «الابتدائى والثانوى»، ليأتى قرار عبدالناصر ملبيًا لآمال المصريين فى إكمال تعليمهم، حينما أعلن فى خطابه فى يوليو 1962 مجانية التعليم العالى، ليظهر انحيازًا اجتماعيًا جديدًا لقطاعات عريضة لم تحظ بذلك بفرص متكافئة فى التعلم. وفى 1961، أنشأ عبدالناصر هيئة السلع التموينية، لتوفير الاحتياجات اليومية للمواطنين، سواء من الأسواق الداخلية أو بالاستيراد، ووعد المصريين فى إعلانه لخطة التنمية الثانية فى 1966 بأن تكون مدتها 7 سنوات و«ليس 5 سنين ونبحبح على نفسنا شوية فى الضروريات، وبرضه ما بقولش فى الكماليات»، فى معرض تعليقه على غضب المواطنين من ارتفاع الأسعار.
وبعد مرور نحو 64 عامًا، كان الرئيس عبدالفتاح السيسى يقف وخلف ظهره لافتة حملت عبارة «2016 عام الشباب المصري»، يخاطب المصريين بنبرة غاضبة من بعض وسائل الإعلام، التى تقدم المصريين بصورة لا يرضى عنها، قائلًا: «بيعايرونا بفقرنا بس أنا مش هسكت».
وبادرت رئاسة الجمهورية بالحديث عن «إنجازات السيسي» عقب مرور عامين على حكمه، محددة 8 محاور كان من بينها محور بعنوان «توفير الحماية والرعاية الاجتماعية»، الذى أشار إلى مشروع تكافل كرامة، الذى نفذته وزارة التضامن الاجتماعى تحت شعار «مصر بلا عوز» بهدف محاصرة مشكلة الفقر.
ووفقا لبيانات رئاسة الجمهورية فقد تقدمت مليون و301 ألف و720 أسرة للتسجيل فى «تكافل وكرامة»، فيما صرحت غادة والى، وزيرة التضامن الاجتماعى، بأن وزارة المالية رفعت قيمة المخصص للبرنامج بناء على توصية بمجلس النواب لتصل إلى حوالى 4 مليارات جنيه.
وتقول الوزيرة إن البرنامج وصل فى عامه الأول إلى مليون و200 ألف أسرة تقدمت بتسجيل طلباتها وتم فحصها وكانت نسبة الاستحقاق 53.5٪ لعدد 706 آلاف أسرة فى 10 محافظات بالوجه القبلى تمثل 3.2 مليون مواطن، موضحة أنه نظرا لجودة وكفاءة تطبيق البرنامج تم اختياره ضمن أفضل 4 مشروعات للبنك الدولى على مستوى العالم.
وتُقدر الدفعة الأولى من البنك الدولى للمرحلة الأولى من المشروع بـ131 مليون دولار، وتم تسليمها إلى مصر فى نوفمبر 2015، وشملت دعم 10 محافظات كان معظمها فى الصعيد، فيما تشير الرئاسة إلى أن عدد المستفيدين بالبرنامج 3 ملايين و230 ألفًا و797 فردًا.
كما انصب اهتمام السيسى، الذى تولى زمام البلاد عقب نجاحه فى الانتخابات الرئاسية بعد ثورة 30 يونيو، على مواجهة ارتفاع الأسعار وتذبذب قيمة الدولار، التى تجاوزت 10 جنيهات فى السوق السوداء، وكلف القوات المسلحة والحكومة فى أحد خطاباته بالعمل على حساب فرق الأسعار لتلافى الآثار السلبية للتضخم. وقال السيسى فى خطابه بمناسبة مرور 34 عامًا على تحرير سيناء: «بطمن كل الناس البسطاء منتبهين أوى لكم، وعارفين إنكم بتعانوا ومش هنسيبكم تعانوا»، فيما استجابت الحكومة لأمره ووافقت على تخصيص مبلغ 2.4 مليار جنيه، لزيادة مخصصات الدعم على بطاقات التموين لكل فرد، بنسبة تصل إلى 20% من حجم الدعم المقدم لكل فرد والبالغ نحو 15 جنيهًا، بداية من 1 يونيو 2016 بالتزامن مع بداية شهر رمضان، آنذاك. كما ساهمت القوات المسلحة فى دعم تكليفات السيسى من خلال سياراتها المحملة باللحوم والخضروات والدواجن والفواكه والأسماك وغيرها من السلع الغذائية لتقديمها إلى الشعب بأسعار مناسبة، بالتزامن مع قوافل وزارة التموين، التى سكنت أنحاء عدة بمصر رافعة شعار «كون وجبتك» من خلال فروع المجمعات الاستهلاكية، التى تطرح وجبات لعدد 4 أفراد بقيمة 30 جنيهًا تتضمن بروتينات ونشويات وخضارا وصلصة ومسلى وفاكهة. ويهدف السيسى إلى تنفيذ المشروع القومى للإسكان الاجتماعى، الذى تبلغ قيمته 185 مليار جنيه، وكان آخرها مشروع الأسمرات فى حى المقطم، فضلًا عن تبنيه حملة للقضاء على «فيروس سى» من خلال توسيع دور مؤسسات المجتمع المدنى بإطلاق صندوق «تحيا مصر» استراتيجية سريعة لتنفيذ برنامج المكافحة والعلاج بالتنسيق مع وزارة الصحة والسكان، فضلًا عن علاج كل الشباب المصابين بالفيروس، ممن يتقدمون للتجنيد، على نفقة القوات المسلحة.
ويرى الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أنه «لا توجد أمور مشتركة تجمع الرئيسين عبدالناصر والسيسى فيما يتعلق بملف الفقراء»، لافتًا إلى أن «العدالة الاجتماعية كانت أحد مبادئ ثورة 23 يوليو، التى تم تنفيذها بعد اندلاعها بشهور من خلال قانون الإصلاح الزراعى».
ويضيف السيد لـ«المصرى اليوم»: «تواصل جهد عبدالناصر فى الستينيات عن طريق الحد الأقصى للملكية الزراعية، وقوانين الضرائب التصاعدية بحيث تكون 90% على من يزيد دخله عن 10 آلاف جنيه سنويًا، وتخصيص 25% من أرباح الشركات العامة والخاصة للعمال، والتوجه الاشتراكى كان له جاذبية من خلال النموذج الصينى والسوفييتى، آنذاك». ويعتبر السيد أن الدولة فى عهد السيسى تنقصها «رؤية واضحة» فيما يتعلق بالملف الاقتصادى، مستنكرًا «عدم قبول مبدأ الضرائب التصاعدية، وتأجيل ضريبة رأس المال فى البورصة»، فيما يرى أن «برامج الإسكان الاجتماعى شروطها صعبة الوفاء للفقراء». بدوره، يستند الدكتور عمرو هاشم ربيع، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فى رأيه إلى ضرورة النظر للبيئة، التى عاش فيها كل من عبدالناصر والسيسى، عند مقارنة أوضاع الفقراء فى عهدهما، مضيفًا أن «ناصر عاش فى بيئة كان الفقراء فيها خارجين من نظام إقطاعى استبدادى كثرت فيه السخرة، ونظام سياسى أهلك مصر وحول أرصدتها إلى الخارج».
واعتبر ربيع أن الفقراء فى عهد السيسى نتاج لـ«بيئة نظام رأسمالى مسخ أتى به عصر الانفتاح الاقتصادى، فضلا عن الاعتماد على سيطرة رجال الأعمال وبيع القطاع العام، الذى أسسه عبدالناصر وكان وسيلته لدعم الدولة».
ورصد ربيع الاختلاف الثانى فى أن «عبدالناصر قدم عملًا دراميًا بتوزيع الأراضى على الفلاحين، بينما السيسى عمل إصلاحا اجتماعيا فى إطار الممكن لكن ما قلبش النظام الاجتماعى، وإنما يسعى لإصلاحه وتعديله قدر المستطاع».
وتابع: «الاختلاف الثالث أن نظام عبدالناصر كانت فيه الحريات السياسية شبه معدومة، وكان يكتفى بالعدالة الاجتماعية من منظور اقتصادى، بينما السيسى الدنيا مش مختلفة كثيرًا، وهو جه لقى الناس عندها قدر من الحرية بالمؤتمرات والتظاهرات وغيرها من تلك الأمور، وصحيح أنه لم يوسِّع الحريات لكنه اضطر يسيبها».
ونصح ربيع السيسى بقوله: «الدنيا محتاجة تنظيم أكثر من كده، ومحتاج يكون لديك مستشارون وحوارات مجتمعية لمناقشة تكلفة الأمور الاقتصادية، كالعاصمة الإدارية المكلفة، مع العمل على مواجهة الفساد، وتطبيق الضرائب التصاعدية على رجال الأعمال وأصحاب الدخول الفائقة الارتفاع»، خاتمًا بقوله: «محتاجين قفزة».