«اسمى ريما فندى ابنة محمد فندى، الذى هاجر من سوريا منذ سنوات بعيدة واستقر فى روسيا دارساً فى جامعاتها، ورغم جنسيتى الروسية التى أعتز بها، إلا أننى أدين بكل الحب لوطنى سوريا ومنطقتنا العربية». هكذا افتتح المؤتمر الأول للمغتربين العرب فعالياته فى مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، السبت، بكلمة ريما، التى لخصت مشكلة المغتربين العرب بالقول إنها طالما شعرت باختلاف النظرة داخل روسيا التى تعيش فيها بتقاليد عربية، واختلافها فى سوريا أيضا، وطنها الأم، الذى تستشعر فيه استغراب النظرة للعالم الغربى بكل ما فيه.
حضر الجلسة الافتتاحية التى عقدت فى القاعة الرئيسية التى تزينها الآية القرآنية «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، عدد من وزراء المغتربين والهجرة العرب ونحو 450 مغترباً من مختلف الجنسيات العربية، فى مقدمتهم عدد كبير من العلماء الذين هاجروا منذ الستينيات إلى عواصم غربية مختلفة، من بينهم جراح القلب العالمى مجدى يعقوب، ونبيل الحجار، أستاذ الفيزياء، نائب رئيس جامعة ليل الفرنسية، اللذان جلسا على منصة المؤتمر بجوار الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى.
وعقب انتهاء كلمة ريما قدم الأمين العام للجامعة، الدكتور نبيل الحجار، الذى تحدث عن مشاعر المغتربين فى الدول التى يهاجرون إليها، ومعاناتهم فى التأقلم مع الحياة فيها، ثم معاناة الجيلين الثانى والثالث مع تقطع جذور التواصل، مشيراً إلى أن المغتربين العرب ثروة ويمكنهم المساهمة فى تطوير شكل الحياة العربية والنهوض بها ولكنهم فى حاجة لوضع آليات تحدد كيفية تعاملهم مع قضايا أوطانهم ومنح خبراتهم لتلك البلدان، بدلا من تركهم دون تواصل.
بعدها جاءت كلمة الدكتور مجدى يعقوب، جراح القلب العالمى المصرى، الذى هاجر لبريطانيا منذ الستينيات، وقدمه عمرو موسى بقوله إنه ليس عالما ناجحا ومثالا يحتذى به بين المغتربين وحسب، ولكنه فى تواصل دائم مع وطنه الأم وبدأ فيه منذ فترة طويلة مشروعه لعلاج مرضى القلب فى أسوان وبخاصة المحتاجين منهم، وبدأ يعقوب حديثه بالتعبير عن أهمية المؤتمر فى فتح قناة للتعرف على مشكلات المغتربين وقضاياهم وكيفية التواصل معهم، مؤكداً أنه يدين لمصر، التى تعلم فيها وقضى فيها بداية حياته، ولكنه يدين للغرب الذى تعلم منه أساسيات العلم وكيفية تقديسه وإنسانية هذا العلم الذى خلق لخدمة الإنسان. مشيراً إلى أن امتلاك العالم العربى لنخبة من أبنائه العلماء المقيمين فى الغرب يعنى ضرورة الاستفادة منهم فى تحقيق تنمية شاملة فى البلدان العربية، وأضاف: «فقط علينا أن نمد يد العون لهم، خاصة أن مصر والعالم العربى يستحقان أن يكونا فى وضع أفضل مما باتوا عليه».
وأكد عمرو موسى فى كلمته إدراك الجامعة لطبيعة حياة المغتربين العرب فى أوطانهم الجديدة، التى يدينون لها بالولاء، فى نفس الوقت الذى تربطهم ببلدانهم العربية صلة لا يجب أن تنفصم، ولذا كان الحرص على إقامة المؤتمر. مشيراً إلى أن المغتربين العرب كانت لهم أدوار فى العالم العربى منذ سنوات، حتى إنه مع الإعلان عن إنشاء جامعة الدول العربية عام 1945 تلقى المسؤولون العرب خطابا من الجالية العربية فى الولايات المتحدة الأمريكية يؤيدون فيها إنشاءها، إلا أن الوضع الحالى تغير وبات هناك الكثير من التحديات التى تحتم التواصل مع هؤلاء المغتربين بشكل أكثر فاعلية، يسمح لأن يكونوا جسرا للتواصل مع شعوب البلدان التى يعيشون بها من جانب بوصفهم مواطنين غربيين، وخلق الفرصة والمناخ المناسب للاستفادة من مجالات خبراتهم فى أوطانهم العربية.
وأضاف موسى: «أنا أؤمن بأهمية التواصل الدائم مع المغتربين العرب فى الخارج، وبأن هناك امتدادات من العالم العربى للخارج، ومن الخارج للوطن العربى، من خلال المغتربين والجاليات العربية المقيمة فى الخارج». واستطرق فى كلمته إلى «الصراع الضخم الذى أنتجته دعوى صراع الحضارات»، وأضاف: «كم من الالتباسات والأخطاء وسوء السياسات ارتكبت باسم هذا وتحت مسمى مقاومة الإرهاب».
وعزا موسى السبب المباشر لوجود صراع بين الحضارات إلى المتطرفين، مؤكدا أن الغالبية ضد الصراع، وأن هناك حقيقة مفادها وجود اختلافات وتباينات وتحفظات، أما العنف والصدام والصراع تأتى من قبل المتطرفين.
وتناول بالتفصيل النجاحات الكبيرة لأبناء الجاليات العربية فى الخارج، مظهرا بعض الأمثلة، مثل الشاعر إيليا أبوماضى، والعالم المصرى الدكتور أحمد زويل، وشاعر النهضة جبران خليل جبران، وغيرهم ممن أصبحوا عنواناً للفخر العربى.
وقال المهندس المعمارى عمر الراوى، عضو برلمان فيينا بالانتخاب للمرة الثالثة، عراقى الأصل ويحمل الجنسية النمساوية: «أهم ما فى التواصل مع المغتربين العرب هو منحهم الحرية فى أسلوب التواصل هذا. والحقيقة أن الجاليات العربية فى تواصل وعلاقة حميمة مع حضاراتهم العربية، لدرجة أثرت على البعض منهم فى مدى الاندماج فى المجتمعات الجديدة التى يعيشون فيها وباتوا يحملون جنسياتها. ولكن التقصير الحقيقى فى التواصل جاء من قبل الأنظمة العربية، لأنها لم تفكر على مدى أكثر من 40 عاماً فى خلق جسر حقيقى معهم. رغم أن أهم ما يشغل بال تلك الجاليات هو قضايا أوطانهم الاقتصادية والسياسية.