أقيمت مساء الأربعاء الماضى بالمجلس الأعلى للثقافة ندوة خاصة للفيلم العراقى «ابن بابل» عقب عرضه فى التاسعة مساء، وجاءت الندوة متأخرة عن موعدها، ورغم اهمية الفيلم، لم تحظ الندوة بالحضور الكافى، نظرا لعدم الإعلان والتنويه عنها، بالإضافة إلى تأخر موعدها، كما ساهم فى قلة الحضور غياب جميع ممثلى الفيلم العراقيين، بينما حضر الندوة محمد الدرادجى، مؤلف ومخرج الفيلم، الذى فجر مفاجأة فى البداية بإعلانه أن سبب عدم حضور الممثلين العراقيين هو رفض السفارة المصرية ببغداد إعطاءهم تأشيرات للدخول إلى مصر، وقال «الدرادجى» إنه لايعلم حتى الآن أسباب هذا الرفض الغريب وغير المبرر من قبل السفارة المصرية.
وأكد «الدرادجى» أن بطلة الفيلم قد تعرضت من قبل للاعتقال فى السجون الأمريكية فى العراق، وكشف عن ظروف إنتاج الفيلم، وقال أنها كانت صعبة حتى نجح فى إقناع بعض الشركات بإنتاجه فجاء إنتاجه مشتركا بين عدد من الدول المختلفة، وهى السعودية وفلسطين والإمارات وبريطانيا وهولندا، ورغم هذه الشراكة فإنه لم تكن هناك أى ضغوط من الشركات المنتجة بشأن تغيير السيناريو أو الأحداث، لكن الضغوط جاءت من العراق نفسه، فقد اشترط رئيس الوزراء العراقى لكى يكون الفيلم من إنتاج العراق حذف بعض الأجزاء من السيناريو، وهذا قوبل بالرفض التام. وأوضح «الدرادجى» أن الفيلم ليس خطابا سياسى، بل خطاب إنسانيا، وتدور أحداثه فى شمال العراق، عام 2003، بعد مرور ثلاثة أسابيع على سقوط نظام صدام حسين، وبطل الفيلم هو طفل كردى صغير يبلغ من العمر 12 عاما، ويعيش مع جدته بعد أن فقد والده فى ظروف غامضة، وبالتحديد بعد حرب الخليج عام 1990، وعندما تسمع الجدة أن هناك أسرى حرب عثر عليهم أحياء عقب سقوط صدام حسين، تذهب فى رحلة بحث عن ابنها. وقال الدرادجى فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم»: فكرة الفيلم جاءت بالصدفة البحتة، حيث كنت أمشى فى شوارع العراق، عقب سقوط صدام، وسمعت عبر الراديو أن هناك مقابر جماعية تم اكتشافها فى بابل وأول مجموعة من المقابر عثر فيها على 400 ألف جثة، ولأن عائلتى كانت تحمل ذكريات أليمة، بسبب فقدان بعض أفرادها، ومنهم ابن عمى منذ 15 عاما، فقررت صنع فيلم يجمع الأجيال المتناثرة كالأشلاء فى العراق، وجمعت طوال أربع سنوات كثيراً من القصص المؤلمة والحزينة لأسر عراقية فقدت أبناءها، وأردت التعبير عن حالة الضياع، التى تعانيها كل الأجيال فجاءت الجدة كرمز للجيل القديم، والطفل كرمز للجيل الجديد، والجيلان تائهان فى الصحراء، بسبب الحروب والظلم والاحتلال، وأتمنى أن يبعث الفيلم بعض الأمل فى الجميع، وأن يحثهم على التسامح من أجل المستقبل.
وأكد «الدرادجى» أنه تعمد اختيار ممثلين غير محترفين، وليس لهم أى علاقة بالسينما، لذلك اختار أشخاصاً يمثلون للمرة الأولى فى حياتهم، ولم يعرفوا من قبل «يعنى إيه سينما وعمرهم ما شافوا سينما فى حياتهم»، والأغرب أنه اخترت شخصيات واقعية، وتقترب من فكرة الفيلم، فمثلا السيدة التى لعبت دور البطلة العجوز هى بالفعل سيدة فقدت زوجها، وتبحث عنه منذ 22 عاما، واعتقلت أكثر من مرة بسبب بحثها الدائم عنه، أما الطفل بطل الفيلم، الذى قام بدور أحمد فهو طفل فقير بسيط لم ير شاشة سينما أو كاميرا فى حياته، وقد قابله بالصدفة فى حفل موسيقى فى منطقة كردستان، وشعر بأنه مناسب جدا للشخصية.
وأوضح «الدرادجى» أن هدفه الأساسى من الفيلم توضيح ما فعله صدام من إجرام ووحشية مع العراقين ومع الأكراد تحديدا، وإبراز بشاعة المقابر الجماعية، التى كان ارتكبها نظامه الفاشى، لذلك فقد حقق الفيلم رد فعل جيداً على كل المستويات الفنية والجماهيرية، وعرض فى 40 مهرجانا عربيا ودوليا، وحصل على 16 جائزة دولية.
وشدد فى النهاية على ضرورة أن تتحد السينما فى كل الأقطار العربية، لرد الظلم ومواجهة الفاسدين، لأن صوت السينما أقوى من كل أنظمة الفساد.