كانت الحافلة المكشوفة جاهزة لحمل اللاعبين والانتقال بهم إلى شوارع باريس من أجل الاحتفال بالتتويج، والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، كان يعول على نجاح المنتخب الوطني من أجل إكمال عملية «التعافي» الأمني والنفسي من اعتداءات نوفمبر، لكن البرتغال دخلت على الخط وأسقطت «المخطط».
دخل الفرنسيون إلى «استاد دو فرانس» في ضاحية سان دوني الباريسية، وهم مستعدون تمامًا للاحتفال بالكأس الغالية، وحتى إن الإجراءات الأمنية كانت حاضرة من أجل مواكبة احتفال الفرنسيين بإحراز كأس أوروبا لكرة القدم للمرة الثالثة في تاريخهم والثانية على أرضهم بعد 1984، لكن الصوت الوحيد الذي كان مسموعًا بعد الدقائق الـ120 كان صوت المشجعين البرتغاليين.
«بعد كل الذي حصل من هجمات، تظاهرات، الأزمة الاقتصادية، كنا بحاجة إلى شيء ما لإسعادنا»، هذا ما قاله المشجع الفرنسي لازارو دي سانتانا «31 عامًا»، من منطقة المشجعين التي احتشد فيها أكثر من 90 ألف شخص تحت برج إيفل، ما تسبب بأعمال شغب مع الشرطة، بعدما حاول العشرات من المشجعين الدخول عنوة إليها رقم إقفالها بسبب امتلاء المنطقة تمامًا.
وأعلنت شرطة باريس أنها اعتقلت ما لا يقل عن 40 مشجعًا إثر الصدامات وأعمال الشغب التي وقعت عندما حاول مشجعون الدخول عنوة إلى باحة البرج التي أغلقتها السلطات منذ الساعة السابعة مساءً لامتلائها عن بكرة أبيها «أكثر من 90 ألف متفرج».
وعمد بعض هؤلاء إلى رشق قوات الأمن بمقذوفات وأحرقوا حاويات قمامة ودراجات نارية وسيارة واحدة، في حين تصدت لهم الشرطة بخراطيم المياه وقنابل الغاز المسيل للدموع.
وبحسب الشرطة، فإن مشجعين غاضبين هاجموا أيضًا بعض السيارات المارة في المكان، مما تسبب بحالة هلع دفعت بأحد السائقين إلى دهس شخصين استدعت إصابة أحدهما نقله إلى المستشفى.
ورغم ما حصل مساء الأحد، تجاوزت فرنسا البطولة القارية التي أقيمت وسط ظروف صعبة وجراح عميقة ناجمة عن المشاهد المؤلمة التي عاشتها العاصمة باريس خلال اعتداءات 13 نوفمبر 2015، والتي أسفرت عن 130 قتيلًا، في يوم المواجهة بين فرنسا وألمانيا وديًا على نفس «استاد دو فرانس» الذي شهد اعتداءات خارج أسواره.
وعادت فرنسا إلى الملعب ذاته في مباراتها الافتتاحية ضد رومانيا وخرجت فائزة 2-1، ثم لعبت هناك مجددًا في الدور ربع النهائي ضد أيسلندا وحققت فوزًا كاسحًا 5-2، واختتمت البطولة على هذا الملعب بالذات، لكنها لم تكن موفقة هذه المرة وسقطت أمام البرتغال صفر-1 بعد التمديد.
ورغم الخسارة الأولى على أرضها في بطولة كبرى «تُوجت بلقب كأس أوروبا عام 1984 ومونديال 1998 بين جماهيرها»، خرجت فرنسا من النهائيات القارية بإيجابيات كثيرة، أهمهما أن الفرنسيين استعادوا حبهم للمنتخب الوطني ووضعوا خلفهم أعواما من الخيبة والفضائح كما تعافوا أمنيًا ونفسيًا من ذيول ما حصل في نوفمبر الماضي من اعتداءات انتحارية، وما حصل قبيل البطولة من اضرابات وتظهارات عمالية.
ورأى الرئيس الفرنسي هولاند في «جورنال دو ديمانش»، أن «الشعب الفرنسي احتاج إلى إيجاد طريقه مجددًا. لقد شاهدنا ذلك خلال الاعتداءات. تعاضدنا في المآسي وكان علينا أن نجد أنفسنا في الأشياء التي تسعد، أن نتحد».
وكتب هولاند أن المنتخب الفرنسي تأثر على الصعيد الشخصي بالاعتداءات التي حصلت، مضيفًا: «الاعتداءات كانت نفسها عليهم. لقد قرروا أنهم يريدون إسعاد الشعب الفرنسي الذي عاش هذه الحوادث... لقد منحهم المدرب ديدييه ديشامب هذه الرغبة في جعل الناس سعداء، وهم يدركون بأنها ليست لحظة عادية في التاريخ».
لكن الفرحة لم تكتمل في مباراة الأحد التي كانت فرنسا فيها الطرف الأفضل بوضوح، وكان بإمكانها أن تحسم اللقب لمصلحتها في الوقت الأصلي لو لم يتدخل القائم الأيمن للوقوف في وجه محاولة البديل أندريه بيار جينياك في الوقت بدل الضائع.
* مستقبل كروي مطمئن
من المؤكد أن الانتصار لو تحقق كان «جيدًا بالنسبة لفرنسا بعد الاعتداءات لأنه سيكون بمثابة الثأر»، بحسب شانيل أودي، النادلة البالغة من العمر 18 عامًا.
ورغم خيبة خسارة المباراة النهائية، بإمكان فرنسا أن تكون مطمئنة أيضًا على الصعيد الكروي، لأن منتخبها يعد بالكثير بالنسبة للمستقبل نظرًا إلى المستوى الذي قدمه خصوصًا في الدور نصف النهائي حين أقصى ألمانيا بطلة العالم بالفوز عليها 2-صفر بفضل ثنائية أنطوان جريزمان، الذي توج هدافًا للنهائيات برصيد 6 أهداف.
وأعاد جريزمان ورفاقه في كتيبة المدرب ديدييه ديشامب الفرنسيين إلى حقبة كتيبة زين الدين زيدان ورفاقه الذين قادوا بلادهم إلى لقبها العالمي الأول عام 1998، ثم إلى التتويج القاري عام 2000 ونهائي مونديال 2006.
وكان نهائي مونديال ألمانيا 2006، الذي خسره الفرنسيون أمام إيطاليا بركلات الترجيح في مباراة طرد فيها زيدان بسبب «نطحه» ماركو ماتيراتزي، بمثابة نهاية الأمجاد بالنسبة لمنتخب «الديوك»، إذ خرج بعدها من الدور الأول لكأس أوروبا 2008 وكأس العالم 2010، ثم من ربع نهائي كأس أوروبا 2012 ومونديال 2014.
ومنذ تتويجها على حساب إيطاليا 2-1 في نهائي 2000 المثير في روتردام، تحت إشراف المدرب روجيه لومير، لم تنجح فرنسا بتحقيق الفوز في أي مباراة إقصائية من المسابقة القارية حتى النسخة الحالية، التي شهدت تغلبها على أيرلندا 2-1 في ثمن النهائي وأيسلندا 5-2 في ربع النهائي ثم ألمانيا في نصف النهائي.
ونجح رجال ديشامب، قائد التتويج في مونديال 1998 وكأس أوروبا 2000، في إعادة الأمل للجمهور الفرنسي الذي احتفل طويلًا بإنجاز التأهل إلى النهائي إثر الفوز على ألمانيا.
واستعاد المنتخب خلال هذه البطولة علاقته السابقة بمشجعيه، وقد ظهر ذلك جليًا قبل مباراة الدور ربع النهائي ضد أيسلندا، عندما تجاوز اللاعبون ألواح الإعلانات من أجل تحية الجمهور، وهو أمر لم يشهده الفرنسيون منذ مونديال 1998 الذي استضافوه على أرضهم أيضًا، وذلك بحسب ما أكد هيرفيه موجان، رئيس إحدى روابط المشجعين، مضيفًا: «بإمكانك أن ترى الفارق من خلال طريقة تصرف اللاعبين. في السابق، عانى هذا الفريق في التعبير عن سعادته والتواصل مع المشجعين».
* مصالحة
سمحت نهائيات 2016 في تحقيق المصالحة بين المنتخب والجمهور ومداواة الجراح التي خلفتها مشاركاته الأخيرة.
لقد عرف معسكر المنتخب الفرنسي خيبات انضباطية كبرى على غرار مستواه الفني في السنوات الماضية، ففي مونديال 2010 طرد المهاجم نيكولا أنيلكا من بعثة المنتخب لخلاف مع المدرب الغريب الأطوار ريمون دومينيك، وتلا ذلك مقاطعة زملائه التمارين في جنوب أفريقيا.
وفي 2012، دخل لاعب الوسط سمير نصري في مشادة عنيقة مع صحفي، أوقف بعدها 3 مباريات. كما أوقف المهاجم جيريمي مينيز عن خوض مباراة بسبب مواجهة مع أحد الحكام وزميله الحارس هوجو لوريس.
وحتى أن مشاركته في البطولة الحالية لم تخل من المواقف المثيرة للجدل، إذ اتهم مهاجم ريـال مدريد الإسباني كريم بنزيمة، المدرب ديشامب بالعنصرية، لأنه استبعده عن النهائيات بسبب مسألة ابتزاز زميله ماتيو فالبوينا في قضية شريط جنسي صوره الأخير.
ثم أضيفت إلى هذه المسألة جراح أعمق ناتجة عن المشاهد المؤلمة التي عاشتها العاصمة باريس خلال اعتداءات 13 نوفمبر 2015.
ويمكن القول إن عملية المصالحة مع الجمهور بدأت في نوفمبر 2013، خلال مباراة الملحق المؤهل إلى مونديال 2014 ضد أوكرانيا، حيث كانت فرنسا بحاجة إلى الفوز من أجل السفر إلى البرازيل وهذا ما فعلته «3-صفر».