صاحبة هذا الصالون هى النجمة المسرحية الكبيرة «زينب صدقى»، وهى مصرية من أصول تركية، عاشت حياة مديدة (1895-1993)، وعملت مع مسرح رمسيس ومسرح الريحانى وفرقة عبدالرحمن رشدى بداية من عام 1917، والسينما تحفظها لنا فى وجه الأم والحماة الطيبة التى أدت دورهما فى نهايات حياتها الفنية كدور الناظرة الطيبة فى فيلم «عزيزة» والأم المصرية فى فيلم «بورسعيد» والجارة الطيبة فى فيلم عبدالحليم حافظ «البنات والصيف»، مع العلم أنها لم تكن أماً فى يوم من الأيام، فقد تزوجت مرة واحدة لمدة ستة شهور ولم تنجب، لكنها تبنت طفلة يتيمة الوالدين هى «ميمى صدقى» التى هاجرت إلى لبنان منذ السبعينيات.
ولنبدأ من البداية التى حجبت عنا، لأن أغلب أعمالها المسرحية - إن لم تكن كلها - لم تسجل وفقدت إلى الأبد! وكان المسرح منذ بداياته كما يصفه نقاد زمان «كان الجمال فيه يتجه إلى الوزن الثقيل.. وكان المطلوب من الفتاة الجميلة أن تكون فيلاً أبيض، إذا خطرت على المسرح اهتزت خشبته ومالت قوائمه، ثم مالت معها قلوب أولئك الذين يعشقون الجمال الضخم. كذائقة الناس فى تلك الحقبة، وكما وصفهن شكسبير العامية «بيرم التونسى» فى إحدى قصائده التى يقول فيها (مَرة ملحمة مترمة متخن.. لو سبتها فوق الرخام يسخن) والملحمة: ذات اللحم، والمترمة: ذات المؤخرة العظيمة، والمتخن: البدينة. ثم جاء وقت وتحرر المسرح من الأوزان الثقيلة والبدينات، وأضحى الجمال فيه مقصوراً على الرشاقة وفتنة القد الميّاس. هذا فى الوقت الذى دخلت فيه زينب صدقى التمثيل، وكانت ذات جمال تركى أصيل، واعتقد الكثيرون أنها أخت المرحوم إسماعيل صدقى السياسى القديم! و«ساقت» فيها زينب، لم تكذب الشائعة أو تثبتها، بل أتبعتها بمجموعة من التقاليع التى تغرى المعجبين بالتهاتف عليها والالتفاف حولها. وأحاطت نفسها بعدد من السكرتيرات، بحيث لم يكن من المستطاع أن يلقاها صحفى أو معجب إلا بعد الاتفاق على موعد سابق! وسايرت موضات الأزياء الحديثة ونجحت بذلك فى اجتذاب الأنظار إليها بفضل مواهبها وشخصيتها وجمالها، حتى صارت صورها تتصدر المجلات الفنية التى كانت تصدر فى ذلك الوقت، وكان الشباب يحتفظون بصورها فى حافظات نقودهم وداخل كتبهم وبيوتهم. وربما كانت زينب صديقى هى أول ممثلة فى مصر تلقت خطابات الإعجاب فى كثرة مذهلة، حتى إنها اتخذت سكرتيراً خاصاً للرد على هذه الخطابات. وكانت خطابات هؤلاء المعجبين بمثابة مباريات فى الشعر الذى يصف الشوق والصبابة ويتغزل فى المحاسن واللطافة، وكثيرا ما كانت زينب صدقى تجلس بنفسها للرد على بعض الخطابات وتشتم المعجبين بها لأنهم سرقوا أشعارهم التى أرسلوها إليها تغزلا فيها من مجنون ليلى وكثير عزة وأشعار البحترى وعنترة. ولعل هذا السبب هو الذى ألهمها أن تقيم صالونها الأدبى!.
ولنعرف كيف كان جمهورها يحبها ويعشق جمالها، إليكم هذه الحادثة الطريفة التى حدثت فى عام 1930، فقد أقامت إحدى المجلات الأجنبية التى كانت تصدر من الإسكندرية مباراة لاختيار ملكة للجمال، وكانت زينب صدقى تشهد هذه المباراة مصادفة دون الاشتراك بها، ورأتها الجماهير وأصرت على اختيار زينب صدقى ملكة للجمال، ورفضت اللجنة المنوط بها الاختيار أن تلبى المطلب الجماهيرى لأن زينب صدقى لم تتقدم للاشتراك فى المسابقة، وكان رد الجماهير ديمقراطياً جداً؛ لقد أشبعوا اللجنة ضرباً وركلاً وطردوها شر طردة!
وإلى مقال أخير عن صالونها ومعاركها التى استخدمت فيها كل أدوات القتال النسوى.