x

مراد وهبة نحو رشدية عربية (2) مراد وهبة السبت 09-07-2016 21:12


بعد أن قرأت كتاب «النجاة» لابن سينا بمعونة أستاذى الخضيرى بدأت أبحث عن فلاسفة إسلاميين آخرين. وكان الذى أسهم فى هذا البحث هو الأب قنواتى فى نوفمبر 1944 عندما ذهبت إلى مكتبة معهد الآباء الدومنيكان لقراءة المؤلفات الفلسفية لإنجاز أبحاث مطلوب تقديمها إلى أساتذتى وكان الأب قنواتى وقتها مؤسساً ومديراً لمعهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان، وكان متفرغاً للفلسفة الإسلامية، ولكنه كان، فى الوقت نفسه، من أتباع «التوماوية الجديدة» التى تعتبر إحياء لفلسفة توما الأكوينى، فيلسوف الكنيسة الكاثوليكية فى القرن الثالث عشر، والمعادى لفلسفة ابن رشد. وفى هذا السياق كانت تنعقد فى المعهد حلقة حوارية باللغة الفرنسية تسمى «الحلقة التوماوية»، وكانت امتداداً للحلقة التى كانت تنعقد فى كلية الفلسفة بالمعهد الكاثوليكى بباريس، وكان اسمها أيضاً «الحلقة التوماوية» والتى كانت الغاية منها إشاعة التوماوية الجديدة، أى فلسفة توما الأكوينى ولكن بأسلوب عصرى.

واللافت للانتباه أن هذه الحركة نشأت فى مواجهة «حلقة فيينا» التى أسستها «الوضعية المنطقية» للقضاء على علم اللاهوت فى عام 1928، وهو العام نفسه الذى نشأت فيه «جماعة الإخوان المسلمين» لإحياء الخلافة الإسلامية. وكان عنوان المحاضرة الأولى التى ألقيت فى الحلقة التوماوية بباريس فى 1928/3/28 «التوماوية والحضارة».

عكفت على قراءة مؤلفات فلاسفة التوماوية الجديدة وأفدت منهم لغة وفلسفة. ومع ذلك تردد فى ذهنى سؤال ظلت الإجابة عنه مؤجلة: لماذا كان هؤلاء الفلاسفة مع توما الأكوينى وضد ابن رشد؟ وكان التأجيل مردودا إلى انشغالى بقراءة أهم كتاب فى تاريخ الفكر الفلسفى لأعظم فلاسفة البشرية عمانوئيل كانط، وعنوانه «نقد العقل الخالص». والذى دفعنى إلى قراءته هو أنه يقف عند قمة التنوير الأوروبى. وبعد ذلك بدأت فى قراءة مؤلفات الفيلسوف الفرنسى هنرى برجسون، العدو الأول للشيوعية على مستوى الفكر الفلسفى. وكنت فى حينها أتردد على «دار الأبحاث العلمية» التى كانت فى شارع نوبار المتفرع من ميدان لاظوغلى بالقاهرة. وكانت هذه الدار واجهة لمنظمة شيوعية سرية اسمها «إسكرا» بالروسية و«الشرارة» بالعربية. إلا أن ثمة سبباً آخر دفعنى إلى قراءة مؤلفات برجسون وهو أنه كان موضع اهتمام من قبل أربعة سوريين أصبحوا من رواد حزب البعث، وكانوا فى الآن نفسه، زملائى بقسم الفلسفة، ومن بينهم سامى الدروبى الذى أصبح سفيراً لسوريا لدى مصر، وبديع الكسم الذى اتهم، مع آخرين، بإحداث انقلاب عسكرى فى صيف عام 1963. وكان سبب اهتمامهم ببرجسون مردودا إلى تصورهم أن فلسفته تصلح أن تكون أساساً فلسفياً لحزب البعث بسبب نقده للنزعة المادية وإعلائه للدين.

واللافت للانتباه مرة أخرى أن فلسفة كانط كانت موضوعاً لرسالة الماجستير وفلسفة برجسون موضوعاً لرسالة الدكتوراه. وكان القاسم المشترك بين الرسالتين هو كيفية صياغة الفيلسوف لمذهبه، واكتشفت أن هذه الصياغة إما أن تكون لصالح تأسيس مذهب مغلق يمتنع تطويره وإما أن تكون لصالح تأسيس مذهب مفتوح قابل للتطور. وفى سياق هذا المسار كان أستاذى يوسف كرم وارداً فى ذهنى وأنا أحرر رسالتى الماجستير والدكتوراه. فقبل إعداد درجة الماجستير كنت قد أرسلت إليه بحثاً عن كانط، وكان هو فى حينها أستاذاً للفلسفة بجامعة الإسكندرية. قرأه وهنأنى على أننى قد فهمته جيداً. وقبل رسالة الدكتوراه ترجمت له محاضرة بالفرنسية عن برجسون كان قد ألقاها فى «الحلقة التوماوية». قرأ الترجمة وأثنى عليها.

والسؤال إذن:

ماذا حدث بعد ذلك؟

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية