بملابسٍ رسمية، يسير وسطْ الصبية صُبحية أول أيام عيد الفطر، يركضون مُبتهجين حوله ويلحقهم بعجلة بدائية، فيما يعلو وجهه ابتسامة لم تكتمِل بعد، يلعبون بالكُرة فى الحدائق، يتمنى أن يشاركهم اللهو، ولكن فى عُرف الشقيانين اللهو «طقوس مؤجلة». ففى صباح الأعياد يلهو الأطفال، يأكلون ويشربون، بينما يتكفل هو بجمع المُخلفات المعدنية كهديةٍ له فى آخر اليوم.
«أنا بلف بالعجلة طول النهار فى العيد عشان أجمع العلب المعدن»، يقولها عادل، شابٌ عشرينى، ليشرح طقوس عمله فى الأعياد. والتى يبدؤها بعد صلاة العيد، من مهد ميلاده، منطقة «منشية ناصر»، ثُم يمر بدراجته البدائية على الحدائق المجاورة للمنطقة، فيقوم بجمع المُخلفات المعدنية فى صندوق حديدى مُرفق بالدراجة، كمّا يشرح: «بروح فى العيد عند الجناين عشان بيبقى فى أطفال بيشربوا كانزات».
«عندى 24 سنة، ورجلى فيها إعاقة، لمّا بمشى على الأرض بقع منها»، يُفسر عادل سبب اختياره مهنة جمع المخلفات المعدنية تحديدًا، كمهنة موسمية فى الأعياد، فهو يُعانى من إعاقة فى قدمه اليُمنى جعلته غير قادر على ممارسة أى عمل آخر. فعندما يصل إلى أماكن جمع المُخلفات يترك الدراجة، ثُم يتكئ على قدمه اليُسرى، يجمع ما استطاع من مخلفات، إلى أن يضعها فى الصندوق ويذهب إلى منطقة أخرى حتى نهاية اليوم. لم تكُن مهنة جمع المخلفات المعدنية هى مهنة عادل الأساسية، حرص قبلها على العمل فى محطة بنزين قريبة من منزله: «الأول كُنت بشتغل فى بنزينة قُرب رمسيس، بطوّق العربيات، والناس بتساعدنى». ولأن مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد، كان يحصُل عادل على قوت يومه الذى يُرضيه من خلال تنظيف السيارات أثناء أزمات «البنزين» المُتكررة. «بعد انتهاء أزمة البنزين، مبقاش فى طوابير عربيات عشان ألمّعها»، يقولها عادل بنبرة لم تخل من الحسرة، فهو يعتبر تنظيف السيارات بقطعة قُماش توفّر عليه الطواف بدراجته المُتهالكة فى شوارع العاصمة ليلاً ونهارًا.
وفى نهاية أول أيام العيد، النهار الذى يبدأ مع شروق الشمس وينتهى فى الحادية عشرة مساءً، وفقًا لتوقيتات عمل عادل، يجمع ما حصل عليه من بواقى المُخلفات المعدنية فى «شوال»، ثُم يذهب إلى أحد تُجار الخردة ليبيع الكيلو مقابل 7 جُنيهات. يُفرغ كل ما تبقى فى الدراجة، ليعود بها إلى منزله مُتجردًا من أى أعباء سوى أمنية وحيدة: «نفسى أرجع أشتغل فى البنزينة، عشان جنب البيت وبتوّفر عليا تعب المشاوير، وتعب رجلى».