x

اخبار سيبيل أوكتاي تكتب: تركيا تدفع ثمن الخطايا الستة لسياستها الخارجية القديمة اخبار الأربعاء 06-07-2016 20:45


لست بحاجة لتكون من محبى سماع الأخبار الدولية لتعرف بالهجوم الإرهابى الذى حدث فى ٢٨ يونيو الماضى، فى مطار أتاتورك بإسطنبول، أكبر مطار فى تركيا، وثالث أكبر مركز فى أوروبا للسفر جوًا، حيث أسفر الهجوم، الذى هو من المرجح من تنفيذ تنظيم «داعش» الإرهابى، عن مقتل 42 شخصًا وجرح المئات.

فقد طغى الهجوم على حدثين مهمين كانا يسيطران على العناوين الرئيسية فى الصحف، ومن المفارقات أن كلا الحدثين كان متعلقاً بتركيا، حيث كانت الأخيرة تحاول تغيير المسار فى سياسات ربما تكون هى من فتحت الباب لهجوم المطار.

وكأى باحث يركز على تحليلات السياسة الخارجية والقيادة السياسية فى أوروبا والشرق الأوسط، أود أن أشرح كيف يمكن أن يُنظر إلى كل هذه الأحداث فى السياق الأوسع لما أسميه الخطايا الستة للسياسة الخارجية التركية.

وكان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بعث رسالة اعتذار للرئيس الروسى فلاديمير بوتين، معربًا عن أسفه لإسقاط طائرة روسية فى أواخر ٢٠١٥ قرب الحدود بين تركيا وسوريا، الأمر الذى فاجأ الكثيرين، فمنذ بداية الحرب الأهلية السورية فى ٢٠١٢، أكدت تركيا حقها فى اتخاذ كل التدابير اللازمة ضد أى انتهاكات لمجالها الجوى، ولكن اعتذار أردوغان يشير إلى أنه إما يعترف بانتهاج بلاده سلوكًا مهملًا، فى ظل نفى روسيا أى مزاعم لانتهاك سيادة تركيا، أو أنه يعترف بشكل غير مباشر عن مدى احتياج تركيا لروسيا، أو ربما يكون الأمرين معًا، فالعدد الهائل من السياح الروس الذين يزورون تركيا قد يفسر اعتذار أردوغان، ناهيك عن حظر موسكو المنتجات الزراعية التركية أو القيود التى تواجهها الشركات التركية فى روسيا.

وجاء اعتذار أردوغان لبوتين فى خضم الاتفاق الأخير بين أنقرة وتل أبيب، بعد أن كانا فى شقاق منذ مايو ٢٠١٠، عندما اعترضت البحرية الإسرائيلية سفينة مساعدات إنسانية تركية متجهة إلى غزة، ما أدى إلى مقتل 10 مواطنين أتراك، واتفق الطرفان على استئناف العلاقات الدبلوماسية، ولكن باتت كل هذه التطورات باهتة الآن أمام الهجوم الإرهابى المروع، أولئك الذين يتتبعون سياسة الخارجية التركية يدركون أن أنقرة «تدفع ثمن خطاياها فى الماضى».

شهدت السياسة الخارجية التركية تحولات كبيرة على مدى العقد الماضى، فى حين كان يتبنى حزب العدالة والتنمية، الحاكم، سياسة خارجية كان يطلق عليها «السياسة الأوروبية- الآسيوية الناعمة»، والتى تؤكد أهمية جيران تركيا الجنوبيين والشرقيين، بينهم روسيا، وتحولت هذه السياسة لاحقًا إلى سياسة «لا مشاكل مع الجيران»، وفى إطار هذا النهج الجديد، استخدمت تركيا عاصمتها التاريخية والثقافية الغنية فى الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز، لخلق منطقة نفوذ سياسى واقتصادى، وبقيادة وزير الخارجية التركى السابق، أحمد داوود أوغلو، كان من المفترض أن تهدف سياسة «صفر مشاكل» لإقامة علاقات اقتصادية وأمنية جديدة فى جميع أنحاء المنطقة، وتجلب السلام والاستقرار، ولكن للأسف لم تسر الأمور كما كان مقررًا لها، فسرعان ما تحولت من سياسة «صفر مشاكل مع الجيران» إلى «صفر جيران بلا مشاكل».

فتجاهل أردوغان الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز فى المنتدى الاقتصادى العالمى عام ٢٠٠٩، وانهار وفاق تركيا الهش مع أرمينيا فى ٢٠١٠، وتلى ذلك احتكاكها مع أذربيجان وإسرائيل، وعلى خلفية ثورات الربيع العربى تدهورت العلاقات مع مصر.

وكان آخر وأكبر سقوط لقطعة دومينو هى سياسة تركيا فى سوريا، فرغم أن العلاقات التركية-السورية كانت مضطربة طوال التسعينيات، فإن حكومة حزب العدالة والتنمية تمكنت من إعادة بنائها من جديد، وتم فتح الحدود المشتركة فيما بينهما، ولكن انتهت هذه السياسة عندما بدأ الأسد فى قمع الثورة المدنية فى سوريا بشكل مروّع، ما أدى إلى تعهد أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية بإسقاط الأسد، وقال فى ٢٠١١ إن «أيامه معدودة».

وهذه هى ما أراها الخطيئة التركية الأولى، حيث بدأت البلاد فى تقديم الدعم للمتمردين السوريين المعتدلين مثل الجيش الحر لإسقاط الأسد، وتبين فيما بعد أن تركيا تدعم جماعات أكثر تطرفًا مثل جبهة النصرة، ونقلت أسلحة لجماعات أخرى.

وفى الوقت نفسه، بدأ تنظيم «داعش» فى الظهور، وبعدما كبر انضمت عناصر من الجيش السورى الحر لصفوفه، فضلًا عن الآخرين من جبهة النصرة، ووصفهم حينها أحمد داوود أوغلو، مهندس سياسة «صفر مشاكل» الخارجية، بأنهم «مجموعة من الشبان الغاضبين»، وهذا التقليل الكبير من قضيتهم وقدراتهم هو الخطيئة الثانية، ما أدى إلى استحواذ داعش، فى العام نفسه، على القنصلية التركية فى الموصل، واحتجازه ٤٩ رهينة تركياً، ولم يفرج عنهم سوى بعد ١٠١ يوم، وكشفت صحيفة تركية فى ٢٠١٥ أن أنقرة تنقل الأسلحة إلى داعش.

أما الخطيئة الثالثة فهى عدم تشديد الرقابة التركية على حدودها الجنوبية حتى قرب نهاية ٢٠١٥، وكان داعش انتشر بالفعل فى سوريا وجنوب شرق تركيا، وباتت مدينة أديامان معقلًا لمتشددى داعش، وتشير التقارير إلى أن ٢ على الأقل من الهجمات الإرهابية التى وقعت فى تركيا العام الماضى يمكن إرجاعها إلى هذا المحور.

وبحلول أغسطس ٢٠١٤، أدرك المجتمع الدولى خطورة فراغ السلطة فى سوريا، ودوره فى تسهيل انتشار الإرهاب، ورغم أن الولايات المتحدة كانت مترددة فى البداية لقيادة الجهود العالمية لوقف داعش، فإنها قررت فيما بعد أن تأخذ زمام المبادرة، الأمر الذى كشف أن أولويات تركيا تختلف مع تلك الخاصة بإدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، وتعتبر الولايات المتحدة الأكراد بمثابة وكيلها القوى لمكافحة داعش، فى حين تعتبرهم تركيا تهديداً لأمنها القومى، وارتكبت أنقرة الخطيئة الرابعة، بالمشاركة فى الضربات الجوية ضد الأكراد شمال سوريا فى أكتوبر ٢٠١٤، وأثار سلوك تركيا أسئلة حول استعدادها لوقف نشاط داعش، مما يقوّض مصداقيتها فى منظمة حلف شمال الأطلسى، وكذلك فى واشنطن، وهذه هى الخطيئة الخامسة.

وبحلول الوقت، تدخلت روسيا لمساندة النظام السورى، وكانت تركيا فى ذلك الوقت تحارب مزاعم تقديمها الدعم المادى لداعش، بما فى ذلك شراؤها النفط منه، وعندما أسقطت تركيا طائرة روسية، وهى الخطيئة السادسة، وبذلك أصبحت البلاد على قائمة المجتمع الدولى السوداء، حيث بات يُنظر إليها على أنها تغض الطرف عن أعمال المتطرفين الإسلاميين فى حديقتها الخلفية.

ترجمة- فاطمة زيدان نقلاً عن مجلة «ذا نيو ريبابليك» الأمريكية

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية