x

ثالثة «ثانوى عام» أولى «تظاهر»: «جايين نصلّح منظومة»

الأحد 03-07-2016 12:49 | كتب: آلاء عثمان, مي هشام |
وقفة احتجاجية لعدد من طلاب الثانوية العامة أمام مقر وزارة التربية والتعليم، للتنديد بصعوبة امتحان الفيزياء وللمطالبة بإقالة الوزير، 13 يونيو 2016. - صورة أرشيفية وقفة احتجاجية لعدد من طلاب الثانوية العامة أمام مقر وزارة التربية والتعليم، للتنديد بصعوبة امتحان الفيزياء وللمطالبة بإقالة الوزير، 13 يونيو 2016. - صورة أرشيفية تصوير : حازم عبد الحميد

بعد ساعات معدودة من قرار وزير التعليم بتأجيل عدد من اختبارات الثانوية للأسبوع الأول من شهر يوليو، فضلاً عن إعادة اختبار الديناميكا لشُعبة «علمى رياضة»، اجتمع آلاف الطلاب بأحد منصات التواصل الاجتماعى الافتراضية، «إيفينت» على موقع «فيس بوك»، يحثون بعضهم البعض من خلاله على التظاهر والاحتجاج على القرارات فى اليوم الثانى على التوالى، وأمام ديوان الوزارة بشارع الفلكى.

وعلى عكس المألوف عن موسم الامتحانات المُزدحم بحصص المُراجعة النهائية وقراءة «ملازم» المُراجعات مرة تلو الأخرى بلا توقف، ترك الطلاب هذه المرة منازلهم، وأحلام الدرجات النهائية، واتجهوا للشارع فى سبيل عرض قائمة من المطالب العاجلة، أبرزها إقالة وزير التعليم، وعدم إعادة امتحان الديناميكا مرة أخرى، ووقف تسريب الأوراق الامتحانية حفاظًا على جهودهم ومُراعاة تنسيق القبول بالجامعات.

«دفعة الظلم» وتُعرف رسميًا بدفعة 2016 كسرت بذلك الصورة النمطية والمُعتادة لطالب الثانوية المُنكب على دروسه، لتصنع صورة جديدة لطالب يعبر عن غضبه بغير تردد ويكسر حظر التجوال إبان وقت الامتحان ليلتحم بزملائه فى سبيل نيل مطالب لا يفلح معها «التمنى».

قبل عدة أيام، وتحديدًا فى 27 من يونيو، حرصت «منة» على التواجد فى مُحيط الوزارة برفقة صديقات ومئات الزملاء فى الدراسة والمُعاناة، وانشغلت بأعمال التنسيق، وتدخلت فى جدال جانبى مع أحد الزملاء بشأن جدوى الاعتصام، تراه منة غير عملى، ويراه الزميل الذى كانت قد تعرفت إليه لتوها ضرورة حتمية فى سبيل التغيير، ويقول الشاب بحماس: «أنا مش جاى هنا علشان امتحان الديناميكا، أنا جاى علشان نصلح منظومة التعليم كلها».

لم تأتِ «منة» احتجاجًا على إلغاء امتحان الديناميكا، لكن جاءت فى تضامن غير مشروط لزملائها فى شعبة «علمى رياضة»، فالفتاة تنتمى لشعبة «علمى علوم»، وتترقب مع الأيام القليلة القادمة أداء امتحان «الجيولوجيا» بعد تأجيله، وأكثر ما يؤرقها هو إمكانية تحصل بعض الطلاب على نسخ من الامتحان ليقوموا بحلها دون أدنى مجهود فيما تذهب مُثابرتها وعملها طوال عام كامل هباءً.

وتدرس منة فى إحدى مدارس «اللغات» ما يجعل مصروفاتها الدراسية وحتى قيمة ما تتلقاه من دروس خصوصية أعلى من المدارس الأخرى، ولذا تضع جهود ذويها فى توفير ما تطلبته دراستها من أموال طوال عام كامل فى عين الاعتبار: «لو الحصة فى الدروس العادية بـ50 جنيها، الحصة فى اللغات بـ100 أو 150 جنيها»، وتُخلص لاستنتاج يائس أثناء انتقالها فى مسيرة من مُحيط الوزارة إلى مجلس الشعب: «لازم يكون فيه حل.. أو كانوا أهلى وفروا فلوس الدروس طول السنة واشتروا الامتحانات أسهل».

على مشارف ميدان التحرير، شهدت «منة» اشتباكات ما بين الطلاب وقوات الأمن أثناء محاولتهم الوصول لمجلس الشعب لرفع مطالبهم، إلا أنها أدت لوزارة التعليم مُحتفظة بقائمة الاحتجاجات ذاتها، وشهدت اشتباكات أخرى مع قوات الأمن: «إحنا اتهزأنا واتضربنا واتشتمنا بأهالينا علشان بنحاول نوصل صوتنا للمسؤول وبنطالب بحقنا»، ورغم تعرضها للملاحقة أثناء المواجهات، إلا أنها تنتوى التظاهر مرة أخرى إذا تطلب الأمر، لرفع مطلب أوحد «اللى غش ما يبقاش زى اللى هو أهله بقالها 11 شهر فى دوامة الثانوية العامة».

سُندس إبراهيم، طالبة بالثانوية العامة، بالشُعبة الرياضية، حضرت إلى وقفة نقابة الصحفيين وحدها، وأهلها على علم أنها هُناك، ويوالونها بالاتصالات التليفونية من الحين للآخر للاطمئنان على سلامتها، فيما لا يستعجلونها بالعودة إلى المنزل، تنقِل سُندُس عن والدتها أنها قالت: «أنا عارفة إنك حاسة إنك مظلومة، انزلى يا بنتى بدل ما تموتى»، ورغم أن والدتها دعمت نُزولها مع أقرانها، إلا أن سُندس أعفت والدتها من مهمّة مُصاحبتها إلى مكان لم تزُره من قبل، مُعللة: «خُفت عليها من الضرب ومن الوقفة».

تشعُر سُندُس أنها طرف فى معركة لا ناقة لها فيها، ولا جمل، تحدد طالبة طرفى المعركة بدقة «الوزير بيتحدى شاومينج، وشاومينج بيتحدّى الوزير، والطلبة اتداسوا فى النُص»، ولهذا فضّلت الوقوف أمام نقابة الصحفيين لإبراء ساحتها من هذه المعركة غير المُجدية جنبًا إلى جنب مع زملائها الذين لم تزاملهم من قبل على مقعدٍ مدرسى، أو فى حصة مراجعة بأحد مراكز الدروس الخصوصيّة، وإنما عرفتهم عن طريق إيفنت «دُفعة الظُلم» على موقع التواصُل الاجتماعى «فيسبوك».

لم تكن وقفة سُندس أمام الوزارة هى الأولى من بداية أزمة الثانوية، وعلى حداثة سنها، تعرضت لمواقِف ليس مألوفًا لصغيرة فى عُمرها أن تتعرض لها: «نزلنا وقفنا قبل كِدة قُدام وزارة التعليم، وواحِد من القوات الخاصة شتمنى، وواحِد تانى شوفته بيأمُر بضربي».
قالت سُندس إنها تُشفق على والديها من الدروس الخصوصية، لكنها تعرِف جيدًا مُبرراتهم: «بيقولوا خُدى فلوس للدروس بدل مايدفعوا فلوس على المصحّات والدكاترة عشان الضغط اللى أنا فيه».

رضوى، إحدى طالِبات الشُعبة العلمية، لا تُريد أن تتزحزح عن سُلم نقابة الصحفيين قبل أن يتم التجاوُب مع المُظاهرة، تقول: «لو مشيت مش هعرف أرجع تانى، ولو روّحت أهلى مش هينزلونى، يا ريت اعتصام».

تمتلك رضوى رؤية أكثر منطقية ووضوح عن جدوى الوقفة الاحتجاجية، فرغم تعسُف قرار التأجيل، إلا أنها تعرِف أنه أصبح ساريًا لا سبيل للتراجُع فيه، لكنها تُشفق على زملائها فى الشُعبة الرياضية من امتحان مُعاد وتعتبر التراجُع فى قرار الإعادة ضروريًا، غير أنها تضع مطلبًا آخر على رأس أولوياتها «الوزير ده لازم يتشال، مش قادِر يحمى الامتحان قاعِد ليه».

لم يُمهِل رجال الأمن رضوى وقتًا أطول من عشر دقائق، بعدما تمنّت أن تتحول الوقفة لاعتصام، تضافَر فيه زُملاء الوقفة لإثنائها عن البقاء، مع رجال الأمن، لتنزل عن سُلم النقابة أخيرًا وسط الزملاء المتبقين.

على سلم نقابة الصحفيين تدور حملات نقاشيّة مُصغّرة، وانقسم الطُلاب ما بين راغِب فى الرحيل وراغِب فى البقاء، تتجلّى مصادر هوس الطُلاب من أداء الوزارة غير المُتوقّع، ويسرد الطالب كيرلُس جرجس، طالب من الشعبة الرياضيّة، جانبًا من مخاوف الطُلاب: «الامتحانات الجايّة برضو هتتسرّب كده كده، وفى إشاعات بتقول إن الوزير ناوى يعيد السنة كامِلة».

وسط أصدقائهم، ينتقل محمود عبدالله ونور داود بشكل شبه يومى ما بين القاهرة والمحلة الكُبرى، ساعات تُفنى فى المواصلات العامة، إضافة للزمن المُخصص للتظاهر أمام ديوان الوزارة، يعقبها عودة سريعة للمنزل يقضيها الطلاب فى مُراجعة لا بأس بها لموادهم الدراسية: «ساعتين بتركيز»، يصف «محمود» نصيب الاستذكار من يومه، بعدما قرر الانضمام بشكل دائم للتظاهرات المُحتجة على قرار إلغاء وتأجيل امتحانات الثانوية.

«كان المفروض نخلص يوم 28 بعد إلغاء الدين بقى 29، بالمنظر دا كدا امتحاناتى ممكن تطول لبعد العيد»، يُبرز نور الطالب بشعبة «علمى علوم» استياءه من مبدأ التأجيل، خاصة مع ترامى شائعات لمسامعه تُفيد احتمالية إلغاء امتحانى اللغة الفرنسية والاقتصاد أُسوة بالديناميكا بسبب التسريب، إلا أن ما آثار جل مخاوفه ورفاقه، ليعزموا على القدوم بصفة شبه يومية من المحلة للقاهرة هى شائعة أخرى تُفيد باحتمالية إلغاء العام الدراسى كاملا وخلق «سنة مزدوجة» من العام الدراسى المُقبل.

يستعجب محمود الطالب بشعبة «علمى رياضة» من سر تمسك الوزير بقراره رغم الاحتجاجات: «همه اللى بيسربوا الامتحانات علشان يعملوا اشتغالة فى البلد».
الطالِب أحمد منصور يمتلِك هدوءًا ويقينًا أن موقِف وزارة التعليم لن يتعدى التجاهُل، فضلاً عن التصريحات المستفِزة، فيما سيُترك التعامل مع الحراك الطُلابى برُمته لوزارة الداخلية.

يقول منصور: «أغمى علىّ فى أحد الامتحانات، ولمّا فقت المراقب سحب منى الورقة، ومارضيش يدينى وقتى»، يستدِل منصور بتعامُل وزارة التعليم مع شكواه التى تقدّم بها تجاه لجنة النظام والمراقبة، والتى تجاهلتها تمامًا حتى اللحظة، بموقفها من احتجاجات الطُلاب، ولذلك لا ينتوى أن يتمدد تضامنه مع زملائه لأكثر من الوقفة كأن يعتصم مثلاً: «عندى تمرين بالليل، أنا لاعب كرة على فكرة فى نادى الداخلية»، ليُفارِق طالب الثانوى الرياضىّ الوقفة باسمًا.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية