عزيزى نيوتن
اعذرنى إن كنت أتطفل على مقالك اليومى كل فترة، وعذرى فى هذا لسببين:
أولاً: لأنك كاتب هاو ولا ترتزق من عمودك كما يبدو لى، بدليل أنك عازف عن ذكر اسمك الحقيقى حتى الآن، وبالتالى لن يضيرك ولن يقلل من شأنك أن تذكر رأياً آخر.
ثانياً: لأنك كاتب مستفز، أعنى مستفز للتفكير، فأنت لا تحب الحلول التقليدية وتفضّل التفكير خارج الصندوق، كما أنك حالم وأظن أنى أشترك معك فى شىء من هذا، وأما ما استفزنى فهو ما نشرته من فترة بسيطة عن تخيلك لما قد يحدث لو عُرض عليك أن تكون وزيراً فى حكومة مصر، واخترت فيما اخترت السياحة والبيئة فيما أذكر.
استفزتنى الفكرة، وقررت أن أعمل مثلك وأتخيل نفسى فى موقف مشابه وقد عرضت علىّ وزارة قريبة إلى عملى كالتعليم أو الصحة، ماذا أقول لرئيس الوزراء بطريقتك. سيدى إذا أتيت بى إلى الوزارة فسأفعل كذا وكذا وكذا، فهل هذا يرضيك؟ هل هو يتفق مع سياسة حكومتك وتوجهاتها؟ ولكنى حين أعدت التفكير وجدت أن هذا ما سأقول له: سيدى رئيس الوزراء، أشكر لك ثقتك فىّ ولكن طالما أنك وضعت ثقتك فىّ فسأطلب منك طلبين:
أولاً: أن تُمهلنى ثلاثة أشهر، ثانياً: أن تتيح لى كل ما أحتاجه من معلومات قبل أن أضع لك تصورى عن خطتى لتطوير هذه الوزارة، وصلت لهذه النتيجة بعدما قررت أن أى رؤية أو تصور ستظل حلماً حتى تصطدم بالواقع، وأعطيك مثالاً:
سأفترض أن رئيس الوزراء قد عرض علىّ وزارة التعليم، سأطلب منه أن يمدنى بمعلومات موثقة عن حال الأبنية التعليمية ومدى استيعابها لأعداد الطلاب وسأطلب منه معلومات موثقة عن حال المعلم وكفاءته وتدريبه وكذلك توجهاته، وسأطلب منه دراسات عن حالة المناهج، وسأطلب منه دراسات موثقة عن مستوى خريج الثانوية العامة ومدى قدرته على التعامل مباشرة مع سوق العمل، سأطلب منه دراسات مفصلة مماثلة عن حال التعليم الفنى، سأطلب معلومات كافية عن ميزانية الوزارة وفرص زيادتها، سأطلب دراسات مقارنة بين ثلاث دول، واحدة متقدّمة وواحدة كانت فى ظروفنا وتطورت، وثالثة فى مثل حالنا، وسأطلب مقارنات بين حال التعليم الآن وحاله فى الثلاثين سنة الماضية، وكذا تجارب الوزراء السابقين، سأطلب دراسات عن معوقات الإصلاح مثل مافيا الدروس الخصوصية والكتب الخارجية، سأطلب كل ذلك وغيره، وفى النهاية سأضع له تصوراً عن كيفية إصلاح التعليم، ربما وضعت له تصوراً للإصلاح التدريجى على مدار عدة سنوات، وربما وضعت تصوراً خارج الصندوق يتعلق بطريقة التعليم أو الامتحان، وربما كان الحل فى تصور يمزج بين الاثنين، ويمكن لمتخذ القرار بعدها أن ينظر فى التصور وربما فى تصورات أخرى ليقرر أيها يتفق مع سياسة حكومته وإمكاناتها. ما رأيك فى هذا الاقتراح؟ هل تراه غير معقول أو غير قابل للتنفيذ؟ هل تراه شطحة؟
دكتور محمد مختار شعبان
أستاذ أمراض النساء والولادة بكلية الطب جامعة قناة السويس