تفاقمت خلال السنوات الأخيرة- التى ترافقت مع ثورات الربيع العربى وظهور تنظيم داعش وتطور تنظيم القاعدة- حدة الأزمات التى يواجهها المسلمون فى مختلف دول القارة الأوروبية. وقد بدا واضحاً أن هذا الطرح المكثف والمتواصل لما يسمى «مشكلة المسلمين فى أوروبا» لم يبدأ بهذه الطريقة الملحة سوى مع هجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن، والتى أثارت عواصف من الشكوك الغربية والأوروبية حول كل المسلمين أفراداً وجاليات، باعتبارهم إما «إرهابيين» مكتملين وإما مشاريع «إرهابيين» يهددون أمن واستقرار الدول والمجتمعات التى يقيمون فيها. وقد تضاعفت هذه الشكوك مؤخراً بفعل العمليات الإرهابية الكبيرة المتعاقبة فى دول أوروبية، والتى قامت بها مجموعات إرهابية تنتمى إما لداعش أو للقاعدة. وقد زادت من هذه الشكوك حملات منظمة من جهات عديدة ذات مصلحة فى إعادة طرح قضية الوجود الإسلامى فى المجتمعات الغربية على وجه العموم، وبالأخص فى القارة الأوروبية، سعياً من أصحابها للتخلص من الجاليات المسلمة المقيمة هناك.
وبذلك، وجد المسلمون فى مختلف بلدان القارة الأوروبية، سواء كانوا مهاجرين أو مواطنين أصليين، أنفسهم موضوعاً لحوار عام واسع فيها، يقدمهم باعتبارهم «مشكلة»، يبحث أهل تلك البلدان وحكومتها عن حل لها. وبالرغم من أن قضية دمج هؤلاء المسلمين فى مجتمعات تلك البلدان كانت دوماً مُثارة فيها منذ سنوات طويلة، باعتبارها ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية، فقد تحولت تلك القضية خلال السنوات والشهور الأخيرة إلى محض قضية «أمنية» تبحث أجهزة الأمن والاستخبارات عن حلول لها، فلم يعد خافياً التوجس الذى بات يميز كل الأجهزة الأمنية الأوروبية تجاه المسلمين المقيمين فى بلدانها، ولا التشريعات القانونية والإجراءات الأمنية والإدارية، التى اتُّخذت لمواجهة الإرهاب ووُجهت بصورة مباشرة إلى هؤلاء المسلمين. ولم يعد خافياً أيضاً الحجم الهائل من البث الإعلامى الذى يقدم هؤلاء المسلمين كخطر حالى أو محتمل على أمن المجتمعات الأوروبية ومدى تأثيره على الرأى العام فيها وتوجيهه نحو مزيد من الشك فيهم والعداء لهم.. ساهم كل ذلك فى أن تتخذ قضية التعامل مع المسلمين ودمجهم فى المجتمعات الأوروبية وحل مشكلات هذا الدمج توجهاً أمنياً واضحاً، تمثل فى السياسات الوطنية التى تتخذها كل دولة أوروبية على حدة إزاءهم، أو فى السياسات المشتركة فيما بينها لمواجهة خطر الإرهاب، فقد اجتمعت معظم دول القارة الأوروبية، على اختلاف طبيعة وعدد المسلمين فى كل منها، على التعاون فيما بينها فيما يخص الملفات الأمنية لهؤلاء المسلمين وما يمكن أن يمثلونه من «تهديد» لأمنها، فى حين ظلت سياسات كل من تلك الدول لا علاقة لها بالأخرى فيما يخص قضية الدمج بكل أبعادها ومشكلاتها. اتفق الأوروبيون على القول بأن المسلمين قد أصبحوا يمثلون أبرز وأهم الجاليات الدينية والأجنبية والثقافية فى القارة، خاصة فى دول الاتحاد الأوروبى، وراحوا يتعاملون معهم باعتبارهم كتلة واحدة على المستوى الأمنى. أما فيما يخص قضية الدمج بكل أبعادها ومشكلاتها فقد ظلت موضوعاً لسياسات متنوعة تصل أحياناً لحد الاختلاف بين الحكومات الأوروبية، ولم تَسْعَ أيها فى أى وقت سواء ضمن الاتحاد الأوروبى أو خارجه لتطوير سياسة موحدة أو مشتركة لتحقيق ذلك الدمج وحل مشكلاته المعقدة.
إن التعاون الأوروبى الوثيق على الصعيد الأمنى لمواجهة مخاطر الإرهاب والتهديد يُعد أمراً منطقياً، ولا يستطيع أحد أن يطالب بإيقافه أو التقليل من أهميته، إلا أنه فى الوقت نفسه لا يمكن تجاهل الصمت الأوروبى الحكومى، خاصة بين دول الاتحاد الأوروبى، عن التوجه نحو صياغة استراتيجية مشتركة فيما بينها من أجل حل قضية دمج المسلمين بكل أبعادها ومشكلاتها. وإذا كانت السياسات الأمنية المشتركة بين الدول الأوروبية هى شأن رسمى وفنى يتعلق فقط بأجهزة ومؤسسات حكومية، فإن وضع مثل تلك الاستراتيجية الأوروبية المشتركة لدمج المسلمين يحتاج إلى تعاون وثيق بين تلك الأجهزة والمؤسسات وبين مسلمى أوروبا أنفسهم بكل هيئاتهم الدينية والمدنية والاجتماعية. والقول بضرورة إشراك هؤلاء المسلمين فى صياغة استراتيجية الدمج لا يُقصد منه انصياع الحكومات الأوروبية لشروطهم، بل لأن ذلك هو السبيل الوحيد لوضع استراتيجية قادرة على تلبية همومهم ومشكلاتهم والضمان الرئيسى لتطبيقها بصورة فاعلة فى الواقع العملى.