x

اخبار وليد شقير يكتب: الهدف الإقليمي من توريط لبنان اخبار الجمعة 01-07-2016 20:11


يعود لبنان إلى الانخراط مجدداً فى تداعيات الأزمة السورية على أرضه وأمنه وسياسة قواه الحزبية والطائفية متعارضة المواقف من هذه الأزمة، وعلى علاقة سلطاته بالنازحين السوريين.

وإذا كانت بلدة القاع الحدودية قد دفعت ثمن فيض الانتحاريين من «داعش» خارج الحدود السورية، رداً على تطهير الفلوجة العراقية ومنبج السورية منه، وتكثيف القصف على الرقة، ومحاولة استعادة معبر البوكمال، (على الرغم من فشلها)، فإن هذا الفيض بلغ تركيا والأردن، وقبلها أورلاندو فى ولاية فلوريدا الأمريكية، وهو مرشح لأن يبلغ أوروبا، التى تستنفر أجهزتها الأمنية لمواجهة الاحتمالات الداهمة التى تنتظرها.

على الرغم من هول الجريمة على البلدة الوادعة فى أقصى البقاع الشمالى الشرقى، فإن الارتباك لدى الطبقة السياسية اللبنانية طغى على ذلك الذى فرض نفسه فى القاع، بين الدعوة إلى التسلح وقيام أمن ذاتى، وترك حفظ الأمن للجيش، الذى سارع إلى تدابيره التى تُغنى عن قيام «حشد شعبى» فى المنطقة، أو «شبيحة» يتولون الدفاع عنها.

وإذا كان لابد من خطة جديدة للقوات المسلحة اللبنانية وأجهزة الأمن للتعاطى مع هذا الفيض الجديد لانتحاريى «داعش» فى المرحلة المقبلة، فإن ما لا يحتاجه لبنان هو أن يندفع إلى سياسات تزيد من ارتباط أمنه بالوضع السورى الداخلى، عن طريق مطالبة الجيش اللبنانى بالهجوم على مواقع المسلحين «الداعشيين» فى الجرود البقاعية، بالتعاون مع الجيش السورى النظامى، فأكثر الخطوات أذية أن يواجه الفيض الإرهابى من الداخل السورى بفيض لبنانى من الأرض اللبنانية نحو الأرض السورية (أو تلك الهضاب المتداخلة بين البلدين)، مثلما يفعل «حزب الله» منذ عام 2013، حين جعل الحدود مفتوحة مع سوريا ليشارك فى الحرب الداخلية التى أخذتها إلى الدمار والتفتيت، وهو ما تحمّل لبنان تداعياته السلبية من اقتصاده وأمنه واستقرار مؤسساته، وصولاً إلى ربط ملء الشغور الرئاسى فيه بالضمانات للحزب لتشريع انغماسه فى الصراع الإقليمى الدولى على بلاد الشام، فالمعادلة الإقليمية- الدولية التى أقحم الحزب نفسه فيها، ومعه لبنان، لا تتيح للبلد الصغير أن يقفز إلى حلبتها التى يديرها الكبار، الذين يمكنهم امتصاص الإخفاقات والخيبات أو توظيف النجاحات، لأن دولهم تحكمها مؤسسات متينة وأنظمة سياسية تحفظ نسيجها الاجتماعى مهما كان معقداً. وبمعنى آخر، فإن خسائر «حزب الله» البشرية والعسكرية والسياسية جراء التورط فى المحرقة السورية تُحتسب فى خانة إيران، التى قد تكون قادرة على استيعابها أو على التعويض عنها فى ساحة إقليمية أخرى، أو على قلبها، وليس فى خانة الحزب. لكن خسارة الجيش اللبنانى من الانخراط فى المحرقة السورية ستُحتسب على لبنان وعلى نسيجه الطائفى الهش المهدَّد فى كل لحظة بالانفراط، لولا وجود ذلك القرار الدولى والإقليمى بالحفاظ عليه.

وإذا كانت دول أكثر تماسكاً لديها جيوش أقوى وأكثر فعالية قد امتنعت عن الانخراط فى سوريا، مثل الجيشين الأردنى والتركى، بفعل المعادلة الإقليمية الدولية، فأين الحكمة من دفع لبنان الرسمى إلى ذلك؟

تزداد أسباب الخشية من التهور فى هذا المجال، لأن فيض الانتحاريين يتزامن مع تغييرات فى الخريطة الجيوسياسية المحيطة بالمحرقة السورية، وأحدثها تطبيع العلاقات التركية- الإسرائيلية والعلاقات التركية- الروسية.

وإذا كان «حزب الله» يستخدم مأساة القاع الجريحة من أجل دفع حكومته إلى الانحياز إلى حكم بشار الأسد وانتزاع الاعتراف بنظامه، فإنه كمَن يدعو إلى أن يحشر لبنان رأسه بين الرؤوس من دون امتلاكه قدرات الدول التى تخوض المناورات والمغامرات والتغييرات فى توجهاتها.

تكفى مراقبة مفاعيل أهداف حركة رجب طيب أردوغان حيال إسرائيل وروسيا، وإصرار الأخيرة على منع إيران من إحداث أى تغيير جديد فى موازين القوى على الأرض السورية (احتلال حلب)، نتيجة اتفاقها مع أمريكا على قدر من التوازن يسمح بالعودة إلى الحل السياسى. ويكفى النظر إلى ما أتاحته الخطوات التركية الأخيرة لأنقرة من موقع أفضل فى الحلبة السورية، وفى علاقتها مع أوروبا وموسكو، مقابل الموقع الإيرانى، للتوجس من أى مغامرة تجعل لبنان جزءاً من محور.

مع صحة الترجيحات بأن المجتمع الدولى يتجه إلى محاربة «داعش» بجدية أكبر، فإن حصة لبنان من هذه الحرب هى حماية حدوده، المفتوح جزء منها لحساب «حزب الله»، وكذلك حماية الداخل. ولا تشير وقائع الميدان السورى إلى أن نظام الأسد، الذى اشترك فى صنع «داعش»، يقوم بقسطه منها.

ملاحظة أخيرة: لبنان عضو فى التحالف الدولى لمحاربة «داعش»، وانخراطه فى عمليات عسكرية كبرى على الحدود يتطلب تنسيقاً مع هذا التحالف، وقراراً يبدأ فى واشنطن ولا ينتهى فى موسكو.

*نقلا عن صحيفة «الحياة» اللندنية

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية