x

أيمن الجندي الكلمة تزن طناً أيمن الجندي الجمعة 01-07-2016 20:30


هذه أغنية مقتبسة من أشعار التبريزى والرومى تعبر عن لقائهما الأول. الأشعار بالطبع مترجمة من اللغة الفارسية، وقد اجتهدت للوصول إلى أفضل ترجمة للمعنى. تستطيع سماعها هنا:

https://goo.gl/LO7cMo

بالقطع لن يكون حوارهما مشابها لكلامنا العادى. نحن نتحدث عن الواحد فى المليار بين البشر بلا مبالغة.

■ ■ ■

كما أسلفنا فإن الرومى كان أشهر فقهاء عصره. لكنه فى داخله كان يشعر بالغربة. بشىء ناقص لم يكتمل داخله. إنه يحب الله تعالى بلا ريب ولكنه لم يصل بعد. هناك شىء يمنعه من أن يسلم نفسه بالكامل. أهى عتامة الجسد؟ أم شهوات النفس التى تريد السيادة والمديح؟

وبرغم أنه يبدو للناس مكتملا، فإنه الوحيد الذى يشعر بالنقص.

فى هذه اللحظة يبزغ التبريزى فى حياته. حديثه أشبه بالطلاسم. يقول له: «فى كل لحظة العالم يتجدد..

ونحن لا ندرك هذه التغيرات..

المصطفى قال إن الدنيا مجرد ساعة

أنا خبرت الأمر: الحياة هى الموت

لكن حين تنتهى الحياة تبدأ الأبدية».

■ ■ ■

إن التبريزى يعتبر الحياة بمثابة الموت. أما الحياة الحقيقية فتبدأ مع الموت. ولعله يعنى قول المصطفى (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا). وكأنما أجسادنا حجاب بين الروح وخالقها.

الرومى فهم الرمز. لأنه قال على الفور (من أنت؟ قطرة من خمر السموات؟).

يواصل التبريزى: «هذه الدنيا سجن ونحن المساجين..

احفر سجنك واعتق ذاتك..

الإنسان مخفى وراء الكلام..

هذا اللسان حجاب على بوابة الروح..

ترى السهم والقوس محجوب»

■ ■ ■

لم أكن مبالغا حين قلت إن الكلمة تزن طنا من المعانى الجليلة. هذه الدنيا سجن يريدان أن يتحررا منه ويلتحقان ببساتين الروح. لكن الروح محبوسة وموعد إطلاقها بإذن خالقها. لذلك ليس أمام الرومى إلا أن يحفر سجنه فيعتق ذاته. كيف يحفر الرومى سجنه؟ بأن يتخلص من شهوات الدنيا! بأن يتساوى لديه المديح والسباب! بأن يسلم ذاته بالكلية لمحبوبه الأكبر! وقتها يكون قد أعتق نفسه.

يواصل التبريزى معارفه الروحية: «هذا اللسان حجاب على بوابة الروح». اللسان الذى يتكلم فى غير محبة الله، هو فى الحقيقة يسدل حجابا كثيفا على الروح المتوهجة.

ثم يباغتنا التبريزى بصورة شعرية مبهرة: «ترى السهم، والقوس محجوب».

إن مائة صفحة لا تكفى لبيان روعة هذا البيت الكثيف المختصر. السهم يشق الهواء. هل يعنى سهم المحبة؟ أم سهم القدر؟ أيا كان ما يعنيه فإننا لا نرى القوس الذى أطلقه! فهل يرمز به لإرادة الله المحتجبة؟

■ ■ ■

«فى العشق السليمانى أرافق الطيور»

انظر إلى تركيبة الجملة. سليمان عليه السلام علّمه ربه لغة الطير. التبريزى المدهش يعبر عن ذلك العلم بـ(العشق السليمانى)، لأنه لا شىء سوى العشق يجعلك تفهم منطق الطير.

«أنا أعشق الحور ومسخر لهم كذلك.

أى أحد شبيه للحور أحمله وأدخله البللور.

اقرأ عليه الطلسم وأعطره بالمبخرة»

■ ■ ■

الحور كائنات نورانية تسكن الجنة. لكن يوجد- والكلام على عهدة التبريزى- كائنات شبيهة على الأرض. ولعل يقصد الرومى الذى استشف فيه النور الإلهى! وما ينوى التبريزى صنعه أنه سيتعهده بالمعارف الروحية حتى تصبح روحه نقية شفافة. يفعل ذلك بالقدرة التى أودعها الله فيه. يقرأ عليه الطلسم (أسراره الروحية) ويعطره بالمبخرة (ذكر الله). كيف يفعل ذلك؟ هذا ما اختص به الله التبريزى الغامض.

■ ■ ■

ألم أقل لكم إن الكلمة تزن طنا؟

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية