قال الدكتور أحمد الطيب ،شيخ الأزهر، إنَّ احتفالَ المسلمين بليلةِ القَدْرِ من شهر رمضانَ المبارَك- هو احتفالٌ بحَدَثٍ تاريخيٍّ بالغِ الأهمية والخَطر في مسيرة الإنسانية، بل في مسيرة الكون كله، هذا الحدَثُ هو نزولُ القرآن الكريم، أو بدءُ نزولِه على نبيِّ الإسلام: محمد صلى الله عليه وسلم، ليبلِّغَه للناس، ويُرشِدُهُم به إلى اعتقادِ الحقِّ وعمَلِ الخير، ويخرجِهُم به من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط مستقيم.
وأضاف شيخ الأزهر في كلمته اليوم الأربعاء بمناسبة الاحتفال بليلة القدر بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى: هذا القرآن الكريم الذي نحتفل اليوم بذكرى نزولِه إلى دنيا الناس- قدَّم للإنسانية، خلالَ فترة زمنية بالغةِ القِصَرِ، أمَّةً عظيمة، وحضارةً كبرى قادها رسولُ الإسلام سيِّدُنا محمدٌ صلوات الله وسلامه عليه، وأصحابُه ثم أتباعُه من بَعْدِه، واستطاعت هذه الأمَّة أن تزاحِمَ بمَنكِبَيها أعتى إمبراطوريَّتينِ استعماريَّتينِ عرفَهُما التاريخ في ذلِكُم الوقت، وهما: إمبراطورية الفرس وامبرطورية الروم، ولم تنقض على خروجه صلى الله عليه وسلم من الدنيا ثماني سنواتٍ، حتى انهارت إمبراطورية فارس في حرب القادسيَّة، وانمحت مِن على وجه الأرضِ، ولم تقُم لها قائمة حتى يوم الناس هذا.
وقال: انطلاقًا من مرجعية الأزهر الدينية والوطنية التي عرَفَها له التاريخ قديمًا وحديثًا- أدعو شعبَ مصر العزيز، وهو يَستذكِر غدًا ثورةَ الثلاثين من يونيو، تلكم الثورة التي جمعت مصر والمصريين على قلب رجل واحد من أجل تحقيق إرادتهم الحاسمة في الانتقال بالوطن إلى مستقبل أفضلَ وتاريخٍ جديدٍ – أدعوكُم إلى نبذ كلِّ ما يؤدِّي إلى الفُرقةِ والاختلاف، وإلى التفرغ الكامل لبناء هذا الوطن الذي يَحتاجُ إلى سواعِدِكُم، والذي سوف تُسألون أمام الله تعالى عمّا فعلتم به، وما ذا قدمتم له من تضحيات، وما بذلتم في سبيل رُقِيِّه من جهود. وأضاف: كما أدعوكم – أيها المصريون- إلى التلاحُم والتكاتُف من أجل إغلاقِ الأبوابِ وسدِّها في وجوه مُثيري الفِتَن والشِّقاق والعَبَث بالوطنِ، وأن تكونوا عوناً وسَنَدًا لولاة الأمور في جهودهم المخلصة في كلِّ ما يحقق المصلحة والمنفعة لمصر والمصريين.
وأشار إلى أن هذه الأمة لم تبلغ ما بلَغته من احترام في كتابات المؤرِّخين المنصفين، إلا بسبب هذا القرآن الذي طَبَّقَت منهجَه في دعوة الأمَم إلى الإسلام، والتزمَت بفِقْهِه وشريعته السَّمحة، هذا المنهجُ الذي حدَّده الله تعالى تحديدًا حاسمًا في قوله سبحانه: ﴿ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ {النحل: 125}. وقال: وليس لأحد ولا لجماعة ولا لطائفة مؤمنة أو غير مؤمنة، أن تتزيَّد على هذه الوسائل التوقيفية في الدعوة إلى الله تعالى؛ بتلفيقات أو توفيقات مزَيَّفة مُلغاةٍ، تَصدِمُ هذا النَّصَّ الإلهي المحْكَم، وتُلقي به في مَهَبِّ الرِّيح، ليبتدعوا بعد ذلك مناهج في الدعوةِ تقوم على استحلال الدِّماء، وتُجيزُ سَبيَ الحرائرِ، وتُخرِّبُ العامِرَ، وتنشُرُ الشَّرَّ، وتأتي على الأخضرِ واليابس، متنكِّبين في كلِّ ذلك هَديَ الله ورسولِه، وطريقَ هُداة الأمَّة مِن السَّلف والخَلَف.