x

«يحيى» مراقب الانتخابات: شفت انتهاكات ومخالفات لكن ما شفتش تزوير

الإثنين 29-11-2010 23:26 | كتب: سارة سند |

ببدلة أنيقة سوداء، استعد يحيى محمد خليدى، 21 عاما، للانتخابات. خرج من منزله الجديد بمنطقة السادس من أكتوبر بعد أن نفذ نصيحة أصدقائه من مركز الأندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف بالابتعاد عن ارتداء «الكاجوال»، والاكتفاء بالزى الرسمى الذى يعطى هيبة ووقارا لمهمة «مراقب انتخابات» التى يمارسها يحيى للمرة الأولى فى حياته، واختار أن يراقب فى دائرة المنيل ومصر القديمة بحكم سكنه القديم طبقا لعنوانه فى بطاقته الشخصية.


لم يستمع كثيرا لنصائح والديه بأن ما يفعله لن يغير شيئا، «هيعود عليك بإيه ده يابنى؟» لكنه تذكر طلبهما وإخوته الخمسة «خد بالك من نفسك».


توجه يحيى إلى اللجنة الانتخابية الأولى فى مدرسة الأشراف بالمنيل، صافح القيادات الأمنية الجالسة على بوابة المدرسة وقدم لهم نفسه: «أنا يحيى محمد، من المجتمع المدنى، وجاى أراقب انتخابات النهارده»، وكان رد القيادة الأمنية: «معاك تصريح علشان تراقب، إحنا عندنا معلومات إن فى اتنين أجانب بس هييجوا يراقبوا».


كان يحيى يعتقد أن المراقب يجب أن يعترض أو يصطدم مادام ليس مقتنعا بما يحدث أو يقال، لكنه بعد مشاركته فى برنامج «عين على الانتخابات» عرف أن وظيفته رصد ونقل الأحداث، وتوصيل الانتهاكات للناس، دون اصطدام أو اعتراض على أى قرارات.


امتدت الرحلة لست لجان انتخابية أخرى، لكنه توجه إلى مدرسة على الجارم بصفته ناخبا، واحتاج أكثر من 10 دقائق للعثور على اسمه بين آلاف الأسماء، ليخرج متسائلا «هما ليه ما بيعملوش كشوف الأسامى على الكمبيوتر علشان يبقى البحث أسهل، أنا سمعت ناس بيقولوا إن الحكومة عاملة كده علشان مش عايزانا ننتخب».


رغم اهتمامه بالشأن العام ومراقبة الانتخابات، لم يتابع يحيى أخبار مرشحى دائرته، وامتنع عن التصويت لعدم معرفته بالمرشحين «أكيد مش هنتخب مجدى علام مرشح الحزب الوطنى، لأنه مش بيقابل الأهالى، وحتى موبايل سكرتيره مقفول».


«حاسس إن الانتخابات هادية أوى»، يقولها يحيى بعد خروجه من لجنة انتخابات المعهد الفنى بالمنيل، شوارع خالية لا يقطع صمتها سوى سيارات الدعاية للمرشحين التى تلفت نظره فيرسل رسالة نصية قصيرة يبلغ بها مركز الأندلس بالانتهاكات، «المفروض إن الدعاية ممنوعة يوم الانتخابات»، وبعد أكثر من ساعتين متواصلتين من محاولة مراقبة لجان المنيل، يعرف من مكالمة تليفونية احتمالية وجود «تزوير» فى مدرسة أحمد زويل بمنطقة الفسطاط.


فى مصر القديمة يختلف المشهد جذريا، الضجيج يملأ الشوارع، سيدات ورجال وأطفال ومسنون على نواصى مدرسة النهضة مقر اللجنة الانتخابية، سيارة قديمة عليها صورة مرشح الحزب الوطنى الديمقراطى، يخرج من سماعاتها لحن شعبى مع كلمات أغنية أعدت خصيصا له، أنصار مرشحين يعدون المواطنين علنا بدفع مبالغ تتراوح بين 30 و50 جنيهاً مقابل الصوت، فيقول يحيى «هنا فيه انتخابات وفيه مراقبة»، لكنه يفشل فى الدخول لمراقبة تلك اللجنة، فيرصد بعينه قول أحد أنصار المرشحين للمواطنين «الفلوس خلصت.. بس فى عربية تانية جاية بعشرة آلاف جنيه بعد ساعة».


يعترف يحيى بأن مجرى سير الانتخابات خارج توقعاته، وتنحصر أمنياته فقط فى أن يخرج الجميع بسلام من هذه المعركة، خاصة بعد أن تواردت الأخبار بوفاة أشخاص فى بعض المحافظات، يقول «بقت أقصى أمنياتنا فى مصر إن الانتخابات تعدى من غير ما حد يتقتل».


فى الواحدة ظهرا، انتقل يحيى إلى منطقة الفسطاط، حيث مدرسة «أحمد زويل»، فى مدخل اللجان يقف طفلان لا يزيد عمرهما على سبعة أعوام، يهتفان لأحد المرشحين ويوزعان أوراق دعايته، «اللى هينتخب هياخد 150 جنيه، ولو استنى لحد الساعة 5 ممكن ياخد 300 جنيه»، ويضيفان وهما يضحكان «واحنا بقى لو وزعنا الورق كله هناخد 250 جنيه». وعلى بعد أمتار منهما، يتجمهر الآلاف أمام ثلاث لجان انتخابية فى ثلاث مدارس متجاورة، الأولى سوزان مبارك والثانية الشيخ متولى الشعراوى، والثالثة أحمد زويل. ساعات تمر دون أن يستطيع يحيى الدخول إلى أى لجنة.


وفى تمام الخامسة مساء، يدخل وسط الجماهير مدرسة متولى الشعراوى ليراقب صندوق الانتخابات للمرة الأولى فى حياته: «أنا عارف إن المرشحين بيوزعوا فلوس، بس مش عينى عينك كده، ده أنا لقيت جنب صندوق الانتخابات واجهة زجاج، كل مواطن بيورى من خلالها أنصار المرشح إنه انتخبه فعلا علشان يقبض»، ويكمل «بصراحة أنا ما شفتش تزوير بعينى، لكن شفت انتهاكات ومخالفات كتير».


التناقض الواضح بين السياسة كما درسها فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، والسياسة كما وجدها فى الشارع الانتخابى، لم يجعله يفقد الأمل، بل خرج من التجربة أكثر حماسا وإيمانا بالحياة السياسية فى مصر «الانتهاكات والمخالفات سببها إن الناس محتاجة، لكن لو قدرنا نخلى وعى الناس يزيد أعتقد إننا ممكن يبقى عندنا برلمان قوى فى القريب العاجل، المشكلة إن المرشحين بيذلوا المواطنين بالفلوس، مع إنهم هما اللى محتاجين لأصواتهم».


عاد يحيى إلى منزله بشعور «أنا عملت حاجة مهمة النهارده واستفدت» كما يقول، ويضيف «أنا هروح أقول لكل أهلى وصحابى يروحوا يصوتوا فى انتخابات الإعادة الإسبوع الجاى».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية