مع أذان الفجر، استيقظ عبدالعظيم عبدالمؤمن 58عاما، وتوجه مع عدد من جيرانه فى عزبة «خير الله»، الواقعة فوق جبل «إسطبل عنتر» بمنطقة مصر القديمة، للإدلاء لصالح أحد مرشحى الدائرة، الذى وعدهم بحصول كل منهم على 50 جنيها، نظير صوته. فرح عبدالعظيم بالمبلغ الذى سيوفر له بعض أنواع الخضار و2 كيلو هياكل دواجن، أو كما وصفها «عفشة فراخ»، بالإضافة إلى بعض أكياس السكر والشاى «اللى هيعمر بيها البيت».
عرف عبدالعظيم بموعد الانتخابات قبلها بثلاثة أيام، عندما قابل فى مسجد العزبة بعد الصلاة أحد أنصار المرشح، واقتنع وباقى أهالى العزبة ببيع أصواتهم مقابل 50 جنيها للصوت، وقال: «طلب منا أحد أنصار المرشح بطاقاتنا الشخصية، لإدخالها على أجهزة الكمبيوتر، ومعرفة لجان وأرقام قيد كل ناخب منا، كى ندلى بأصواتنا لصالحه».
عادت بطاقة الرقم القومى لعبدالعظيم، ومعها بطاقته الانتخابية، بعد أن اتفق معه مندوب المرشح على الاستيقاظ مبكراً، وقال: «صحيت أنا ومراتى فى اليوم ده بعد أدان الفجر، فطرنا وشربنا الشاى، وانتظرنا الميكروباصات اللى جت لينا الساعة 8 الصبح، وفضلنا محبوسين فيها لحد أدان الظهر، بعدها اتحركت بينا ونزلت من فوق الجبل لحد مدرسة (فؤاد جلال)».
وقف عبدالعظيم وسط العشرات من الرجال والسيدات منتظراً دوره فى الدخول إلى اللجنة، للإدلاء بصوته، وقال: «دخلت أنتخبت المرشح اللى قالوا لى عليه، وغمرت أصبعى فى الحبر، وخرجت بعدها كى أحصل على الـ50 جنيها من المندوب، لكنى لم أجده، وبحثت عنه لمدة 3 ساعات متواصلة، حتى وجدته، فطلبت منه الفلوس، لكنه طلب منى الانتظار قليلاً، وانتظرت لمدة ساعة آخرى، فى ضوء وحرارة الشمس أمام باب المدرسة، وعندما شعرت بالتعب والدوخة صعدت من جديد إلى الجبل (ولا أخدت أبيض لا إسود)».
لم يختلف حال عبدالعظيم كثيراً عن أهالى العزبة، الذين أجبرهم سوء أحوالهم المادية على بيع أصواتهم للمرشحين، وكان سعر الصوت فى الدورة الانتخابية السابقة 20 جنيها، وقال: «أكتر من 50 عربية نقلت أهالى العزبة النهارده الصبح للمدرسة، لكن مراتى لم تجد اسمها معى فى نفس المدرسة، فأخدوها لمدرسة تانية».
رغم عودة عبدالعظيم إلى منزله بخيبة الأمل فى الحصول على الخمسين جنيها، التى وعده بها المندوب، فـــإنه على يقين بأن «ربنا كبير ومابينساش حد»، وقال: «إحنا اتعودنا على كده من المرشحين اللى مابنشوفهمش بعد ما ينجحوا، بدليل أن العزبة ناقصة خدمات كتيرة زى مياه الشرب، اللى بنشتريها بالجردل من عربيات كارو اللى مش عارفين مصدرها إيه، ده غير إن كل مجارى العزبة على طرنشات، وتتسرب منها المياه للمنازل، ده غير الرائحة الكريهة اللى بتطلع منها طول اليوم على البيوت والشوارع، والزبالة اللى مالية الشوارع، وفى كل مرة يوعدونا بحل جميع مشاكلنا، وبعد ما ينجحوا، مابيسألوش فينا لدرجة أن واحد منهم قال لينا بصريح العبارة: «إنتو إنتخبتونا ببلاش..إحنا اشترينا أصواتكم بالفلوس.. وأخدتوا حق المشوار».
عندما لجأت العزبة لنائب الدائرة التابعين لها بسبب تحرير شركة الكهرباء محاضر سرقات كهرباء لسكانها، قبل إدخال الوصلات الشرعية لهم، وفرضت عليهم غرامات، وتم القبض على العديد منهم عندما عجزوا عن دفع الغرامات، قال لهم: «الكهرباء ماليش فيها ومش هاقدر أساعدكم»، ويستكمل عبدالعظيم: «لحد ما ربنا جابها من عنده ودخلت الكهرباء للمنطقة».
كان عبدالعظيم يبيع السمك على عربة كارو يمتلكها، وكان يتجول بها فى شوارع العزبة، قبل أن يجبره المرض على الجلوس فى المنزل، فهو يعانى من ألم شديد فى ظهره والمعدة والقولون، ودوخة مستمرة لا يعرف سببها، وصداع وزغللة فى العين، وخشونة فى الركبة، وقال: «كنت الأول بصحتى ومش محتاج لأى حد، كنت بأبيع السمك اللى بأشتريه من تاجر فى سوق العبور، لكن من 5 سنين، ما خرجتش من البيت، وبقيت على باب الله، ما ليش أى مصدر للدخل وعايش على مساعدات أهل الخير، وبترزق لأن ولاد الحلال كتير».
رغم الظروف المادية التى أجبرت عبدالعظيم على الانتظار لساعات فى الشارع للحصول على 50 جنيها نظير الإدلاء بصوته فإنه يحمد الله، لأنه استطاع، وقت أن كان يملك صحته، بناء منزل متواضع مكون من دورين تكسى المحارة حوائطه، وسقفه خشبى، وهو ما يجعله يبيت ليلته حتى إن كانت من غير عشاء وهو يشعر بالأمان، دون أن يهدده أحد بطرده إلى الشارع، وقال: «أتمنى من ربنا أن أعيش باقى حياتى مستوراً، ولا يكون علىّ ديون، لأنى لو هموت لا أقبل على نفسى أن أطلب من أحد أن يمنحنى 5 أو 10 جنيهات، حتى لو هنبات من غير عشا».