x

قطار الفقراء.. ممنوع الاقتراب أو التصوير أثناء الإفطار

الأربعاء 29-06-2016 10:32 | كتب: محمد طارق |
قطار الخدمة متوقفاً فى إحدى محطاته قطار الخدمة متوقفاً فى إحدى محطاته تصوير : اخبار

بين الشوارع السكنية المحيطة بمحطة مصر يقف الشباب، قرب أذان المغرب، يستقبلون السائرين لحظة الأذان، وبعده بقليل، وفى أياديهم أوان ممتلئة بالمشروبات الرمضانية، يناولون السائرين فى الشوارع، ومن يركبون السيارات، كل من لم ينجح فى الوصول إلى بيته، أو من أذن المغرب عليه وهو مازال فى الشارع، لابد أن يعترضه هؤلاء الشباب.

أما داخل محطة مصر، قلب المدينة، فلها عالمها الخاص، إذ كان من المفترض أن يغادر قطار 31 المتجه إلى مدينة الإسكندرية، فى الساعة السادسة وأربعين دقيقة، لكن مر ربع ساعة ولم يتحرك القطار، صعد الركاب، وهم قليلون، لا يزيد عددهم فى كل عربة عن 7 ركاب، يقل أحياناً، جميعهم أتوا بفطورهم من العاصمة، قبل أن يغادروها، يعترضهم تأخر قدوم جرار القطار، «كان من المفروض أن يأتى الآن، لكنه لم يأت» يقول محصل تذاكر يقف على الرصيف رداً على أحد الركاب، يسأله راكب آخر: «ومتى سيغادر القطار، مر ربع ساعة على موعده ولم يتحرك»، فيجيب عليه المحصل: «سيغادرحينما يأتى الجرار، قد يأتى بعد دقيقة أو بعد ساعة، الله أعلم»، يلقى المحصل المسؤولية على علم الله أمام الجمع، وينحنى الحديث إلى سوء الخدمات العامة، فلماذا تكون المواصلات شيئاً مختلفاً، وسط الجمع يقف شاب، يرتدى شورت، وشنطة ظهر، يعترض على المحيط، «القمامة أسفل القضبان، التراب الذى يغطى العربات، رائحة البول النافذة من الحمامات داخل القطر»، ويستدعى التاريخ ليبرهن على أن الإنجليز بنوا تلك الهيئة ولم يطورها المصريون بقدر ما يجب، يلتقط منه عجوز طرف الحديث، بعد أن خرج من عربة القطار ووقف على الرصيف، يصيح فى الجمع: «هو فين الخواجه؟. الله يرحمه ويرحم أيامه، إحنا عاوزين الخواجة يرجع»، وفى الخلفية يرتل الشيخ محمد رفعت ما تيسر من آيات الذكر الحكيم، قبل أن يؤذن الأذان بعشر دقائق، ولا يجد المحصل إلا أن يجارى الركاب فى حديثهم.

أعداد قليلة فى القطار

تمر الدقائق، يبدأ العد التنازلى على موعد أذان المغرب، يصيب المنتظرين الملل من انتظار الجرار، والارتباك من عدم الاستقرار على مكان للإفطار، يقترب من الرصيف محصل آخر، يسحب المحصلان ويأمرهم بالانصراف للإفطار، ويعدهم بتولى الأمر ومتابعة قدوم الجرار، اتضح بعد ذلك أنه مسيحى، عرض عليهم الذهاب للإفطار، وبقى وحده مع الركاب فى انتظار قدوم الجرار.

فجأة، يؤذن الأذان، فى اللحظة ذاتها يمتزج صوته مع صوت الجرار القادم، يصطدم بمقدمة القطار، ويصيبه بهزة هادئة لا تؤثر على الراكب، يخرج السائق من العربة، ويتابع عامل التوصيلات الذى وقف بين عربة القطار والجرار ممسكاً بأسلاك كهربائية وصلها فى أقل من دقيقة، وانطلق القطار مع نهاية الأذان.

الإفطار فى القطار ليس شيئاً جديداً على رضا، تعود طوال سنوات عمره على ذلك، بعد انتهاء فترة عمله كبائع ملابس فى منطقة الموسكى، يستقل القطار إلى مدينة طوخ، كان من المفترض أن يصل القطار إلى مدينة طوخ قبل انطلاق موعد الإفطار، لكن رغم ذلك، فهو أفضل وسيلة على أى حال بالنسبة لرضا، إذا تمت المقارنة بالميكروباصات المتكدسة على الطريق الزراعى، هذا بالإضافة إلى انخفاض سعره، فالتذكرة لمدينة طوخ لا تتعدى الجنيهين ونصفا، لذلك لا يعتبر موعد الإفطار أزمة بالنسبة له وهو فى القطار، يكفيه البسكويت والعصير لكسر صيامه إلى أن يعود إلى منزله وفى انتظاره كل ما يشتهى.

يمر قطار الخدمة المميزة على كل قرى الدلتا فى اتجاه الإسكندرية، يقطع محافظات القليوبية، والدقهلية، والغربية، والبحيرة، وفى النهاية يصل إلى الإسكندرية.

ينضم إلى رضا بائع آخر، يدعى سامح، ويعمل فى معرض للسجاد بمصر الجديدة، لا يبالى الاثنان بتأخر ميعاد القطار، يلتقط سامح طرف الحديث، يحاول أن يحصر به حجم مشاكل أهم من وجهة نظره.

يقول: «مشكلة المياه أهم من إننا بنفطر فى القطار، نحن فى القليوبية، نشترى الماء، لأن لدينا ماء غير صالح للشرب، وحين نغتسل به يسبب لنا أحياناً أمراضا جلدية».

يهز رضا برأسه موافقاً، يضيف: «ليست المواصلات فحسب، جميع متطلبات الحياة ليست متوفرة بالقدر الكافى، الصحة، التعليم، مستوى المعيشة»، يسخر: «كان زمان بيقولك محدودى الدخل، دلوقتى بقى اسمهم معدومى الدخل، لو عندك عيال وهتأكلهم أكلة شعبية من غير لحوم ممكن تدخلك ف 100 جنيه».

يقطع الحديث شحاذ يقف على باب القطار، يفشل فى دخول الحمام، يحاول فتح الباب لكن تعوقه القمامة المتجمعة فى الداخل، ويأمره الجالسون بغلق فتحة الباب بعدما بدأت رائحة البول تنفذ داخل السيارة، فى العربة التالية يجلس المحصلون فى حضرة أمين شرطة يتولى تأمين القطار، يرتدى بذلة صيفى، وهى عبارة عن قميص وبنطلون اشتهروا فى فترة زمنية انتهت، يعرف نفسه على أنه المأمور داخل القطار، ويشير إلى لافتة معلقة على الشباك مكتوب عليها «وزارة الداخلية. نقطة شرطة القطار»، ويجلس القرفصاء، بعد أن يخلع شبشبه الجلد من قدمه، يسأله محرر «المصرى اليوم» عن طبيعة عمله، فيجيب أن مهامه هى التأمين واحتواء أى مشكلة تحدث داخل القطار، ويسهب فى الكلام إلى أن يدعى أن من حقه منع التصوير داخل القطار، إلا بعد تصريح من الجهات المختصة، وهى فى تلك الحالة وزارة الداخلية ووزارة النقل، والهيئة العامة للسكة الحديد.

لا يقدم إجابات بقدر ما يقدم أسئلة، يستجوب محرر الجريدة «هل صورت شيئاً، أحذر لأن التصوير ممنوع»، ويجبر المحرر على مرافقته أثناء جولة «المصرى اليوم» داخل العربات، ينفى أمين الشرطة سوء حالة القطار، لا يبالى بالأتربة التى تغطى الكراسى، ورائحة القمامة والبول النافذ من الحمامات إلى العربات، يقول: «ليس ذلك من مهامنا، فهو من مهام الملاحظ، والملاحظ يثبت ذلك فى تقارير، والتقارير ترفع للجهات الأعلى فى الهيئة، لكن هل يعمل بها؟.. تلك هى المشكلة».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية