حّذر محامون وخبراء أثريون، من تكرار «سيناريو» حريق محكمة استئناف الإسكندرية «سراى الحقانية»، فى جميع مخازن المحاكم الأخرى فى «الثغر»، مُقللّين من فاعلية وسائل التأمين الموجودة والتى لا تتعدى طفاية حريق وإرشادات لمنع التدخين، فضلاً عن عدم ملاءمة المخازن لحفظ القضايا المهمة، فيما وافق الدكتور زاهى حواس، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، على مشروع لترميم وتطوير المحكمة بالكامل من خلال مشروعان الأول درء الخطورة والثانى ترميم كامل للمسطح، الذى تبلغ مساحته نحو 3 آلاف متر مربع.
«إسكندرية اليوم» تجولت بين عدد من مخازن الحفظ فى المحاكم ورصدت مشاكل بالجملة فيها، بدءاً من انعدام وسائل الأمن والأمان وعدم توافر الحد الأدنى من مقومات العمل الإدارى وعدم ملاءمة هذه المخازن لطبيعة العمل القضائى ولا أهمية الأحكام الذى تصدرها، خاصة أن هذه المخازن لم تمتد إليها يد التطوير منذ عشرات السنين، وتحديداً منذ إنشاء المحاكم- حسبما قالت مصادر قضائية مطلعة.
وقال أحد مسؤولى مخازن الحفظ فى المحكمة الابتدائية: إن الاحتياطات الأمنية التى تم إقرارها لا تتعدى وضع لافتات وإرشادات تحظر التدخين داخل قاعات وأروقة المحكمة ووضع عدد 2 طفاية حريق داخل كل غرفة حفظ، فضلاً عن انعدام المقومات اللازمة للعمل الإدارى وعدم ملاءمة المخزن للعمل الآدمى، خاصة أنه موجود فى «بدروم» المحكمة، بالإضافة إلى تحول المكان إلى «مرتع» للحشرات والدواب.
وتابع المصدر، الذى طلب عدم نشر اسمه، فى تصريح لـ«إسكندرية اليوم»-: «أمناء المخازن لا يتمتعون بأى حقوق حتى غرفة الحمام غير آدمية، لدرجة أنه إذا دخل أحد ووضع قنبلة فيه لا يشعر به أحد متوقعاً تكرار حدوث حريق الحقانية فى أى وقت طالما ظل الوضع الحالى كما هو عليه، وبالتالى لن تسلم القضايا الموجودة من الدمار، خصوصا أن جميع هذه القضايا المهمة مصورة بنظام الـ«ميكروفيلم». وطالب بتدخل المسؤولين عن تطوير وترميم المحاكم لإنقاذها من مصير «الحقانية» الذى يلاحق معظم المحاكم فى «الثغر». وحذر محامون من تكرار حريق الحقانية فى حالة ثبات الوضع كما هو عليه، مشيرين إلى أن لديهم أوراقاً وبيانات عن قضايا وأحداث قديمة لا يمكنهم جمعها سوى من مخزن أرشيف الأحكام، واصفين حريق الحقانية بـ«الكارثة» المحققة.
وقال مصطفى النقيب، محام: «إن القانون لا يتيح لنا المطالبة بالتعويض فى حالة إتلاف الحريق أى مستندات، خاصة أنه يتم تقييد القضية «قضاء وقدر»، كما هو متبع، مشيراً إلى أن جميع المحامين يحتفظون لأنفسهم بنسخ من القضايا التى تحفظها سجلات المحكمة، مؤكداًَ أن هناك أماكن لاستخراج بعض البيانات التى تحتوى عليها القضايا ومنها مصلحة الشهر العقارى والسجل المدنى.
وأضاف أشرف عبدالسلام، محام، أن موكليه الذين لهم قضايا منذ 90 عاماً، لا يمكنهم الاطلاع عليها ويمكن استخراج بديل لها من خلال الميكروفيلم، مستدركاً: حريق الحقانية دمر جزءاً كبيراً من مكتبة المحامين وتم تقييده كالعادة «قضاء وقدر».
وقالت سعاد محمد «60 سنة»، ربة منزل، إنه كانت لديها قضية قبل عام 80 ولا تعرف ماذا تفعل. يأتى هذا فى الوقت الذى وافق فيه الدكتور زاهى حواس، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، على إسناد مشروع درء الخطورة لجهة سيادية للبدء فى تنفيذ المشروع على الفور.
كان الأمين العام للمجلس، شكل لجنة لمعاينة الحالة الإنشائية للمبنى والتى أعدت تقريرها، ورفعته إلى الأمين العام، الذى أرسله إلى اللواء على هلال، رئيس قطاع المشروعات، فى 29 أبريل 2010 لاتخاذ اللازم نحو التحرك للترميم وانتهت إلى العديد من التوصيات، أهمها تكليف أحد المكاتب الاستشارية بالبدء فى ترميم مبنى المحكمة بالكامل.
وقال المهندس محمد رضا يوسف، رئيس الإدارة الهندسية والفنية لآثار ومتاحف الوجه البحرى وسيناء، لـ«إسكندرية اليوم»: «إن التكلفة المبدئية للمشروع تقدر بـ150 مليون جنيه، خاصة أن المبنى يقع على مسطح مساحته 3 آلاف متر، على 4 طوابق ويستمر المشروع لمدة 3 سنوات على الأقل، مشيراً إلى أن الترميم يشمل العناصر المعمارية والإنشائية للمبنى من خلال الترميم الدقيق.
قال الأثرى أحمد عبدالفتاح، مستشار المجلس الأعلى للآثار، عضو اللجنة الدائمة لحماية الآثار، إن المحكمة تقع فى منطقة من أشهر مناطق الإسكندرية وهى «المنشية»، وافتتحت فى عهد الخديو إسماعيل وتعد من أقدم المحاكم المصرية على الإطلاق.
أضاف عبدالفتاح لـ«إسكندرية اليوم»- «إن أشهر المقتنيات الموجودة فى الحقانية «١٢٠٠» فرمان تعود إلى عصر محمد على باشا وكلها صادرة من «الأستانة» و١٠٠ ختم من المحكمة المختلطة ولائحة القضاء المختلط وهى أول لائحة قضائية توضح قانون السلطة القضائية وتنظم حقوق القاضى وواجباته والأجهزة المعاونة له.
وتابع: «تضم المحكمة سجلات بأحكام القضايا الشهيرة، التى تداولتها المحاكم مثل «دنشواى» أو القضايا التى نظرت فى الحقانية نفسها، مثل قضية «ريا وسكينة»، والقضية التى عرفت بـ«سفاح الإسكندرية»، بالإضافة إلى سجلات ونماذج لتوقيعات حكام المماليك تعود إلى عام ١٥٩٧، التى كان جمعها الملك فؤاد عام ١٩٣٧ وتضم أدوات وقطعاً فنية نادرة، ولوحات ثمينة، منها لوحة للفنان «تروجيه بول» بمقاس ١٣٠ سنتيمتراً فى ١٠٠ سنتيمتر، تعبر عن الديانة المسيحية، أوائل القرن الثامن عشر، واللوحة موقعة من الفنان «تروجيه» داخل إطار من الذهب الفرنسى.
وقال مصدر مطلع فى محكمة الحقانية، طلب عدم نشر اسمه، إنه طبقاً لقانون حماية الآثار الجديد رقم 3 لسنة 2010، والذى ينص على أن ترميم المبانى الأثرية يكون على حساب الشاغلين فإن مبنى سراى الحقانية تتحمل وزارة العدل التكفلة الإجمالية لترميمه، والتى تتعدى 100 مليون جنيه على أقل تقدير، خاصة أنه مبنى كبير ومسطح، تبلغ مساحته 3 آلاف متر مربع ومكون من 4 طوابق وبدروم.