كانت دقات الساعة تشير إلى الثالثة عصراً، جلس طلاب الفرقة الثانية بقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة المنصورة فى مقاعدهم داخل اللجان لبدء امتحانات نهاية العام، بعد دقائق خضع الطلاب لإجراءات التفتيش التقليدية للبحث عن أى وسائل للغش أو هواتف محمولة مفتوحة قبل بدء الإمتحانات، لكن الدكتور محمد حسن القناوى، رئيس جامعة المنصورة، فاجأ الطلاب بإجراءات تفتيش مبتكرة أثناء الامتحان من خلال جهاز جديد ابتكره الدكتور محمد أحمد فريد، الباحث بكلية العلوم، للكشف عن أى وسائل غش إلكترونية حديثة، وكانت نتيجة التفتيش ضبط طالبة تقوم بالغش باستخدام الهاتف المحمول وسماعات البلوتوث.
طلبت «المصرى اليوم» من رئيس الجامعة والباحث إجراء تجربة عملية للجهاز بإحدى لجان الإمتحانات بالجامعة، ووقع الاختيار على كلية الآداب التى كانت تجرى بها الامتحانات، وقبل التوجه للجنة الامتحان قام الباحث بتجربة مبدئية للجهاز داخل مبنى إدارة الجامعة، حيث طلب من موظفى العلاقات العامة إخفاء هواتفهم المحمولة قبل دخول المكتب وقام مدير العلاقات العامة بإجراء اتصال هاتفى بإحدى الموظفات، وطلب منها فتح المكالمة وإخفاء الهاتف، ثم دخل الباحث بجهازه الصغير للمكتب، وبدأ رحلة البحث بهدوء عن الهاتف وكانت المفاجأة هى العثور على الهاتف فى أحد أدراج المكتب السفلية بعد دقيقة واحدة من البحث، وتهللت أساريره وهو يؤكد لرئيس الجامعة أن الجهاز ناجح 100%.
على مدار 6 أشهر وداخل معمل صغير بكلية العلوم بجامعة المنصورة، عكف الباحث محمد أحمد فريد «34 عاماً» على ابتكار واختراع الجهاز الجديد فى محاولة لمواجهة الغش الإلكترونى داخل لجان امتحانات الثانوية العامة، وهى المشكلة التى تؤرق المجتمع والحكومة المصرية على مدار عدة سنوات، وفشلت كل محاولاتها لمواجهته، وبعد مجهود وتجارب عديدة نجح الباحث فى ابتكار جهاز طوله 17.5 سم وعرضه 10 سم وارتفاع 4 سم ويزن حوالى 250 جراماً، وبه بطارية 9 فولت تستمر فى العمل لمدة 3 ساعات من الاستخدام المتواصل، ويحتوى على مفتاح تشغيل ومفتاح لتعديل حساسية الجهاز ذى وضعين للتحويل بين المستقبل الداخلى والمستقبل الخارجى، كما يحتوى على شاشة صغيرة بها مؤشر إضاءة عشر درجات. وعلمت «المصرى اليوم» أن الجامعة حاولت التواصل مع الدكتور الهلالى الشربينى، وزير التربية والتعليم، من خلال إدارة الإعلام والعلاقات العامة لعرض الجهاز عليه لتجربته بامتحانات الثانوية العامة منذ أكثر من أسبوعين، وردت العلاقات العامة والإعلام برسالة تقول «نسقوا مع الأستاذ على عبدالرؤوف وكيل وزارة التعليم بالدقهلية، وممكن تجربوا الجهاز بلجنة الملك الكامل».
ويقول الباحث محمد أحمد فريد: «يستطيع الجهاز الكشف على الترددات المختلفة عن طريق عمل موازنة بين شدة المجالين الكهربى والمغناطيسى للإشارة المستقبلة، ويتم ذلك بسرعة 5 مللى/ ثانية لكل نطاق ترددى، ولذلك فإن الزمن المستخدم للكشف على أجهزة الغش فى كل نطاق الترددات لا يتعدى خمس ثوان، ونطاق الترددات التى يتم الكشف عليها هى AM-FM – UHF – VHF –GSM –2G – 3G كما يغطى الجهاز الحيز الترددى 2.4 جيجا هيرتز والمستخدم فى أجهزة الواى فاى والبلوتوث، ولذلك فإن قوة هذا الجهاز تقع فى إمكانية استخدامه مع كل أجهزة وطرق الغش الحديثة المستخدمة».
توجه رئيس الجامعة ومرافقوه إلى لجنة الامتحانات لإجراء أول تجربة عملية للجهاز، وبدأت رحلة البحث بخيمة فى ساحة الكلية، حيث دخل الباحث وبيده الجهاز ومرَّ بجوار الطلاب الذين اصطفوا أثناء الامتحان، ولكن الجهاز لم يلتقط أى إشارات تفيد العثور على أى أجهزة أو حالات غش، ارتبك الباحث قليلاً وهو يؤكد لرئيس الجامعة أن اللجنة لا يوجد بها أى حالات غش، فشجعه قائلاً: «ولايهمك، أنا واثق فيك وفى الجهاز، ادخل أنت مع مدير الكنترول للجنة الثانية حتى لا يحدث ارتباك للطلاب بسبب عددنا الكبير».
رافقت «المصرى اليوم» الباحث ومدير الكنترول فى رحلة البحث الثانية عن أى حالات غش، حيث طاف الباحث وبيده الجهاز بجوار الطالبات المصطفات على جانبين باللجنة، وفجأة تلقى الجهاز إشارة قوية عبارة عن 7 شرطات تؤكد وجود هاتف مفتوح مع إحدى الطالبات، كانت الطالبة تجلس بهدوء وتقوم بالإجابة فى ورقة الإجابة بما يوحى بأن الوضع طبيعى، إلا أن الباحث أكد أن بحوزتها هاتفاً ويتم استخدامه حالياً فى الغش، وقفت الطالبة ولم يكن بحوزتها أى شىء بينما كانت توجد حقيبة يد تخصها بجوارها على الأرض فطلب الباحث فتح الشنطة، واستجابت الطالبة لطلبه بارتباك، وكانت المفاجأة هى وجود هاتف محمول مفتوح، قامت الطالبة بإغلاقه فوراً وبفحص الهاتف تبين إجراء مكالمة طويلة لمدة 25 دقيقة بدأت فى الثالثة وخمس دقائق، أى بعد بداية الامتحان بخمس دقائق وحتى لحظة ضبط الهاتف فى الثالثة والنصف. تم إخراج الطالبة من الامتحان، كما التقط الهاتف إشارة أخرى من الطالبة، فأكد الباحث أن الطالبة تضع سماعة بلوتوث فى أذنيها، تم إخراج الطالبة وتدعى «خ. م» من اللجنة وتحرير محضر غش لها.
سادت حالة من الدهشة بين الحضور بعد نجاح الجهاز فى اكتشاف واقعة الغش، وتم إخطار رئيس الجامعة الذى كان ينتظر على مسافة من اللجنة بنجاح التجربة العملية الأولى، بينما واصل الباحث رحلة البحث فى لجنة ثالثة ولم تسفر عن شىء.
لم تكتف «المصرى اليوم» بحالة الغش التى اكتشفها الجهاز الجديد، فقررت وضع الباحث وجهازه فى اختبار سرى، واستغللنا انشغال الباحث فى اللجنة الثالثة وخرجنا خلسة للجنة ثانية وقمنا بوضع هاتف محمول متصل بمكالمة مفتوحة على أحد المقاعد فى أول اللجنة دون أن يشعر أحد من المرافقين، ثم عدنا للباحث لمشاركته فى البحث وعندما خرج من اللجنة طلبنا منه إعادة تمشيط اللجنة الثانية واستجاب الباحث لطلبنا، وأكد أن الجهاز يلتقط إشارة ضعيفة وتتبعها حتى زادت الإشارة بقوة عند اقترابه من الكرسى الذى وضعنا عليه الهاتف، فأكد لنا أن هناك هاتفاً مفتوحاً بذلك المكان، وبالفعل تمكن من العثور على الهاتف ليعتمد شهادة نجاحه الثانية وسط فرحة وسعادة كبيرة من الحضور.
ويقول الدكتور محمد أحمد فريد، صاحب الابتكار: «مشكلة الغش الإلكترونى فى مصر وعدد من الدول العربية، التى ظهرت منذ عدة سنوات، هى التى دفعتنى للتفكير فى محاولة ابتكار جهاز جديد يواجه تلك المشكلة ويقضى عليها، وبدأت الفكرة عندى منذ عامين، ولكن لم آخذ الأمر بشكل جدى سوى منذ 6 أشهر فقط، وعرضت على الدكتور محمد حسن القناوى، رئيس الجامعة، رغبتى فى محاولة ابتكار جهاز يواجه تلك المشكلة، وأن لدىَّ تصوراً مبدئياً فشجعنى بقوة، وأكد أنها قضية أمن قوى، وطلب منى تنفيذ تلك الفكرة فى سرية تامة ووفر لى الدعم اللازم، كما وفر لى الخامات التى طلبتها وبدأت أقوم بالأبحاث والتجارب، وعملت أكثر من نموذج حتى خرج إلى النور النموذج الحالى». وأضاف متحمساً: «بعد نجاح النموذج الأولىّ اليوم سوف أقوم بتطويره، بحيث يصبح أخف وزناً وأصغر حجماً، كما سيتم استبدال البطارية الجافة ببطارية ليثيوم يمكن شحنها أكثر من مرة، وسوف تتم إضافة دائرة تعديل حساسية الجهاز للتحويل بين المستقبل الداخلى والخارجى أتوماتيكياً»، مشدداً على أن الجهاز له مميزات عديدة تجعله الأنسب لحل مشكلات الغش الإلكترونى داخل لجان الامتحانات، سواء بالثانوية العامة أو الجامعات.
وقال: «الجهاز يتم استخدامه دون التأثير على سير العملية الامتحانية.
من جانبه طالب الدكتور محمد حسن القناوى، رئيس جامعة المنصورة، الرئيس عبدالفتاح السيسى، بتبنى الفكرة.