قبل شهر تقريباً قرر مجلس الوزراء رفع سعر عدد كبير من الأدوية لنسب تصل إلى 20%، هذا هو القرار الرسمى، أما القرار غير الرسمى أو الواقع الفعلى فى الشارع، والذى لا يعرفه مجلس الوزراء أو الوزارة المختصة، فهو معاناة كبيرة للمواطن العادى، أما أصحاب الأمراض المزمنة فقد أصابتهم كارثة فوق مرضهم المزمن، لم ترحم الدولة مرضهم ورفعت عليهم الأسعار، بعضهم قرر أن يستغنى عن بعض الأدوية- على الرغم من أنها قد تؤثر على حياته- والاكتفاء بالأدوية الضرورية، والبعض الآخر تحول إلى «مدين» لدى أصحاب الصيدليات، يحصل على الأدوية على «النوتة»، أو يحصل على نصف الدواء لحين تيسر الحال.
«المصرى اليوم» رصدت معاناة أصحاب الأمراض المزمنة بعد شهر من رفع سعر الأدوية، ما بين «صيدلى وشركة وحكومة» تضاعفت قيمة الروشتة تقريبا، وأصبح الخاسر الوحيد هو المريض الذى يستغيث بالله لرفع المرض عنه، وتحنين قلب الحكومة لخفض أسعار الدواء.
قبل شهر.. وتحديداً فى 16 مايو الماضى، أقر مجلس الوزراء زيادة جديدة فى أسعار الدواء، مُعللاً أسبابها فى محضر اجتماع المجلس الأسبوعى بـ«عدم التواجد الفعلى لعدد من الأدوية بالسوق المصرية» ومن ثم حرص الدولة- كما أقر المحضر- على تشجيع شركات الأدوية المحلية على مُعاودة الإنتاج.
على مدار شهر فى أعقاب تنفيذه، أثار قرار زيادات الأسعار ما أُطلق عليه «ارتباك فى سوق الدواء» ولاتزال تتردد أصداؤه إلى اليوم، ما بين نوبات غضب من المرضى فحواها قدر الزيادة التى قدرت بـ20% للشرائح السعرية الأقل من 30 جُنيهًا مصرياً، وشكاوى الصيادلة من آليات تنفيذ القرار التى لاتزال تسفر إلى اليوم عن تعديلات مُستمرة فى أسعار بعض الأصناف.
وعلى الرغم مما أحدثه القرار من غضب واضطراب إلا أنه معرض للسحب، وذلك بحسب تصريحات وزير الصحة، د. أحمد عماد، وتحديدًا فى حال عدم توفير جميع الأدوية الناقصة فى الصيدليات خلال 3 أشهر كحد أقصى، وهى المُهلة التى مر بالفعل منها شهر كامل.
«قرار مُتأخر».. يشرح رئيس شُعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، على عوف، مدى أهمية القرار فى ضوء عدم تحرك تسعيرة الدواء المصرية من التسعينيات، الأمر الذى أبقى على تسعيرة بعض الأصناف الدوائية أسفل حاجز الجنيه والاثنين لسنوات عدة، ما أدى لتوقف إنتاجها وزيادة خسائر الشركات القابضة للأدوية على حد وصفه. بيد أن «عوف» لا يستبعد وجود سلبيات بآليات التنفيذ أحدثت ارتباكاً واضحاً فى السوق، عاد بآثار سلبية على الصيدلى والمريض على حد سواء، كبدء تنفيذ الإدارة المركزية للشؤون الصيدلية القرار مُباشرة بالتوازى بعد صدوره، الأمر الذى أدى لحدوث صدمة للمُستهلك.المزيد
مع بداية كل أسبوع، تستعد الأسر بتحضير صغار أبنائهم لرحلة يومية مؤقتة للحضانات النهارية، يزودن حقائبهم الصغيرة بالمأكولات والعصائر، أوراق ناصعة البياض ملائمة لحصة رسم وتلوين شيقة، أو ربما لُعبة جديدة.
تحيد «رغدة»، 24 عاماً، عن أغلب الآباء فى سياق تحضير أدوات الطفل مع بداية الأسبوع، تذهب للصيدلى بديلاً عن المكتبة، صيدلى «معرفة» من أصل 3 صيدليات فقط تنعم بها قريتها «منشية رضوان» التابعة لمحافظة الجيزة، لتبتاع الجرعة الأسبوعية لعلاج صغيرها الذى بالكاد يتخطى الثالثة من العمر.
بدأت مُعاناة «رغدة» فى مُصادفة عشوائية غير محمودة العواقب، حيث أصاب صغيرها ارتفاع ملحوظ فى درجة الحرارة، حملته على إثره ببساطة للصيدلية لتلقى «حقنة خافض للحرارة» تلقاها بطريقة خاطئة لتؤثر لاحقاً على هيكله العصبى.. «وديته مستشفى أبوالريش لكن الدكاترة قالوا مالهوش علاج.. لكن لازم يستمر على مقويات».
بينما ترصد الأم تطور أداء صغيرها الحركى الذى تأخر فى السير نتيجة لإصابته، فى منزل عائلة زوجها الحافل بالضجة ولعب الأطفال طوال اليوم، تستعين بقائمة طويلة من الأدوية لتحسين حالته والحفاظ على استقرارها. تحفظ بعضاً من محتويات القائمة عن ظهر قلب.. «بياخد ابتوزيم وأوميجا 3» تحاول كذلك بين الحين والآخر استشفاف قدر الزيادة التى لحقت بكل نوع على حدة غير أنها تستطرد بلكنتها الريفية.. «كل الأدوية زادت.. وإحنا عارفين، هما فاكرينا فلاحين مش فاهمين، بس إحنا بنقرأ وبنشوف الزيادة حتى ع الشريط مش العلبة».المزيد
فى كيس نقودها، تحتفظ السيدة بالمبلغ المالى الملائم لرحلة عودتها من مُحيط قصر العينى إلى منطقة إمبابة حيث تسكن، إضافة لبعض المصروفات الإضافية التى كانت قد جلبتها تحسبًا لما يتطلبه العلاج فى المستشفى، إلا أن زوجها قام بالتحاليل والفحوص اللازمة دون رسوم تذكر، تحتفظ كذلك «بروشتة» علاج زوجها، والذى استمر على استخدامها لمدة عام كامل، دون تحسن، إلا أن 800 جنيه لم تعد كما كانت بل خضعت للزيادة شأنها شأن الأصناف الدوائية التى ارتفعت أسعارها منتصف مايو الماضى.
تلوح السيدة فى مجلسها الظليل بخيبة أمل: «الزيادة بقت ع الشريط مش على العلبة.. شريط الدواء بقى بـ26 جنيه» تُشير السيدة إلى أحد العقاقير التى يستخدمها زوجها باستمرار، إلا أنه ليس الوحيد الذى نالت منه الزيادة، فبنظرة صيدلى مُتخصصة على «روشتة» علاج الزوج يرصد زيادة أسعار 4 أصناف من أصل ثمانية، إضافة لصنف ينتمى لقائمة النواقص تُعانى الزوجة فى العثور عليه.
فى منطقتها إمبابة، تنعم السيدة على الرغم من ذلك بتكافل شعبى، خاصة مع أرباب مهنة الصيدلة، حيث يعمد الصيدلى الذى تتعامل معه بدورية مُنتظمة على التكفل بنصف تكاليف علاج الزوج دون تذمر.. «يعنى مثلاً فى حقنة بياخدها تحت الجلد.. دى بـ200 جنيه، الصيدلى بياخد منى 100 وبيقولى 100 عليا».المزيد