الآن لم تعد المسألة حق السعودية أو مصر فى الجزيرتين. تجاوزنا ذلك. المسألة برمتها حرج للبلدين. حرج للحكومتين وللشعبين. ثم جاء الحكم القضائى أمس الأول ليزيد الحرج. بعد أن كادت الأمور أن تهدأ. حرج ما بعده حرج. فمن يرفع الحرج؟.
لم نعد فى حاجة إلى حلول قانونية. لم نعد فى حاجة إلى خبراء فى ترسيم الحدود. أصبحنا فى حاجة إلى حلول عملية. تحقق مصلحة البلدين. ترفع عنا جميعا هذا الحرج.
لا أريد التذكير هنا بالعلاقات العميقة والطويلة بيننا وبين المملكة. هى معروفة للجميع. مواقف السعودية حكومة وشعبا تجاه مصر معروفة للجميع. مواقف مصر على امتداد التاريخ من السعودية معروفة. عشنا معا تجارب كثيرة بعضها حلو. بعضها مر. لكن نعلم أن العلاقة بين البلدين مسألة استراتيجية لا تحتمل العبث أو تبديد الوقت.
السعودية لن يغنيها ضم الجزيرتين. مصر لن يُنتقص منها شىء إذا كانت الجزيرتان من نصيب السعودية. لكننا جميعا سوف نضار إذا انتكست- لا قدر الله- العلاقات بين البلدين. هذه العلاقات المرشحة للتطور والنهوض. والنمو المذهل الآن وفى المستقبل القريب. على كل المستويات. لا أتصور أن بلدين عربيين بحجم مصر والسعودية فى هذا المحيط المضطرب فى حاجة إلى أى تنغيصات من أى نوع. هناك بلد صغير المساحة. فى الجوار اسمه إسرائيل. متفوق علينا كعرب مجتمعين فى كل شىء. فى التعليم. فى الرزاعة. فى الصناعة. فى الصحة. فى التكنولوجيا. وغير ذلك.
وأى مقارنة بين إسرائيل وأى دولة عربية منفردة فى درجة التقدم، سوف تكون فى صالح إسرائيل. العبرة ليست بالمساحة. العبرة بالقدرة على استغلال هذه المساحة.
لا أقول بأن الجزيرتين لصالح مصر أو لصالح السعودية. هذه مسألة يمكن حسمها بالقوانين الدولية بكل بساطة. فى وجهة نظرى هذا ليس حلا. لأن الحل الأمثل أن تكون الجزيرتان وما حولهما مناطق تجارة حرة بين البلدين. بإدارة مشتركة من البلدين. إدارة اقتصادية بحتة بعيدة عن السياسة والسياسيين. يمكن أن نحول الجزيرتين إلى نقطة مضيئة. نموذج للمستقبل العربى. فلماذا لا تكون هذه بداية لمشروع أكبر. هذا المشروع ليس من بنات أفكارى لكنه موجود فى الأدبيات العربية وفى وثائق الجامعة العربية. لكننا عجزنا عن تطبيقه منذ عقود. وهو سوق عربية مشتركة. وأكبر منطقة حرة فى العالم. إن وجود أرض بوار غير مستغلة أمر لا يخدم الأجيال المقبلة. استمرار الحدود والحواجز وإشعال الكراهية بين الشعوب العربية هو أكبر نكسة للعرب.