قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن الغاية من الجهاد في الإسلام هو أن يكون في سبيل الله، ولا يصح الجهاد ولا يقبل من المسلم إلا إذا كان في سبيل الله، وهذه مسألة متعلقة بالنية، ومن أجل ذلك قد يخرج المسلم ويقاتل وقد يُقتل ولكنه لا يكون مجاهدا ولا يكون في سبيل الله ولا يكون شهيدًا ولا يحصل على أي ثواب، والجهاد في سبيل الله يعني بالتأكيد في سبيل العدل، والسلام، والأمن، وكل ما هو معروف عن أهداف الأديان أو أسباب نزولها للإنسان، مشيرًا إلى أن الحرب في الإسلام لا يمكن أن تكون من أجل التوسع، أو من أجل الاستعمار، أو من أجل القفز على أراضي الآخرين وامتلاكها، أو من أجل الحصول على مقدرات الشعوب الأخرى، أو من أجل استعراض القوة، أو من أجل الترويج للسلاح أو بيعه، فهذه الأهداف في فلسفة الإسلام أهداف هابطة، حركت كثيرًا من حروب الحضارات القديمة والحضارات المعاصرة الآن.
وأضاف شيخ الأزهر في برنامجه (الإمام الطيب) الذي يذاع يوميًّا طوال شهر رمضان المعظَّم على التليفزيون المصري وقنوات إم بي سي مصر، وتليفزيون أبوظبي وعدد من القنوات الفضائية الأخرى، أن الفتوحات الإسلامية لا تعد توسعات ولكنها من باب حمل هذا الهدي إلى الناس، والناس أحرار بعد ذلك في الدخول في هذا الهدي أو البقاء على ما هم عليه، وأما الحروب التوسعية أو الاستباقية فكانت من أجل تأمين الحدود، فإن لم يتوسع الإسلام فسوف يُقضى عليه من الروم أو الفرس آنذاك، وهذا هو جهاد الطلب، وأما جهاد الدفع فهو الذي قام به النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما هوجم في المدينة ودافع، فكان هذا النوع من الجهاد من الحروب الدفاعية البحتة من أجل حماية هذا الدين الجديد وحماية أرض الإسلام، لا من أجل نشر فكرته.
وأوضح شيخ الأزهر أن التنوع والاختلاف مشيئة إلهية واقعة وسارية في الخلق إلى يوم القيامة، ولا يمكن حمل الناس على منهج واحد ولا على دين واحد، والذين ينادون بذلك فهم إما جهلة بالإسلام وإما أنهم يوظفون الإسلام في أمور سياسية لا يقرها الإسلام ولا يعرفها لا من قريب ولا من بعيد، والآيات التي تؤكد ذلك كثيرة جدًّا، قال تعالى: «ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين»، «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين»، «ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة»، «ولو شاء الله لهدى الناس جميعًا»، «هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن»، «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا»، «ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم»، وهذا الاختلاف الذي قرره القرآن الكريم الحكمة منه هي الابتلاء وإظهار الخير من الشر، إذ الخير والشر لا يظهران إلا في الاختلاف، ثم إن الناس كلهم لو كانوا على دين واحد لبطل معنى التكليف، ومعنى الثواب والعقاب، والجنة والنار.
وأشار شيخ الأزهر إلى أن الإسلام لا يعرف شراء الذمم ولا يُرْغِمُ أحدًا على الدخول فيه سواء أكان الإرغام بالتهديد بالسلاح أم بالإغراء المادي كما تفعل بعض الأنظمة التي تشتري ضمائر الفقراء بالمال، في مقابل التمذهب بمذهب معين أو الدخول في الجمعية الفلانية، فالإسلام ضد أن تأتى العقيدة عن طريق الضغط المعنوي أو المادي، انطلاقًا من قوله تعالى: «لا إكراه في الدين»، وقوله تعالى: «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، ويُروى أن امرأة غير مسلمة جاءت لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لحاجةٍ عنده، وبعد أن أداها دعاها إلى الإسلام بالحسنى فامتنعت فخشي أن يكون في كلامه وهو الإمام القوي إكراه لها فقال: «اللهم إني لم أكرهها»، ثم تلا قوله تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ»، مؤكدًا أنه لا فائدة من مسألة الإرغام هذه، لأن الإيمان اعتقاد قلبي ولا يمكن أن يفرض، ولم يحدث على الإطلاق في تاريخ الفتوحات الإسلامية أن رُفِع سيف لإرغام أحد على النطق بالشهادتين، وأما أكذوبة انتشار الإسلام بالسيف التي أسسها الرومان، كان الهدف منها تبرير ظاهرة انتشار الإسلام في أقل من 80 سنة من الغرب للشرق.
واختتم شيخ الأزهر الحديث بأن العلاقة التي يجب أن تسود بين الناس -وإن اختلفوا- هي علاقة التعارف التي نص عليها القرآن الكريم: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) إذ العلاقات يجب أن تكون قائمة على السلام مع الآخر؛ إلا إذا اعتدى فحينئذ يجب رد اعتدائه، مشيرًا إلى أن العلاقات الإنسانية توجد حيثما يوجد الإسلام؛ لأنه دين الأخلاق ودين الإنسانية.